مؤتمر الكفاءات العراقية في ميشيغان نعم لمقرراته.. لا للسماح باستغلاله لتشويه البعث
الجزء 1
شهدت ولاية ميشيغان الأمريكية يوم 05 جانفي – كانون الثاني 2019 انعقاد مؤتمر الكفاءات العراقية المغتربة في أمريكا ضمن الجمعية الوطنية العراقية الأمريكية للصداقة وسجل حضورا عراقيا أمريكيا لافتا.
وتعبيرا عن التصاق أبناء العراق بهموم وطنهم - ورغم بعض ما روج من التحفظات عن تواجد قلة من الأسماء بين المؤتمرين، والتي يندرج حضورها ضمن إكراهات السياسة كما سنبينه خلال هذا المقال المتواضع -، كان ملف احتلال العراق المركب ومأساة شعبه والتهديدات الجدية التي تترصده، جوهر المؤتمر وغاية المؤتمرين حيث عرضوا ورصدوا مختلف الجرائم التي عاشها العراق بعد احتلاله وعرّوا الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها بلاد ما بين النهرين وبحثوا في سبل الخلاص الممكنة.
وبالعودة لما حاف بهذا المؤتمر ولمضامينه وأهدافه، والتي عبر عنها البيان الختامي كأحسن تعبير ناهيك عن المداخلات القيمة في معظمها فإننا سنخلص إلى الأهمية القصوى لهذا المؤتمر، ذلك أنه وبعيدا عن الاستسلام للأماني والإفراط في الأحلام والمبالغة في التفاؤل أو التشاؤم بالتعامل معه، يبقى خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح يجب البناء والمراكمة عليها.
ولعل من أهم مسوغات القول بأهمية هذا المؤتمر، هو أنه أول اجتماع أو فضاء يضع تصورا وطنيا للعراق من داخل أمريكا نفسها، وهذه نقطة في حد ذاتها كفيلة بتثبيت أنه مؤتمر ميشيغان يرقى في التعامل معه والحكم عليه إلى مرتبة الاختراق أو أولى لبنات الاختراق والنفاذ للمجتمع الأمريكي في دولة أمريكا وفي عقر دارها وهي رأس الحربة في الجرائم المتتالية التي تعرض لها العراق وشعبه منذ حوالي 30 سنة، هذا دون القفز على حقيقة كون أن السواد الأعظم من المشاركين في هذا المؤتمر هم من الأكاديميين والكفاءات لا خلاف على وطنيتهم وصدقهم ونزاهتهم وإخلاصهم لبلدهم ولأمتهم وجلهم معروفون بتاريخهم النضالي المشرف.
ويكفي التمعن في البيان الختامي للمؤتمر وعمق مضمونه وفقراته التي عبرت كأحسن تعبير عن مطالب كل العراقيين الشرفاء، وكانت الفقرة الأولى منه شديدة الوضوح حيث تبنى المجتمعون الحل الجذري الشامل لأزمة العراق الخطيرة الذي طرحته المعارضة الوطنية العراقية منذ أواخر عام 2014 والذي يقوم على إخراج النفوذ الإيراني بكل مسمياته وأشكاله ومرتكزاته العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية من العراق وإزاحة نظام الاحزاب الدينية الحاكم وإقامة حكومة ( إنقاذ أو طوارئ) انتقالية بقيادة قادة من الجيش العراقي الوطني ومعهم كفاءات مدنية وطنية تقوم حكومة ( الإنقاذ أو الطوارئ ) الانتقالية بالتمهيد خلال فترة انتقالية تتراوح بين سنة إلى سنة ونصف على إقامة نظام مدني ديمقراطي نيابي يقوم على مبدأ التداول السلمي الحقيقي للسلطة والفصل بين السلطات واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة والمساواة الكاملة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وعدم التمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الانتماء القومي أو الراي السياسي.
وقامت الفقرة الأولى على بنود ونقاط من أهمها المطالبة بإطلاق حملة إغاثة سريعة ومباشرة لغالبية سكان العراق الذين أفقرهم النظام الدكتاتوري الفاسد الذي نصبه المحتل، وذلك بإعادة العمل فوراً بنظام البطاقة التموينية وبأي وسيلة فعالة أخرى، والمطالبة بضرورة إعادة الأمن والخدمات العمومية ووقف عمليات النهب الواسعة والبدء بعملية إعادة بناء المدن المدمرة أولا وإعادة البناء الشامل في العراق، ووجوب إعادة النازحين فورا إلى مدنهم وأعمالهم وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار جراء سيطرة العصابات الإرهابية وأعمال التخريب التي قامت بها المليشيات وذلك كما نصت عليه النقاط 1 و2 و3 و4 و6 و7 ( أوّلا من 9 نقاط )، لتبقى النقاط 5 و8 و9 من الفقرة نفسها نقاطا ذات أهمية كبرى بل إنها جوهر الضمانات الكفيلة بتخليص العراق وشعبه من جرائم الاحتلال الإيراني وكل مخلفات الغزو الأمريكي لبغداد سنة 2003. حيث نصت النقطة 5 على ضرورة التهيئة ووضع الأسس لعملية الانتقال الديمقراطي الحقيقي بتشريع قانون للانتخابات وقانون الأحزاب وقانون حرية الصحافة والتعبير ووضع دستور وطني واستفتاء الشعب عليه، فيما طالبت النقطة 8 بإلغاء القوانين والإجراءات الإقصائية اللاإنسانية مثل قرار الاجتثاث وقانون المساءلة وقانون حظر البعث وقانون مكافحة الإرهاب، وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين لأسباب سياسية غير جنائية تتصل بمعارضتهم للهيمنة الإيرانية أو انتمائهم للنظام السابق، وخلص المؤتمرون في النقطة 9 لرسم خارطة طريق سياسية كفيلة بحلحلة الوضع المتردي في العراق مؤكدة على أنه وبنهاية الفترة الانتقالية يختار الشعب العراقي ممثليه عبر انتخابات تشريعية ورئاسية حرة نزيهة بإشراف ورقابة جهات قانونية عربية ودولية وذلك لإقامة نظام مدني ديمقراطي نيابي.
وعبرت الفقرات الثانية والثالثة والرابعة عن مساندة المؤتمر لسياسات ترامب إزاء النظام الإيراني ولإلزامه بوقف سياساته التوسعية وإنتاجه الصاروخي وتدخلاته الإرهابية المزعزعة للسلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم
كما ناشد المجتمعون الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمساعدة شعب العراق للخلاص من هيمنة إيران ونظام أتباعها الحاكم في العراق، ويدعونهما لإسناد مساعي معارضته الوطنية وضباط جيشه الوطني وكفاءاته ومثقفيه لتغيير هذا النظام الإرهابي الفاسد وإقامة حكومة إنقاذ أو طوارئ انتقالية تقود عملية التغيير الديموقراطي المدني في العراق وتحافظ على وحدة أراضيه ووحدته الوطنية وسيادته واستقلاله، وتعيد بناء العراق وتنفذ عملية تنمية شاملة بمساعدة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وإقامة علاقات جديدة بين العراق والولايات المتحدة تقوم على احترام المصالح الوطنية لكلي البلدين.
ومن خلال ما سبق تبيانه ولو باقتضاب شديد، فيتبين موضوعية حكمنا على أهمية مؤتمر الكفاءات العراقية في ميشيغان، ونستشف من خلال فعالياته وبيانه الختامي خصوصا أنه من الضرورة بمكان تشجيع المنظمين له والواقفين وراء انعقاده تفكيرا وتخطيطا وإشرافا وإعدادا، ومطالبة أعضائه بالسعي لطرق كل الأبواب الكفيلة بتكريس ما أقره وتمخض عنه المؤتمر وتوصياته المرفوعة، والعمل على جعلها تنفذ للدوائر الأمريكية المؤثرة سواء الرسمية أو المجتمعية نظرا لقوة المجتمع المدني الأمريكي وتأثيره في السياسات والإدارات الأمريكية ذلك أن المؤتمر لخص معاناة العراق وسن وعاود سن الطرق المؤدية لخلاصه.
إلا أنه من الواجب أيضا، وبالقدر نفسه من أهمية الثناء على المؤتمر منفذين ومخططين وأفكارا وتوصيات، حري بنا أن نؤكد على أن دعمنا لهذا الحدث لا يعني مطلقا وبأي حال من الأحوال أننا نثق ثقة عمياء بالمحتل الأمريكي أو نفاضل بينه وبين الاحتلال الإيراني للعراق، لكن ينبغي علينا التوضيح بمنتهى الجرأة أن عدونا الأول اليوم، الأخطر والأفضع هو العدو الإيراني الفارسي الصفوي، إذ لا نخال بأن أحدا من أبناء الأمة المخلصين ( باستثناء المفلسين والعملاء والمرتبطين بالمشروع الإيراني وجوقة العملاء والجواسيس ) لا يتلمس ولا يرى بالعين المجردة تنامي الخطر الفارسي وتصاعد النزعة التوسعية الاستيطانية الشعوبية للعدو الإيراني المجرم، أو لا يدرك التداعيات الكارثية لسلسلة الجرائم الإيرانية وانعكاساتها لا على العراق أو الأقطار العربية التي تنفذت فيها وسيطرت على مفاصلها فقط، بل وعلى كل الوجود العربي من أقصى المحيط إلى غاية الأحواز العربية المحتلة. فإيران تسلمت العراق واحتلته بالوكالة عن أمريكا، ومارست فظاعات وجرائم عنصرية ستظل لوثة ووصمة عار لا تمحى من جبين الإنسانية كلها وخاصة الإدارة الأمريكية وحلفائها الذين صمتوا عن تلك الجرائم ووفروا غطاء مخاتلا لمرتكبيها سواء من الفرس أو الميليشيات المرتبطة بهم. كما أنه لا يخفي على أحد ما تتحوز عليه إيران من أوراق سامة قاتلة أهمها استخدامها للطائفية وبث النزعات الإثنية وتأجيج الصراعات العرقية ناهيك عن مخزون الحقد والثارات المرعب الذي يحركها ويغذي سياساتها تجاه العرب بما يتوافق مع الأجندا الصهيونية بل وبما يكملها ويساهم في إنجاح مخططاتها هي الأخرى.
وإن اتهام البعث والبعثيين بمثل هذه التهم لهو ضرب من الجنون، بل إنه إنكار لحقائق التاريخ والجغرافيا وجهل بها.
حيث تعالت أصوات كثيرة وجهت سهامها لحزب البعث العربي الاشتراكي باستغلال فعاليات مؤتمر ميشيغان، واعتبرت أنه مؤتمر واجهي لحزب البعث، وذهبت بعيدا لحد القول إن البعث تخلى أو ألقى بندقية المقاومة في فصل دعائي مغرض سمج جديد يعجز حتما على النيل من مسيرة الحزب وتاريخه النضالي وسفره النضالي الوضاء والحافل مآثر وبطولات ممتدة لأكثر من سبعة عقود كاملة. فهؤلاء يحاولون التذاكي والتحذلق بشأن محور اختص به البعث تحديدا، وراده دون أن يترك مجالا للآخرين للاستنقاص منه أو التشكيك به أو المزايدة عليه، بل إن الأمريكان أنفسهم يعلمون ما لاقوه من جلد سياط المقاومة العراقية التي اضطرتهم على الاندحار من العراق عام 2011. فكيف يجرؤ هؤلاء على استغلال مؤتمر ميشيغان لمعاودة استهداف البعث؟ بل وما هي مراميهم من ذلك؟
يتبع
وسوم: العدد 809