"جريمة" محمد مرسي التي سيشهد لها التاريخ!
لم يتوان خصمه السياسي 5 دقائق بعد إعلان عزله بالقوة أن يداهمه قنواته وإعلامه ومقرات حزبه ومؤيديه ومناصريه وحتى من يفكر لحظة بأن فيه خير ونفع للبلد التي استلم رئاستها قبل عام، وكان ذلك طبيعيا أو متوقعا إن صح التعبير طالما أن خصمه عسكري الصبغة، وبغض النظر عن مرجعيته أو عن مرجعية الخصم ومدى احتداد العلاقة بينهما منذ زمن طويل.
لا أدري كيف استطاع الدكتور محمد مرسي كرئيس لدولة تعتبر هي عمود خيمة العرب أن ينسى أو يتناسى للحظة ما فعله نابليون منذ أكثر من مئتي عام مضت من استشراس بكل ما تعني الكلمة من معنى عسكري وسياسي ليصل ببلده إلى أن تكون قوة عظمى، ونابليون هذا الذي يشهد له الكثير بأنه من أهم القادة في التاريخ إضطر وقتها لأن يقاتل دول عظمى في الخارج والكثير من الطابور الخامس في الداخل، ولكن النتيجة كانت كما نراها الآن وبكل فخر له في قبره.
كيف قرر الدكتور محمد مرسي بعد علمه بمثل هذا المثال كثيرا من الأمثلة بأن الديموقراطية هي ترك الحرية لكل حاقد وخائف من قيام مصر على قدميها وبأن تعبث أيديهم القذرة بشعبه وبأفكارهم دون أن يضع أدنى حراسة على حدود التشويش على هؤلاء البشر الذين أصبحوا تحت وصايته رغما عن الجميع؟!
كيف غاب عن مرسي ومن كان خلفه من الحزب الإسلامي الأكبر عددا في العالم بأن أمريكا أم الديموقراطية كما يسميها البعض، تركت الانتخابات الرئاسية للشعب منذ عقود لأن يختار "حزبا" ليكون منفذا لسياستها، دون أن يجرؤ بعد ذلك أكثر من ربع مليار أمريكي بالاعتراض على الحزب الفائز أن يعين من يريد داخل دائرة حزبه من الشخصيات التي يختارها الحزب ذاته لإدارة البلد من الناحية الاقتصادية والسياسية، ومحمد مرسي كان خائف مع علمه بهذا أن يعين أكثر من عدد أصابع يده الواحدة من حزبه وزراء وفيهم الأكفاء ولا يخفى هذا على الخصم قبل الصديق، خوفا من أن يقال بأنه قد "أخون الدولة"!
كيف لم يتذكر محمد مرسي قبل أقل من عشر سنوات فقط على استلامه للحكم بأن بنو فصيله السياسي في فلسطين -حركة حماس- ابتدعت قوة تنفيذية خاصة بعد أن رفضت الشرطة الرسمية بأن تتلقى أوامرها من وزير الداخلية وقتها سعيد صيام وذلك لاختلاف العقيدة الفكرية للطرفين، وكانت قد ألحقت هذه القوة التنفيذية بالجهاز العسكري الرسمي بوزارة الداخلية دون الالتفات لأي نظرة إحراج من أي طرف لعلم الحركة وقتها بأن الفائز في الانتخابات النزيهة التي يقررها الشعب له الحق في تنفيذ مصلحة البلد حسب الرؤية التي يراها هذا الجمع، بغض النظر عن جدوى ذلك على المدى الاستراتيجي، ولكن الشعب قرر ويحق لقراره أن ينفد رغما عن الجميع..
ومحمد مرسي بعد كل هذا كان قد سمح لأربعة أو خمسة أشخاص هم وجوه الفساد والقذارة التي تريد مصر مقبرة لأهلها بأن يأخذوا مجدهم في التحريض والتشهير والتشويش إلى أن امتدت هذه الظاهرة للملايين من الغلابة والمساكين الذي صدقوا ما أرادت له هذه الأجندات، وكان أكبر خوفه أن يقال أريق دم – وهو دم فاسد بالأصل – في عهد مرسي، ولا أدري كيف لم يدرك وقتها رئيس مصر محمد مرسي بأن السكوت عن دم فاسد واحد جعل دم المصريين كلهم تحت يدي من سيفسد دماءهم جميعا، وكان أكبر ما فعله لضبط الناحية العسكرية، إزالة المشير طنطاوي وإحلال عبدالفتاح السيسي بدلا منه، والذي لم يخجل للحظة أن يرفع نفسه ثلاث رتب عسكرية في عام واحد بعد انقلابه القذر، ومحمد مرسي خجل أن ينظم شرطة خاصة به أو أن يتخذ أي إجراء كما فعلت حماس أو غيرها، خوفا من ما سمي وقتها بالحرد السياسي من حلفاء وأصدقاء لمصر.
كيف سولت نفس محمد مرسي له ولمن كان خلفه من حزبه أن يترك الإعلاميين المنحلين عن كل شرف مهني وفكري أن يمارسوا ما هو ليس من صلاحيتهم في تخريب الشارع العام، وزعزعة أمن الدولة، وإثارة النعرات والحزازيات التي لم يكن لها وجود أو سبب في ما كان قبله حتى في عصر مبارك، دون أن يتخذ أقصى إجراء عقابي حازم، والذي لا ينافي به الديمواقراطية المزعومة التي ارتضى لنفسه الجزء الهش منها وترك الجزء المتين حتى يرضى عنه العالم بأسره -وهذا غباء سياسي بحد ذاته-، ومحمد مرسي هذا ابن جماعة إسلامية تحمل بين جنباتها مفكرين وخبراء يعرفون حق المعرفة بأن الحضارة والثقافة الإسلامية التي ينتمي إليها مرسي خلفت من قبله الامبراطور الإسلامي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين والذي شهد له مايكل هارت بأنه من أعظم مئة في التاريخ، كان قد استدعى رجلا من مصر في عهد خلافته وأسره وجلده ونفاه إلى العراق، بعد أن كان قد تعمد إثارة فتنة حول القرآن الكريم، والذي جعل هذا الرجل يخشى العودة إلى استقصاد الفتنة والإضلال للناس حتى في أيام فتنة عثمان خجلا وخوفا من عمر في قبره.
محمد مرسي اقترف "جريمة" في نعومته ولطافته التي كانت في غير مكانها على الإطلاق، جريمة سيشهد له بها التاريخ، جريمة بحق المغفلين والغلابة والأبرياء والمساكين الذين استخفوه فأطاعهم، والذي بجريمته هذه تركهم لمن لن يرحمهم أبدا، وها هي أوسمتهم الآن تقول "ارحل يا سيسي"، ولكن بعد ماذا؟ بعد أن وصل فيها لمرحلة لن يرحل فيها إلا إن عاث في دمائهم حتى يجعل منهم عبرة لكل معتبر لعقود.. أو ربما لقرون ..
وسوم: العدد 812