تعقيب على عصيد بخصوص رسالته المفتوحة الموجهة إلى وزير التربية الوطنية
من الأمثال العربية قولهم " رمتني بدائها وانسلت " ويضرب للذي فيه عيب فيلقيه على غيره ويعيره به ، ويخرج نفسه منه . ويقابل هذا المثل بالعامية المغربية " ضربني وبكى وسبقني وشكا " . و ينطبق هذا المثل على المدعو أحمد عصيد الذي يرمي غيره بدائه وينسل منه .
لقد نشرت له هسبريس الرقمية مقالا تحت عنوان :
" عصيد يراسل أمزازي : مدارس تغتال الأطفال بتلقين التطرف والإحباط "
يخاطب عصيد وزير التربية الوطنية وهو يعيّره قائلا : " ليس هدفي من هذه الرسالة المفتوحة أن أزيدكم هما على هم ، ولا أن أثقل كاهلكم بأمور قد لا تعتبرون أنفسكم مسؤولين عنها مباشرة خاصة وأنكم تشرفون على قطاع من أكثر قطاعات الدولة تدهورا وأشدها تخلفا "
ثم يشرع في الحديث عما سماه ظواهر غريبة وخطيرة جعلت المنظومة التربوية صفرا على حد قوله . ويتحدث عن مناسبة هذه الرسالة، وهي أن موظفة اتصلت به لتعرض عليه مشكلتها ، وليست مشكلتها على حد قوله حالة منفردة بل هي مشكلة آباء وأمهات التلاميذ بالتعليم العمومي والخصوصي ، ويتعلق الأمر بكراهية بنت تلك الموظفة لأمها بسبب سلوك المدرسين مع المتعلمين في الفصول الدراسية . ويفتح قوسا للحديث عن مراجعة مقررات كتب التربية الإسلامية ـ وسماها هو التربية الدينية لحاجة في نفسه ـ والتي تم تطهيرها من التطرف والغلو الذي لا يلائم المدرسة الحديثة على حد تعبيره ، وهي مراجعة لقيت مقاومة من التيار الإيديولوجي الذي أسف لاختراقه الإدارة التربوية تفتيشا وتأليفا مدرسيا .
ويزعم أنه لمس توجها حثيثا لدى العديد من المدرسين والمدرسات يمررون المضامين التي حذفت من تلك المقررات شفويا لترسيخها في أذهان المتعلمين، وذلك لغرس التطرف المشين والغلو اللاعقلاني فيهم من قبيل قولهم أن المرأة التي لا تضع غطاء على رأسها لا يجب أن يؤكل أو يشرب معها ، وأن الأب الذي لا يصلي ولا يصوم لا يستحق المحبة لأنه كافر ، الشيء الذي تسبب في صدام بينهم وبين أولياء أمورهم .
ويعود بعد ذلك إلى المرأة التي عرضت عليه مشكلتها وهي أن ابنتها تجد صعوبة في تعلم اللغة الفرنسية ،وعندما اتصلت بمدرستها لاستفسارها عن ذلك أجابتها بالقول : " إن الفرنسية لن تنفعها في الآخرة " .
ودون أن يطيل على الوزير على حد قوله ،أخبره أن بعض المدرسين يتحدثون مع طفلات عن زواج عائشة وعمرها تسع سنوات ، وأنهم يرهبون المتعلمين بالحديث عن أنواع العذاب وعن قبح الكفار ، ويجدون متعتهم في الحديث عن الغزوات والقتال ، ويخوضون حربا يومية ضد قيم الخير والجمال . ويزعم أن هذه الوقائع صارت يومية، لهذا صرنا شعبا لا يستوعب أبسط القيم الإنسانية ، كالنظافة ، واحترام الآخر ، والتحلي بالنزاهة والأمانة ... وصرنا شعبا يغش ويرتشي ، ويكره ...وجعلنا من المدرسة مصنعا للرعايا المجيشين والمحنّطين لخدمة أجندات متناحرة عوض أن تكون مشاتل لبناء مواطنين أحرار ومنتجين .
ويبرىء عصيد الوزير من المسؤولية عن ذلك ، ومن المسؤولية عن تكوين أولئك الأساتذة الذين وصف وضعيتهم بأنها أشبه بالأمية ، ثم يطرح عليه سؤالين:
ـ السؤال الأول : ما هو برنامجكم لتكوين أساتذة أكفاء ؟
ـ السؤال الثاني : ما هي الآلية التي ترون أنها كفيلة بمراقبة الأساتذة الذين يخونون مهمتهم التربوية، والذين يصفون حساباتهم مع التحديث في المجتمع ، ويحدثون خسائر فادحة في أذهان المتعلمين ؟
هذه خلاصة الرسالة المفتوحة ، وفيما يلي التعقيب عليها ، علما بأن التعقيب يعني لغة الكشف عن العيوب والأخطاء :
أول ما نعقب به على عصيد هو وصفه السوداوي لوضعية التعليم في بلادنا ، وهو خطاب يطبع كل ما يثيره من قضايا إذا ما صحت تسميتها كذلك ، وهو ما يعرف بخطاب العدميين . ومع أن المنظومة التربوية تخرّج سنويا أفواج من المتعلمين يسجلون معدلات عالية ومشرفة ، وتزود مختلف القطاعات بالأطر
خريجة المعاهد ، فإن عصيد وصفها بالمنظومة المتدهورة والمتخلفة على وجه التعميم .
أما القضية التي يدور حولها موضوع رسالته المفتوحة، فهي عقدته المعروفة تجاه الدين والمتدينين، لأنه يدافع عن ما يسميه بالمجتمع العلماني الحداثي الذي يكون فيه الدين على هامش الحياة ، ولهذا فرسالته الموجهة إلى وزير التربية الوطنية هي عبارة عن تصفية حساب إيديولوجي ، وهو ما رمى به أولئك المدرسين الذين اتهمهم بخيانة أمانة التدريس حين وصفهم بأنهم يصفون حساباتهم مع التحديث ، ولهذا قلنا أن المثل القائل " رمتني بدائها وانسلت " ينطبق عليه تماما ، كما ينطبق عليه المثل العامي " ضربني وبكى وسبقني وشكا".
ويفتقر عصيد إلى الموضوعية لأنه انطلق من شكاية امرأة واحدة ليجعل منها ظاهرة ، وهو بحديثه عما يجري في الفصول من تفاصيل يبدو أنه يملك قدرة عجيبة على اختراق جدران تلك الفصول أو عنده علم الغيب فهو يرى .
وتتضمن مراسلته افتراءات وأكاذيب واتهامات ، فمقررات وكتب مادة التربية الإسلامية والتي سماها دينية لحساسيته ضد الإسلام لم تكن تتضمن ما سماه تطرفا وغلوا ، والرأي العام بما فيه التربوي المختص على علم ووعي تامين بملابسات تغيير مقررات وكتب هذه المادة لا داعي لذكرها الآن .
ومن كراهية عصيد للإسلام بحكم علمانيته وطائفيته المتطرفة تعريضه بزواج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يراه هو وقبيله العلماني مذمة ومعرة لا يجب الحديث عنه مع المتعلمات ، كما يرى أن الحديث عن الغزوات مع المتعلمين بما فيها الغزوات التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريضا على العنف ، وقد تجاهل أو جهل أن الوزارة الوصية على الشأن التربوي تصدر مذكرات بالمناسبة الدينية تحث فيها المدرسين على إعطاء دروس للتعريف بها ومنها مناسبات تلك الغزوات كغزوة بدر.
وإذا كان عصيد قد أنحى باللوم على من سماهم أصحاب التيار الإيديولوجي المخترق لقطاع التربية تفتيشا وتأليفا وتدريسا وأنهم في وضعية شبه الأمية ألا يوجد تيار إيديولوجي علماني يخترق هو الآخر القطاع ويعيث فيه فسادا ، ويعبث بأدمغة المتعلمين لنشر فكره العلماني المتطرف الذي يروم سلخهم من هويتهم الإسلامية ، ويشيع فيهم الفكر الإباحي المهدم للقيم الأخلاقية ؟
ألا تستعمل في بعض مؤسسات التعليم الخصوصي كتب مدرسية فرنسية تكرس الفكر العلماني دون أن ينبه عليها أحد أو يراسل في شأنها وزير التربية الوطنية ، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر مؤلفا في السلك الإعدادي فيه نص يدافع عن المثلية ويراها سلوكا طبيعيا ؟ وما خفي في تلك المؤلفات أعظم ، ولو قدر للجنة تربوية ذات خبرة ونزاهة ومصداقية تصفحها لكشفت القناع عن بوائقها الهادمة لقيمنا الإسلامية ، وهو ما يشكو منه أولياء الأمور والآباء والأمهات والذين لم يقصدوا عصيدا كما قصدته تلك الأم التي شكت له ضعف بنتها في اللغة الفرنسية لعلمهم أنه من مشجعي تلك البوائق ، ومن العاملين المعول لهدم القيم الإسلامية ليفسح المجال واسعا للمجتمع العلماني الحداثي الذي لا دين له ولا ملة .
أتمنى أن يجيبه السيد الوزير عن سؤاليه ، فيأمر بإجراء بحث دقيق للكشف عن كل من يسوق توجهه الإيديولوجي للمتعلمين سواء كان من الذين ذكرهم عصيد في مراسلته أو من أصحاب توجهه العلماني الطائفي ، وأن ينصت إلى شكاوى آباء وأمهات وأولياء أمور المتعلمين من تحريض أبنائهم على التطرف بنوعيه الديني والعلماني ، وأن تطهر كل الكتب والمقررات من هذا التطرف بنوعيه.
وسوم: العدد 810