يوميات السيول السوداء (1)
قال الله في كتابه الكريم: وجعلنا من الماء كل شيء حي.
فالحياة لا تستقيم إلا بالماء، المزارع والبساتين لا تنمو إلا بالماء، الطيور لا تحلق ولا تغرد إذا عطشت، الأسماك لا تستطيع أن تتنفس إلا في الماء.
وإذا أردت أن تخالف سنة الله وتقتل البشر وحقوله، أن تقضي على الطيور وتخنق تغريدها، أن تدمر جميع الأسماك في الأنهر؛ امنع الماء عنها، أقم سدا لتمنع جريان الماء نحوها.
وهذا ما فعله المسؤولون في الأهواز ليقضوا على حياتنا، أقاموا أكثر من سد على نهر الكرخة ومنها سد الكرخة، وأكثر من سد على نهر كارون ومنها سد الدز، وعلى نهر الجراحي ومنها سد مارون؛ ولم يبق من الأنهار إلا أوشالا والتي غيروا مجراها إلى العمق الشمالي من إيران كإصفهان.
وقد وقف الأهوازيون محتجين على سرقة مياه أنهرهم أكثر من مرة، لكنهم لم يستطيعوا أن يقفوا أمام جبروت المسؤولين... وصودرت المياه.
في السنة الماضية منعت الحكومة الفلاحين الأهوازيين من شتل الأرز بحجة شح المياه والأمطار، وخزنت المياه خلف السدود حتى امتلأت تماما!
وفي هذه السنة وبعد هطول الأمطار والثلوج الغزيرة، فاضت السدود التي كانت ممتلئة منذ الصيف، وجرت السيول؛ بل إنهم فتحوا السدود لتجري السيول المفتعلة.
هذه السيول المدمرة التي لا تستطيع الأنهر أن تستوعبها، ففاضت على ضفافها وغمرت مزارع الأهوازيين التي اخضوضرت بالأمطار حتى ينعت، وبعد أن أصبح السنبل يبلغ حزام الرجل طولا يتلألأ باصفراره؛ أمست هذه الثروات كلها تحت المياه!
ولم تكتف السيول بغرق المزارع والبساتين، بل اجتاحت منازل القرويين وأغرقت جميع ما يملكون من أثاث منزلية، وفي بعض الأماكن جرفت الغنم والأبقار وأغرقتها؛ وشردت العوائل، وأمسى الأطفال والنساء ينامون في العراء دون أي مأوى، ودون أي دعم من الحكومة!
وقد لجأ بعضهم في عربات القطار المهجورة ودون أي فراش أو غطاء!
فهل بإمكان القارئ أن يتصور أطفالا رضعا ينامون في العراء ودون أي غطاء؛ هل تستطيع أن تسمع بكاء الأطفال دون الخامسة وهم منذعرينوقد رأوا بأم أعينهم السيل يجرف ألعابهم؟!
يقول المهجرون من قرى السوس إن الهلال الأحمر أسكننا في مخيم وتركنا دون رجعة! وقد مضى على نزوحنا أكثر من أسبوعين.
وسوم: العدد 821