يوميات السيول السوداء (8)

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز

أمر الحاكم العسكري في الأهواز غلام رضا شريعتي أن تعطل المدارس والجامعات منذ افتعال السيول، ولم تعاود نشاطها إلا بعد ثلاثة وعشرين يوما.

وقد أدت السيول إلى محاصرة الأهواز العاصمة واجتاحت المياه ميدان الخضروات.

ثم قطعت الطرق الرئيسية التي تتصل المدن الكبرى من الإقليم كطريق الأهواز - السوس، وعبادان - الأهواز، وأحد طريقي المحمرة - الأهواز.

ومنذ بداية السيول قامت مؤسسات الهلال الأحمر في الدول الأخرى بتقديم المساعدات للمنکوبین منها ألمانيا والكويت والإتحاد الأوروبي والهند والإمارات والسعودية ...

لكن المساعدات والتي تسلم للهلال الأحمر في طهران لم تصل إلى الأهواز! حتى تواصل الشباب الناشطون مع الهلال الأحمر الكويتي وأخبروهم أن المساعدات لم تصل إلى المنكوبين ليقوم الهلال الأحمر الكويتي بالإشراف على توزيع المساعدات.

وبدل أن تهدأ السيول يوما بعد يوم، تلاقت مياه نهر كارون ونهر الكرخة بعد أن خرجت الكرخة من مسيرها وطوت أكثر من مئة كيلو متر لتصل إلى نهر كارون، ثم خرجت المياه نحو الفلاحية والتي تبعد عن كارون ما يقارب الخمسين كيلو مترا فأغرقت بعض القرى وهجرت ساكنيها، وأضافت إلى جراحنا جرحا آخر!

أمس صباحا جاء نداء استغاثة من قرى الفلاحية والملاشية، واللتين تبعدان عن بعضهما أكثر من مئة كيلو متر، ويحتار المرء إلى أي جهة يتجه ليساعد أخوته في إقامة السواتر!

اليوم نسقنا مع شباب السليج في عبادان أن نذهب إلى مخيم قرى الشعيبية والتي تبعد عن المحمرة أكثر من 200 كيلو متر.

كانت السيارات تصلها خلال ساعتين، أما اليوم وقد أغرقت المياه إحدى جادتي عبادان - الأهواز فعطلت السير عليها وغمرت الثانية فجعلت السير عليها بصعوبة وبطء، استغرق طي مسافتها خمس ساعات.

كان طريق عبادان - الأهواز السريع مزدحما وخطرا، السيارات تسير على جادة واحدة ذهابا ومجيئا؛ ومياه السيول تجري على الجادة، وقد تنحرف سيارة عن الطريق فتتدحرج مع جريان السيول؛ حتى قررت شرطة المرور أن تغلق الطريق.

كان بعض الناس يصطادون السمك من مياه السيول بسهولة لكثرته! 

وعلى طول الطريق، السواتر الترابية والأكياس تحيط بالشركات والقرى، وأعمدة الكهرباء التي سقطت جراء السيول لا تحصى!

في طريق الشعيبية كانت المزارع تحت المياه، والنخيل غارقة؛ ورأينا بعض الدواب ميتا على جانبي الجادة، ولا شك أن السيول هي التي جرفته فأغرقته.

وصلنا مخيم قرية المراونة عصرا، ساکنو المخیمات يشكون غياب الهلال الأحمر والمؤسسات الحكومية، ويشكرون الناس الذين يقدمون لهم الدعم.

قدم لهم الأصدقاء بعض الدعم مثل المواد الصحية والدواء والمواد الغذائية والألعاب للأطفال والحلويات؛ ذهبنا إليهم بخمس سيارات شخصية وكلها كانت محملة بالتبرعات.

كنت أدري أن أظافر الأطفال لم تقلم منذ بداية السيول، ولذا أحضرت معي مقص أظافر فقلمت أظافر بعضهم، ولأنهم كانوا كثيرين كنت أسرع في تقليم أظافرهم فجرحت إصبع أحدهم؛ تألمت كثيرا... لكنه غسل إصبعه وأخذ سيارته بيده وراح يركض فرحا.

وفي أثناء مواساتنا مع المنكوبين لنقلل من مأساتهم، نقلوا لنا أن شاحنات جاءت إلى مخيمهم واقترحوا عليهم أن ينتقلوا من المخيم إلى مدينة يزد! 

ينقل أبو مسلم وهو أحد المنكوبين إن سائقي الشاحنات ومعهم جنود نصحونا بالهجرة، وأنهم هناک سوف يعوضوننا عن أراضينا وبيوتنا ويدفعون لنا المال!

قالوا إن مياه السيول ستبقى أشهرا في منازلنا ومزارعنا!

لكننا رفضنا متمسكين بأراضينا وبوطننا الأهواز

وسوم: العدد 822