ليس عبارة " الإسلام هو الحل " مجرد شعار كما يقول الخمليشي لأنه لو لم يكن كذلك لما كان رسالة الله عز وجل الخاتمة للعالمين
يبدو أن التوجه العلماني عندنا صار يركب كل مركب من أجل تسريع وتيرة نقل مجتمعنا من مجتمع يدين بدين الإسلام إلى ما يسمى بالمجتمع المدني الحداثي الذي ليس فيه للإسلام سوى حرية ممارسة العبادات بينما تتولى العلمانية الشؤون الدنيوية .
ووفق هذا التصور نشر المدعو محمد الراجي اليوم مقالا على موقع هسبريس تحت عنوان : " الخمليشي : المسلمون علمانيون بلا وعي ، والإسلام هو الحل مجرد شعار"
وهو مقال استعرض فيه صاحبه ما جاء في كتاب الخمليشي بعنوان " من ظلال الحرية إلى آفاق الدين " . ومما جاء في هذا المقال أن صاحب هذا الكتاب يهدف إلى نقد الأفكار الرائجة حول الشريعة والدولة الإسلامية وتأسيس مفهوم الجهاد على قاعدة جديدة تجعل منه أداة لبناء الإنسان والحضارة ، وإعادة الاعتبار لقضية الاجتهاد باعتبارها أداة رئيسية لفتح أبواب التجديد والتقدم أمام المجتمعات الإسلامية .
ومما جاء في هذا الكتاب حسب صاحب المقال أن الخمليشي يرفض إضفاء الإنسان القداسة على ما يحمله من أفكار، وما يقترفه من أفعال بادعائه الانتماء إلى الدين . ويرى أن حرية فكر الإنسان قيمة إنسانية كبرى تميزه في هذا الكون، وتحقق سموه ورقيه ، وأنها حق مطلق لا يقيد باسم الدين ، ولا باسم القانون ، ولا باسم الأخلاق ، ولا بأي اعتبار آخر . ويميز بين حرية الفكر وحرية الفعل، فهذه الأخيرة تخضع لرقابة الأخلاق والقانون لتحقيق العدل ، ويرى أن الإسلام يقر بشكل حاسم حرية الإنسان عكس ما هو عليه الحال بالنسبة لثقافة المسلمين، لأن وصفهم الإسلام بأنه دين ودنيا مجرد شعار، ذلك أن ممارساتهم وأعرافهم تكرس انفصاما تاما بين الدين والحياة ، ولهذا يرى أنهم علمانيون علمانية متطرفة تفصل الدين عن الحياة دون وعي منهم حين يكثرون من العبادات صلاة ،وصياما، واعتكافا، وصدقات ، وبناء مساجد ، وإطعام الفقراء ، في حين تظل مجالات واسعة خارج اهتمامهم ، فهم يحرصون على ولائهم للدين محتقرين شؤون الدنيا ، وهو ما يؤشر على الانفصام العميق في وعيهم بين الدين والحياة ،لأنهم لا يعون أن خدمة مصالح الناس ، وأداء الواجب على الوجه الأكمل ، والتجاوب مع حاجيات الناس الدنيوية من صميم الدين وأفضل قربة إلى الله .
ويستشهد الخمليشي على هذا الذي سماه انفصاما بالأحوال المزرية التي يعيشها المسلمون من عدم الاستقرار ، والافتقار إلى البنيات التحيتة من طرق ومدارس ومستشفيات ووسائل نقل مع الافتقار إلى العلم والمعرفة .
وينتقد الخمليشي الحركات الإسلامية التي ترفع شعار " الإسلام هو الحل " وتدعو إلى العودة إلى الدين كمفتاح لحل كل الأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية ، ويعتبر هذه الحركات تتحدث عن الدين بالمعنى التقليدي الذي يقتصر على العقائد وعلى الحد الأدنى من المعاملات مع التركيز على قضايا رمزية كالحجاب واللحية ، في حين لا تهتم بمعالجة هموم الناس الدنيوية كالفقر، والأمية، والفساد، والسكن ،والبطالة، والرعاية الصحية، والحريات ،ومشاكل التعليم والقضاء والإدارة والثقافة ، لهذا يرى أن رفعها شعار " الإسلام هو الحل " في بيئة تنتشر فيها الأمية ، وتغلب عليها ثقافة دينية تقليدية كان له أسوأ الأثر على واقع البلاد الإسلامية . ويذهب إلى أن كل من ينتقد رفع هذا الشعار تصريحا أو تلميحا ينعت على أنه يعادي الإسلام .
وتعليقا على ما جاء في هذا المقال نركزتحديدا على قضية " الإسلام هو الحل " الذي نختلف مع الخمليشي في اعتباره مجرد شعار ،لأن اعتباره كذلك يعتبر تشكيكا واضحا في عالمية الرسالة الخاتمة احاملة الإسلام إلى الناس أجمعين إلى قيام الساعة.
ولا شك أن انتقاد الخمليشي للذين يرفعون هذا الشعار يدخل ضمن الصراع الدائربين الإسلاميين والعلمانيين، والذي اشتد بعد ثورات وحراكات الربيع العربي الذي كشف عن رهان الشعوب في الوطن العربي على الإسلام بعد فقدان الثقة في غيره من الإيديولوجيات التي فرضت عليها من طرف الغرب ،والتي لم تحقق لها ما تصبو إليه بل والتي تتحمل مسؤولية ما تعيشه من أزمات ومن تخلف . وهذا الرهان هو الذي جعل العلمانية الغربية تتحرك بقوة لصرف الشعوب العربية عنه ، موظفة أنظمتها التي تتلقى منها التعليمات ، ورافعة شعار ما تسميه الإسلام السياسي بعد مؤامرة تشويهه عن طريق توظيف عصابات إجرامية تمارس الإرهاب باسمه . وتلقفت العلمانية العربية هذا الشعار من العلمانية الغربية ورفعته واستغلته لترجيح كفتها على كفة الإسلام كحل لتجاوز وضعية ما بعد النكبة والنكسات المتتالية . واختلفت أساليب مواجهة فكرة الرهان على الإسلام عند الشعوب العربية في الوطن العربي ، ففي مصر كان الانقلاب العسكري الدموي على الديمقراطية التي جاءت بمن يحملون شعار الإسلام هو الحل ، وفي غيرها كانت أساليب أخرى تراوحت بين تحويل الثورات إلى فوضى وصراعات طائفية مدمرة وتمديد عمرها في بعض البلدان، وبين محاولة إفراغ التجارب الديمقراطية التي جاءت بأحزاب ذات مرجعية إسلامية من دلالتها في بلدان أخرى، وكل ذلك من أجل صرف الشعوب العربية عن فكرة الرهان على الإسلام .
وتتاولى الحملات العلمانية العربية على الإسلام من خلال ما ينشر من أفكار في كتب أو مقالات أو ما يصرح به في محاضرات وندوات تتضمن مغالطات للنيل من الإسلام بطرق ماكرة حيث يهاجم المسلمون في الظاهر ، ويكون القصد في الباطن هو الإسلام . وهذا الأسلوب هو ما يستشف من كتاب الخمليشي حسب هذا المقال الذي يعرض فيه بالمسلمين وبالحركات الإسلامية ، ويتهمها بالقصور في فهم الإسلام كفهمه الذي هو فهم علماني .
ومعلوم أنه من البديهيات أن أقل المسلمين معرفة وعلما يعلم علم اليقين أن الإسلام دين ودنيا ،وهو ما يقره الخمليشي نفسه إلا أنه يعطي لنفسه حق فهم ذلك أكثر من جميع المسلمين ومن جميع الحركات الإسلامية ، فيصف فهمهم للإسلام بأنه لا يعدو فهما تقليديا، بينما فهمه هو الفهم الصحيح ،علما بأنه لا يوجد من يقول أن الإسلام هو مجرد صلاة وصوم وحج وزكاة ، وأن شؤون الدنيا لا دخل له فيها ، والذين يقولون بهذا هم العلمانيون ، وقد أقر الخمليشي بذلك حين اتهم المسلمين بأنهم علمانيون علمانية متطرفة تفصل الدين عن الدنيا دون وعيهم بذلك في معرض التعريض بهم والسخرية منهم.
ومعلوم أن الإسلام يشبه ورقة مالية لها وجهان ، وجه العبادات ووجه المعاملات ، ولا يمكن فصل وجه عن آخر ، فالصلاة على سبيل المثال لها دور في شؤون الحياة ،لأن وظيفتها هي النهي عن ما فحش من تلك الشؤون ، والفاحش منها هو ما زاد عن الحد المطلوب أو الواجب ، فمن لم تنهه صلاته عن كل فحش في ما يأتي من أعمال لا صلاة له ، ولا يفقه روحها وحقيقتها والحكمة من فرضها. وما قيل عن الصلاة يقال عن عبادات أخرى ، فالصوم الذي لا يدع صاحبه قول الزور والعمل به وهو ما يمس شؤون الحياة المختلفة ليس لله تعالى حاجة أن يدع طعامه وشرابه . وبناء المساجد إنما هو بناء محاضن لتربية إلإنسان على مراقبة الخالق فيما يقوم به من شؤون الحياة عن طريق الصلة اليومية به .
ولا يمكن التشكيك في أن الإسلام هو الحل إذا ما كان الناس لا يفقهون روحه ،ويختزلونه في عبادات دون معاملات . ولا يتحمل الإسلام أوزار من لا يلتزمون به كما يجب . وليس كل المسلمين سواء في الفهم القاصر للإسلام كما يوحي بذلك كلام الخمليشي .
إن مشكلة المسلمين ليست في الرهان على الإسلام بل هي في منعهم من هذا الرهان بشكل أو بآخر . ومن أشكال منعهم تشكيكهم في ذلك ، واقتراح البديل العلماني بشكل ماكر يظهر قبول الإسلام ويبطن عكس ذلك .
وأخيرا نقول إن الحملة العلمانية المسعورة ضد الإسلام عن طريق استهداف المسلمين مآلها الفشل الذريع ، وسيظل رهان الشعوب في الوطن العربي عليه قائما حتى يتحقق شعار الإسلام هو الحل رغم أنف العلمانية الغربية والعربية على حد سواء .
وسوم: العدد 809