العراقي بين الأمل والزومبي
الأمل دوما أطول من الحياة فإن قَصر سنسير أمواتا
الإيمان راسخ في نفوس العراقيين ثقة بالله، بكل أديانهم ومعتقداتهم، لهذا تجدهم غير مؤملين لكن لا تجد من ينتحر، لأن أمله المقطوع في الدنيا ممتد في نيل الآخرة ثقة بالله، فقد رسخت في أذهانهم أن صعوبة الحياة مهما كانت، فإن قتل النفس بالانتحار خسارة أبدية، هذه ثقافة أمة غير مقتصرة على العراق، لكن أن يتحمل شعب عمرًا طويلا من التحديات لمنظومة وجوده؛ شظف العيش واستبداد وإعدامات وقتل من السلطات، واتهامات وإدانات وسجون بلا سبب وضياع للحياة، حروب تتبع حروبا، ولا شحن للأمل، تضحي الناس ليأتيها من يسومها العذاب، فتضحي وتضحي وما انفكت عن التضحية رغم ضياع المعاني للكلمات فأضحت مفردات مفرّغة واقعا وباتت أمنيات مجهضة مفرّغة وذاك يحمل في طياته معنى ان تثق بالله، لأنك تأمل أن القادم فضل حتى إن كان في حياة أخرى لا ينبغي أن تخسر ما يوصلك اليها.
الوطن حيث تستقر نفسك، وتصان كرامتك كإنسان، ذاك الوطن لا يمكن أن يحقق مواصفاته وهو محتل من الكواسر والضواري والحيتان.
الحقيقة أن المخططات الغربية والأمريكية كرأس الحربة كانت تفتقد للإنسانية التي شاركت في تنفيذها دول الجوار، لم يُرحم العراقيون، علام يتعرض هؤلاء الناس الطيبون لكل هذا!! من تشويه السمعة ونهب الخيرات وهم يريدون السلم ويعتبرونه رفاهية وهي لا تقترب من تعريف حالة الكفاف عند الشعوب الأخرى.
أوطان الزومبي:
الناظر إلى البلدان العربية والتي تعرضت إلى تغيير في الحاكم عن طريق الثورة الشعبية، أو بدأت حراكا ليس مكتملا، يرى أنها ابتليت، تشوهت كوليد في بيئة موبوءة قذرة تقاذفه أيادي لا ترحم فأنشأته غير ما فطر عليه أو أصابه التلوث.
اليوم تتضح الصورة مع إدارة أمريكية تعبر عن نفسها ونظرة طالما اتهم قائليها بأنهم مستعبدين من نظرية المؤامرة، اليوم يتحدث الرئيس ترامب عن المنطقة كموطن ثروة فقط وأن شعبها لا يستحق هذه الثروة وإنما يجب أن يسيطر عليها وتترك الناس تفعل ما تريد ولا يسمح لها بالاقتراب من آبار النفط، أو الناس هنالك واجبهم استخراج النفط وليوضع في حساب يدفع لأي فاتورة تقدم له.
المنطقة إذن لا شعب فيها وإنما مجموعات من الناس التي تسير ميتة بلا أمل أو اعتراف بالوجود وإن تمكن النظام العالمي من إبادتها فهو أفضل.
الحراك الشعبي لتدوير النفايات:
نماذج من الاضطرابات، حتى ظن البعض أنه حقق آماله كما في تونس ومصر وليبيا، لكن كل ما حصل هو عملية تدوير لقاذورات الفساد وإعادة تجديدها بتحطيم الطاقة الشعبية المتراكمة واستنزافها وقتل الأمل، وحقنها بمصل الإحباط واليأس لتعود مرة أخرى إلى زومبي ممكن قتله وفق قوانين تسن لحماية الأنظمة وهو استخلاص لتجربة تونس ومصر، وربما ستعاد سيرة القذافي في ليبيا، فالمجتمعات القبلية تحتاج إلى ترويض عملي لتفهم أو تخاف، وربما تطبق عليها تجربة القرود الخمس.... لا تفكر أن تقترب من كرسي الحكم.
وفي العراق نموذج زومبي مركّب:
كان العهد الملكي في العراق قد بدأ نوعًا من تكوين الهوية المدنية، فأبعد كثيرا عن الهوية الحضارية لينتج تشوه واضطراب كبير ما انفك يحطم الدولة ويتحول إلى اللا دولة عبر التشكيلات والأحزاب الراديكالية، وتكوين قوات موازية للجيش النظامي وعسكرة المجتمع.... حروب لم تدع الإنسان أن يفكر بشيء إلا بالخلاص، وتغير النظام الذي استمر جيلا إلى نظام اتفق بعد 15 سنة ويزيد على أن هذا النظام هو الأفسد والأسوأ بل الناس أضحت تتمنى أنها لم تتمن أن تخرج من الذي تصورته أتعس نظام، لكنه أيضا نوعا من تدوير فكرة ترويض المجتمع وأضحى العراقيون في مرحلة متطورة من قتل الهوية وتحطيم الشخصية تلك النماذج الحية السائرة من زومبي تائه، ... لقد بات المجتمع مقتنعا بفقدان الأمل ويسير ميتا ولا ينتحر خوفا من عذاب الأخرة، لكنه أضحى متيقنا أنه زومبي، هو يرى أحزابا تزعم أنها إسلامية مستذئبة أو من مصاصي الدماء؛ الأمانة عند تلك الأحزاب مغنم، ترفع القيم شعارات وعمليا تقتل القيم بالجهل والتخلف والاقصاء حتى لبعضها عن فريسة المنافع المادية، هو يرى أن أي حراك له لتصحيح وضعها وجعل الشمس تشرق ليتخلص من هؤلاء يقود إلى راديكالية من داعش وغيرها نوع آخر من صناعة مخابراتية تستغل الغافلين أو الحالمين من يأسهم أنهم في نهاية العالم، وأرادوا إقناعنا بأن هذه هي هويتنا، إذن هويتنا هي زومبي، أو خرافات مميتة؛ لا نريدها ولا نقترب منها بل نطلق الرصاص على رأسها لكي نضمن أنها ميتة لا تؤذي، أحزاب من المستذئبين مع مصاصي الدماء، بديلها الفوضى، وصدق من كذب الكذبة كذبه... فكانت مبررة في نظر ترامب كي يستولي على آبار النفط بدل أن يقيم مشاركة عامة تتعامل مع هذه الأمة وفق نظرة بعيدة عن انطباعات الكراهية والأفكار السوداء التي تبيح تدمير البشرية واحتقار الغير... لماذا هذا حصل وكيف، ولمَ الأحزاب الإسلامية لا تذكر عن الإسلام إلا ما يشينه ولا تفعل الا ما يشينه كذلك؟! فتُرتكب كل هذه المساوئ؟ ليُثبت كل طرف من خلال تصرفاته بأن المارقين وصناع الموت هم جزء من عقيدته وبيئته وأهله وأن هذا فكر وليس شطحات؟ لم كل هذا الفساد وكأنه بأمر الله ومن صلب المعتقدات؟
لِم تصرف كل الملايين والمليارات على صناعة نماذج الموت؟ لِم كل هذا التدمير للتراث والذاكرة التاريخية؟ لِم هذا السحت المقنن مع الحديث عن الشريعة؟
لِم هذا التشويه للإسلام والذي هو الهوية بأناس ليست كفرعون ولا قارون وإنما يتبرأ منها كل طاغية ودكتاتور، وأقوام عوقبت عبر التاريخ وذكرت في الكتب؟
إنه الطريق الذي يبدو محض فقدان أمل لكنه في الحقيقة الطريق لتكون زومبي في نظر العالم ومشاهداته، وإنك متى اقتربت من الإسلام فإنك تقترب من صناعة الموت أو من فيروس الموتى الأحياء أو المستذئبين، ولابد أن يمتص الغرب الدماء التي تبقيهم في حراك، وهي آبار النفط حيثما ظهر للنفط رائحة، وله في هذا من جنسه شركاء.
هل من سيناريو للحل:
مما يجري في العلاقات الحكومية مع دول الإقليم ودول العالم لا يبدو أن ما سأكتبه أكثر من أمور ليست في البال رغم وضوحها فالقوم منشغلون بغير هذا، خصوصا وأن الاتفاقيات الموجودة لا تراعي شعبا بلغت البطالة فيه مبلغا عظيما وعسكر شبابه حتى التخمة وتدمرت مصانعه، وفتحت حدوده للتجارة التي لم يفكر أحد في انتاج البضائع ومن ثم حمايتها، حتى عندما جرى التفكير فكروا بكيفية زيادة العوائد دون النظر إلى أن المواطن سيدفع ضرائب على الأكل والشرب وربما التنفس من خلال قرارات لا عمق فيها ولا نظر، وترك البلد بدون تطوير ولا خطط تنموية والوزارات تبويب منافع، وكيف تستنزف الميزانيات الموضوعة في الموازنة لهذه الوزارات ومدى العوائد منها؟.
الحقيقة أن المطلوب ما يلي:
التفكير في إيجاد مكان تفريغ للكوادر التي عسكرت عندما يحين السلم. التفكير في امتصاص البطالة بين الكفاءات التي تخرجها الجامعات ووضع خطط للجامعات تتناسب وخطط الإنتاج. كيفية تدوير وتحويل الكوادر التي ترهلت بها الدولة إلى القطاع الخاص أو الاستفادة منها في القطاع العام وتدقيق كفاءتها الفعلية. إقامة مشاركات مع الدول الصناعية لإقامة المصانع ووضع خطط وقوانين للاستثمار لتنفيذ ما ذكر أعلاه وتنفيده. إقامة مشاركات لإنتاج وتسويق النفط واستثمار بعض عوائده من خلال تلك المشاركات والدول المتقدمة تقنيا. إقامة معاهدات رصينة للدفاع تأخذ بنظر الاعتبار سيادة البلد وتنصيبه كشريك وحليف وليس ضمن منظار التبعية وتترك مجالات في النص لأي تغيير إيجابي مستقبلا بما يقوي تلك العلاقات ويحافظ على أمن المنطقة
خلاصة القول: إن ثمة تغييرات مطلوبة في انطباعات الغرب عن المنطقة وعقيدتها وثقافتها وهويتها، ودراسة وسائل للعلاقات تأخذ بنظر الاعتبار كرامة وحياة الناس وإتاحة الفرصة لهم لمشاركة العالم في تطوير التقنية، ومن خلال مساعدة الحكومات المتشاركة والحليفة على رسم الخطط وتنظيم وسائل التطور وإقامة قنوات تنموية نهضوية ومشاركة وتوأمة للمستشفيات والجامعات وتحسين النقل والعمارة وما يمكن أن يقال في وسائل الزراعة والمياه والطاقة ممكن تفصيله وتطويره وبه الكثير من الفائدة والخير العميم على العالم بدلا من الانطباعات المرتكزة على معلومات مشوهة نقلت عبر الأجيال بلا تدقيق أو تمحيص، وأن ما يحصل من إبادة فعلية لطاقة مفيدة للبشرية خوفا ورعبا وكرها والذي لا أساس له؛ إنما هو اعتداء على القيمة الإنسانية الآدمية، وهدر وظلم للمنطقة في صناعتها كعدو ضروري، ومن الممكن أن تتلاقح الثقافات ليكون التعارف بدل الكراهية هو حل لضرورة وجود العدو المحفز لتغطية سلبيات وحاجات النظم لعدو أو مال.
لقد سلبت شعوبنا حياتها وثرواتها وذاقت من الظلم أبشع صوره، وتعاملت مع الطغيان والدكتاتورية والاحتلال والجوع وكل الهموم وفقدان الأحبة وتفكك العائلة ولكن في شعبنا بذرة حياة لا تموت، وان الامل لن يفقد وإن بدى مفقودا فخيارنا الأمل وليس ميت يسير، فنحن أمة تؤمن أن امواتها الى حياة أخرى وأنها تحيا في خلود.
وسوم: العدد 810