أميركا وإسرائيل وأتباعهما من العرب قد يخطفون الثورة السودانية
أغرى النجاح المبدئي للثورة السودانية والثورة الجزائرية في تنحية البشير وبوتفليقة بعض أصحاب الرأي بالحديث عن ربيع عربي ثانٍ يبشر بمآلات أحسن حالا مما سمي الربيع العربي الأول . ونرى أنه من المبكر كثيرا الوصول إلى هذا الاستنتاج المتفائل ، ونركز حديثنا على الثورة السودانية التي اختلفت عن الثورة الجزائرية في كثرة قوى الثورة المضادة الخارجية التي أسرعت إلى حرفها عن أهدافها الشعبية اقتناعا من هذه القوى بمناعة الثورة الجزائرية واستعصائها على ذلك الحرف ، وسهولة إحداثه في الثورة السودانية . رحبت السعودية والإمارات بالمجلس العسكري الانتقالي الذي مازالت قوى الثورة الشعبية السودانية تعارضه بقيادة " تجمع المهنيين السودانيين " ، ولوحت أميركا برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب الذي أدرجته فيه في 1993 باطلا واعتداء . ومن الأدلة على النفوذ الأميركي في السودان إبعاد الفريق أول عوض بن عوف أول رئيس للمجلس الانتقالي الذي أدرجت أميركا اسمه في قائمة عقوباتها في 2007 . ودلالة على نوعية توجه المجلس الانتقالي برئاسة الفريق الركن عبد الفتاح برهان ؛ أعلن أن السودان سيواصل المشاركة في حرب التحالف العربي في اليمن . وإسرائيل تتحرك بسرية وفاعلية ، وقلبها على أهداف كثيرة منها التطبيع مع السودان ، وسبق أن اجتمع يوسي كوهين رئيس الموساد مع صلاح قوش رئيس المخابرات السودانية ( أبعد في الأحداث الحالية عن رئاستها ) أثناء فعاليات مؤتمر الأمن العالمي في ميونيخ بألمانيا في فبراير الماضي . ولا يفوتنا دلالة مبادرة وصف متحدث أميركي لأحداث السودان ب " لحظة تاريخية " ، وبالتأكيد "تاريخيتها" التي في بال أميركا ليست للسودان وشعبه وإنما لأميركا والذين يتحركون في دائرة مصالحها المعادية دائما للعرب والمسلمين . فهل تخطف هي وإسرائيل والنظام السعودي والإمارات الثورة السودانية ؟!
الاحتمال قائم بقوة . هذا التحالف الشيطاني المضاد للثورة العربية أينما وقعت لديه عناصر قوة كبيرة ، وهو قادر على تفعيلها : أميركا بسطوتها في الساحة الدولية ، وإسرائيل باستخباراتها وتخطيطاتها السرية ، والنظام السعودي والإمارات بأموالهما التي لا رقيب ولا حسيب فيهما على إنفاقها في كل ما يضر العرب والمسلمين وينفع أميركا وإسرائيل ويحفظ نظامي حكمهما العائلي . في المقابل : إمكانات الثورة الشعبية السودانية محدودة ، وتركيا وقطر اللتان تنافسان النظام السعودي والإمارات في السودان لا تنافسان أميركا فيه ، وقدرتهما على المنافسة بالتالي تظل محدودة التأثير . ودعوة تجمع المهنيين السودانيين وحلفائه إلى علاقات سودانية خارجية بعيدة عن المحاور قد تذهب في الريح . والنظام المصري حاضر ورافد لأميركا وزمرتها من إسرائيل والنظام السعودي والإمارات ، وهتاف الشعب السوداني " إما النصر وإما مصر " يختصر واقع مصر الحالي وتوجهاتها المناوئة لأي ثورة شعبية حقيقية استهدفها الربيع العربي الأول ويستهدفها الآن الربيع العربي الثاني في السودان والجزائر ، ولا يكفي القول من باب الأمل إن الثائرين في البلدين أفادوا من درس إخفاق ثورات الربيع الأول ، وإن الثورة السودانية يبدو فيها شيء من القيادة المنظمة للحراك الشعبي بخلاف ثورات الربيع الأول التي ميزها الغياب المطلق للقيادات فيها جميعا . أميركا وزمرتها ستفعل الكثير لصد الشعب السوداني عن صنع ربيع عربي ثان مختلف عن الربيع الأول الذي خرب سوريا واليمن وليبيا ، ودفع مصر إلى الوراء سنوات في كل شيء ، وجعلها حليفا استراتيجيا تعتمد إسرائيل على إخلاصه ووفائه وتفخر به ، وأداة طيعة لينة في قبضة مشيئة أميركا . والسودان مهيأ بتكوينه السكاني وبيئته الجغرافية ليصبح ساحة تخريب وتقطيع إلى دويلات أكثر من تهيؤ سوريا واليمن وليبيا ، وحدوده طويلة ومفتوحة على كل أنواع التهريب والتخريب . وأميركا وإسرائيل كانتا وراء الحرب الداخلية التي أنهكته عشرات السنوات وانتهت بانفصال جنوبه عن شماله في 2011، ولهما يد فعالة في القتال في دارفور ، ومخطط تقسيمه إلى دويلات جاهز . سيرى كثيرون ما نقوله سوداويا متشائما ، ونتمنى أن تكون رؤيتنا متفائلة مشرقة ، لكن التفاؤل الذي لا تسوغه حقائق الواقع لا خير فيه ، وضره أقرب من نفعه ، والصواب أن نشخص الأمور على حقيقتها ، ونعد الوسائل الصحيحة الفعالة لتوجيهها صوب ما نريده وما نحلم به .
وسوم: العدد 821