هل باتَتْ الجماعات الجهادية على موعد مع مُستقرٍّ جديد؟
يبدو أنّ الجماعات الجهادية باتَتْ على موعد مع مُستقرٍّ جديد، في جنوب شرق آسيا، في الجزر الفلبينية الأربع: مينداناو، كوتاباتو سيتي، بانغسامور، و إيزابيلا، ذات الأغلبية المسلمة، التي انطلقت فيها يوم الاثنين:20/ 1، المرحلة الأولى من الاستفتاء التاريخي، الذي ستستكمل مرحلته الثانية في: 6/ 2 القادم، و يشارك فيه أكثر من مليونين و ثمانمائة و ثلاثين ألف ناخب يحق لهم التصويت، و سيعطى المسلمون في تلك الجزر حكمًا ذاتيًا أوسع مما كان عليه، فيتم تشكيل حكومة بانغسامورو ذاتية الحكم، و افتتاح محاكم تطبق الأحكام الشرعية بشكل مستقل في إطار الحريات الدينية.
يرى المراقبون أنّ هذا الإقليم سيكون الوجهة الجديدة لأتباع تلك الجماعات، ولاسيما أنّ خلايا من داعش قد أعلنت عن نفسها هناك في شهر أيار: 2017، عبر مجموعات من المقاتلين المحليين المنتمين إلى جماعة " أبو سياف "، و معهم عشرات من جنسيات أخرى عابرة الحدود كانوا يقاتلون في سورية، و ذلك عن طريق تسجيل مصور يحثون فيه مواطنيهم على الانضمام لإخوانهم في جنوب الفلبين، و شن هجمات فيها بدلاً من محاولة السفر إلى سورية.
فقد ذكر مصدر في المخابرات الفلبينية أنّ نحوًا من 40 مقاتلاً جاؤوا في الفترة الأخيرة من الخارج، و بعضهم جاء من دول في الشرق الأوسط كانوا ضمن ما بين 400 و500 مقاتل اجتاحوا مدينة ماراوي في جزيرة مينداناو، في: 23/ 5/ 2017، من بينهم إندونيسيون وماليزيون وباكستاني واحد على الأقل وسعودي وشيشاني ويمني وهندي ومغربي وشخص واحد يحمل جواز سفر تركي.
و ذلك في وقت كانت فيه داعش تتقلص في العراق وسورية، و مناطق أخرى من آسيا و الشرق الأوسط، في حين كان تتوسع في تلك المناطق من جنوب آسيا، و الفلبين التي تعتبر مركز الاستقطاب الجديد لعناصرها بعد سلسلة ضربات لحقت بها مؤخرًا.
فقد أعلنت داعش و الجماعات المرتبطة بها مسؤوليتهم عن عدة هجمات في مختلف أرجاء جنوب شرق آسيا في العامين الماضيين، لكن المعركة في مدينة ماراوي في منتصف شهر أيار: 2107، كانت أول مواجهة طويلة مع قوات الأمن.
فقد تمّ رصد عدد من الرسائل المتبادلة عبر تطبيق تليغرام " الروسي "، الذي يستخدمه أنصار داعش، ففي إحدى هذه الرسائل كتب أحد المستخدمين يقول: إنه في قلب مدينة ماراوي، حيث يمكنه رؤية أفراد الجيش يركضون مثل الخنازير، و دماؤهم القذرة تختلط بجثث القتلى من زملائهم. بينما طلب من آخرين في المجموعة نقل هذه المعلومات لوكالة أنباء أعماق الناطقة بلسان داعش، في حين كتب مستخدم آخر، قائلاً: الهجرة إلى الفلبين…الباب مفتوح.
ويعتقد المسؤولون في إندونيسيا أن عددًا من هؤلاء، قد تسللوا إلى مدينة ماراوي تحت غطاء التجمع السنوي لجماعة التبليغ قبل أيام من بدء القتال في تلك الجزيرة، في سنة 2017.
حيث بدأت القصة بهجوم مفاجئ من قبل عناصر التنظيم على ماواري، وقاموا بما يشبه الاحتلال لها، ونقل التنظيم خلافته إلى الشرق الآسيوي، بعد هزيمته في العراق وسورية، ودارت اشتباكات بين الطرفين استمرت لأسابيع، و استمر القتال لنحو خمسة أشهر تقريبًا، و أسفر عن مصرع أكثر من ألف شخص، من بينهم 163 من القوات الحكومية، فضلًا على جرح أكثر من 1700 شخص آخرين، وتشرد 400 ألف آخرين، و دمار في المنطقة تقرب تكلفته من " 53 " مليار بيزو، أي ما يعادل المليار دولار.
إنّه وعلى الرغم من تواجد التنظيم في الفلبين، إلا أنه لم يحاول عمل هالة إعلامية مصاحبة له كما هو معتاد منه في المناطق الأخرى، و لاسيّما في سورية و العراق؛ و ذلك حفاظًا على مشروعه الوليد، و انتظارًا لقيام الاستفتاء الشهير، الذي أشير إليه أعلاه.
ويعد تنظيم داعش في الفلبين من أقوي أفرع التنظيم المنتشرة في قارة آسيا، و يشكل امتدادًا لجماعة أبو سياف، التي أعلنت مبايعتها رسميًا للبغدادي في 2015، بعد سنوات من انشقاقها عن جبهة تحرير مورو، في عام 1991، و خاضت حربًا ضد الحكومة الفلبينية؛ رغبة في الحصول على حكم ذاتي لها.
وتشير تقارير إلى أن هذه الجماعة أسسها عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني، الذي كان يتلقى تعليمه في ليبيا، قبل أن يعود إلى بلاده، ليؤسس هذه الجماعة حتى مقتله في اشتباك مع قوات الأمن الفلبينية عام 1998، ليتولى التنظيم خلفه شقيقه الأصغر قذافي جنجلاني، الذي قتل أيضًا عام 2007.
و كانت داعش قد تلقت عدة ضربات قاسية، حيث شنّت قوات الأمن الفلبينية حملات اعتقال واسعة، تمكنت من خلالها من إلقاء القبض على عدد من قيادات التنظيم هناك، من بينهم محمد نعيم ماوتي، الذي يعرف باسم أبو حديد، و هو الشقيق الأصغر لعبدالله، و عمر ماوتي، اللذين يقودان أكثر من 200 مسلح محصنين في أربع مناطق بمدينة مراوي 800 كم جنوبي مانيلا، و كذلك قتل ثلاثة من أهم القيادات في التنظيم في معركة ماراوي، هم: إسنيلون هابيلون، أمير التنظيم في جنوب شرقي آسيا، و عمر الخيام ماوتي، أحد قادته، الذي خطط هو و أخوه عبد الله، و المدعو هابيلون، لحصار مدينة ماراوي في 23 أيار 2017، و كذلك قتل محمود أحمد، وهو ماليزي الجنسية، و قام بدور حيوي في تمويل حصار ماراوي جنوب الفلبين، وتشير التقارير إلى أنه كان قد خلف إسنيلون هابيلون في قيادة المعركة بعد مقتله.
وسوم: العدد 808