وحقيقة الصفقة حول ادلب
- التصعيد الأخير في إدلب وحماة لا يخرج عن سياق خطة روسيا التي كانت دائما مبنية على الحسم العسكري وتجريد تركيا من أوراق الضغط في سوريا لتتمكن من فرض حلها. الإستراتيجية الروسية لم تتغير ولكن الانهيار المتسارع للنظام وانسداد أفق المسار السياسي عجل بهذه الخطة
- هزيمة النظام في إدلب وحماة ممكنة ومتاحة. الروس دفعوا بهذه العملية كهروب إلى الأمام وأمام الحاجة الماسة لإظهار النظام كحاكم فعلي لكل سوريا أمام المجتمع الدولي، بينما النظام ينهار داخليا، وروسيا تعلم تماما أن نافذة الفرصة في سوريا بدأت تضيق، والمكاسب بدأت تتحول إلى تكاليف عالية.
- النظام الأسدي انتهى سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وعسكريا، ولم يبق له سوى أجهزته الأمنية التي هي نفسها تعاني الترهل والتنافس الداخلي وبعضها يتصادم مع الأجهزة الإيرانية. معركة إدلب هي محاولة جديدة من الروس لإنقاذ النظام وتحويل الأنظار عن الدولة الفاشلة في دمشق
- ليس من مصلحة تركيا سقوط إدلب وانحسار تأثيرها في سوريا إلى مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، فهذا يعني نهاية أي تأثير حقيقي لها في الملف السوري، وهو ما تسعى له روسيا منذ فترة طويلة فهي تعلم أنها لن تحصّل من تركيا ما تريده عبر المسار السياسي حصرا.
- ليس هناك صفقة لبيع إدلب، كما لم يكن هناك صفقة لتعويم الجولاني، وكما لم يكن هناك “صفقة” أو “قرار دولي” لسقوط مناطق كثيرة خسرناها: ولكن هناك ضعف في القيادة وسوء في التقدير وتقصير تراكمي في الأداء، وتواكل على حلفاء لم نبنِ معهم علاقات سليمة وصحية، ولم نكلمهم بلغة المصالح.
- ليس هناك بعد أي تفاهمات دولية أو إقليمية حول ملف سوريا ككل أو إدلب بالذات، تضارب المصالح واختلاف وجهات النظر ما يزال هو سيد الموقف، ولكن هناك أطراف تحاول إيهام الناس بوجود صفقات بغرض فرض واقع جديد يخدم مصالحها
- الثوار الحقيقيون لا يحتاجون شماعة “القرار الدولي” أو “الضامن” أو “الواقعية السياسية” لتبرير فشلهم والإحجام عن العمل سواء العسكري أو السياسي: إرادة القتال والكفاح لا يمكن أن ينتزعها منا سوى أنفسنا. مستقبل البلد على المحك ولن ينقذه أحد سوانا
- مسار الأستانة (وسوتشي) كان مضرا بصورة تركيا أمام السوريين ومؤذيا لمصالحها لأنها عجزت عن القيام بدورها كضامن، ولكن علينا أن نميز بين استطاعة تركيا وبين رغبتها، وأن ننظر إلى المرآة قليلا. تقييم العلاقة مع تركيا لا يجب أن نحصره في السنتين الأخيرتين. نحن نحصد اليوم ما زرعه الحمقى والمراهقون
- تركيا دفعت ثمنا باهظا لدعمها الحقيقي للثورة السورية واستضافة اللاجئين، ولكن أمن تركيا القومي واقتصادها أصبحا تحت تهديد مباشر ووجودي، هذا غير الأولويات وحد من قدرة تركيا على التأثير، لذلك يجب أن نعيد النظر في المعايير التي نقيم بها السياسة التركية.
- مسار الأستانة كان يفترض أن يكون أداة لتخفيض التصعيد وتأمين بيئة آمنة للمدنيين وإعطاء فرصة للمسار السياسي. لم يتحقق أي من هذه النتائج وتم خسارة جميع مناطق خفض التصعيد باستثناء إدلب. على المعارضة تجميد مشاركتها وقطع أي تواصل مع الروس، وأن يقوم الضامن بعمله.
- إدلب هي آخر منطقة “خفض تصعيد” ضمن مسار الأستانة، وكل المناطق السابقة تم خسارتها بنفس الطريقة: مسمار جحا روسي، قصف جنوني أمام صمت العالم، خرق للصف الداخلي للثورة، إحداث مفعول “دومينو” داخل المنطقة المستهدفة، ثم تهجير المدنيين. اليوم يحاول الروس نفس السيناريو.
- مسمار جحا الروسي في إدلب هو الخائن الجولاني الذي أدرك الآن أنه لن يتم تعويمه وأن تركيا تعاملت معه من باب المصلحة الآنية، وأن خلاصة ما فعله هو التخريب والعبث بمستقبل المدنيين واتخاذهم رهائن، وإضعاف الثورة والروح القتالية عند الفصائل. اليوم سيتوجب عليه القتال إلى جانب “خصومه" للبقاء حيا
- كل ما سبق لا يعفي الفصائل من مسؤوليتها ولا يعني أن الدفاع عن إدلب غير ممكن: بل العكس تماما: قرار الدفاع عن أرضنا و عرضنا وثورتنا بيدنا ونحن أولى بذلك، ولا يجب أن ننتظر إذن أي طرف للقيام بالواجب، ومسؤولية الدفاع عن إدلب تقع على عاتق كل المحرر دون استثناء.
- الترويج لنظريات المؤامرة وفكرة “بيع إدلب” هدفها تثبيط المعنويات وإضعاف الروح القتالية عند الثوار المقاتلين على الجبهات. الجندي لن يقاتل ويضحي بحياته إذا اعتقد أن معركته محسومة سلفا، فعلى الجميع التنبه لهذا الأمر والتركيز على تعزيز الثبات والعمل على تحقيق النصر
- الحمقى الذين ظنوا أن المرحلة العسكرية انتهت وأنا دخلنا في مرحلة سياسية صرفة إما لم يقرأوا تاريخ روسيا أو لم يدركوا حتى الآن حقيقة الصراع في سوريا وموقع سوريا الجيوسياسي وحقيقة النظام الأسدي.
- من سارع بالتبشير بنهاية المرحلة العسكرية والترويج لدخولنا المرحلة السياسية الصرفة ظنا منهم أن المعركة صارت في ساحة هم فرسانها عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويدركوا أن ممارسة السياسة دون شوكة عسكرية أو شرعية حقيقية هو ليس سياسية، بل له اسم آخر.
- يجب تجميد مشاركة جميع المؤسسات المحسوبة على الثورة (بعضها زورا كما تبين من حالة المحاميد) في المسارات السياسية حتى تتوقف جرائم القصف والتهجير في إدلب وحماة. يجب أن يدرك البعض أنه لا قيمة لأي عملية سياسية أو لجسد معارض ما لم تكن هناك أرض محررة. روسيا عدو وليست شريكا أو ضامنا
لا شك أن سوريا أصبحت ساحة حرب بالوكالة لأطراف إقليمية ودولية، ولكن ما زلنا نحن السوريون أصحاب أكبر مصلحة في هذه الحرب، والأقدر على التأثير إذا - فعلا - أخذنا بالأسباب وتداركنا أخطاء الماضي. معركة إدلب فرصة جديدة لذلك. دور القادة الميدانيين والإعلام سيكون حاسما
- إدلب ستسقط في حالة واحدة لا سمح الله؛ إذا حولناها إلى نبوءة تحقق نفسها بتسليمنا بنظريات المؤامرة والصفقات وترويجنا لها واستسلامنا لإعلام العدو واقتناعنا بأننا مسلوبي الإرادة والقرار. مستقبل إدلب لم يحسم بعد وتاريخنا نكتبه بأيدينا حصرا أو نتركه لغيرنا ليكتبه لنا.
وسوم: العدد 824