مسرحية العدالة في لبنان
يحكى أن؛ مخرجاً هزلياً كتب الآتي -على سبيل الاستهزاء-: "خبر السماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية جاء منقوصاً، فقد سُمح لها فقط بقيادة السيارة إذا كانت مفخخة!! للتوضيح" (شربل خليل 27/9/2017). قرأت رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية المقدم سوزان الحاج العبارة؛ فأضافت إليها إشارة الإعجاب (like). على الفور قام الإعلامي زياد عيتاني بتصوير هذا الإعجاب ونشره، ما تسبب بعقوبة إدارية من المدير العام لقوى الأمن الداخلي بحق مرؤوسته الحاج.
في الرواية أيضاً؛ أن جناب المقدم الحاج اهتز كثيراً، فتواصلت مع مقرصن معروف واجتمعت به، بـ "قصد" فبركة ملف عمالة عبر الانترنت للعيتاني، فاختلق المقرصن إيلي غبش شخصية كوليت الوهمية على أنها تتواصل مع العيتاني، لكنه وقع في تشابه الأسماء؛ فافترى على الممثل زياد عيتاني لا الإعلامي زياد عيتاني.
في الرواية إياها؛ أن الملف مُرر إلى "أمن الدولة"؛ الجهاز الأمني الذي كان يبحث عن إنجاز يبرر وجوده وسط خارطة الأجهزة الأمنية المقسمة طائفيا ومذهبيا؛ فاعتقل عيتاني وعذّبه، ونسب إليه الاعتراف الفوري بالعمالة والتحضير لجريمة اغتيال وزير الداخلية، وسرّب محاضر التحقيق إلى الإعلام، ثم استضاف مدعي عام المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس في مقره؛ حيث استجوب عيتاني شخصياً وأعطى الأمر بتوقيفه.. دون أن يكتشف الفبركة في الملف (23/11/2017).
صُدم الرأي العام اللبناني بعمالة المسرحي زياد عيتاني رغم توارد الاعترافات والتهاني بـ "الانجاز"، لكن الضغط الذي قام به أقارب عيتاني؛ أفضى إلى نقل الملف إلى جهاز أمني أكثر حرفية؛ "شعبة المعلومات"، لـ "التوسع في التحقيق"، بقرار من قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا، ولدى "المعلومات" اكتُشفت القرصنة، وأُطلق عيتاني بريئاً بإشارة من القضاء، وبإعلان من وزير الداخلية نفسه، بعد 109 أيام سجناً، فيما أوقفت المقدم الحاج والمقرصن غبش، بقرار من جرمانوس نفسه، وأصدر اللواء عثمان قراراً بطردها من قوى الأمن الداخلي بناءً لقرار المجلس التأديبي.
خلال توقيف الحاج؛ تصاعد الخلاف بين جرمانوس ومن خلفه التيار العوني (جرمانوس أحد ناشطي التيار، وقد عُين في موقعه بتسمية من جبران باسيل) وبين اللواء عماد عثمان (المقرب من الرئيس سعد الحريري)، وشاع في الإعلام رغبة رئيس التيار العوني بإقالة عثمان، سيما وبعد أن ادعى جرمانوس على اللواء عثمان شخصياً -بعد ادعائه على شعبة المعلومات برمتها-، بتهمة؛ إعطاء أذونات حفر آبار ارتوازية ورخص كسارات لمواطنين خلافا للقانون، وبعدما ورد اسم جرمانوس في إفادة أحد الموقوفين في قضايا الفساد القضائي؛ حيث رفض جرمانوس المثول أمام هيئة التفتيش القضائي، باعتباره قاضياً عسكرياً لا مدنياً، متهماً "شعبة المعلومات" بالزج باسمه في القضية!
بتاريخ 30/5/2019 شهدت "المسرحية" آخر مشاهدها وأكثرها تشويقاً، إذ تخلى مفوض المحكمة العسكرية عن موقعه كجهة ادعاء، وحضر إلى المحكمة العسكرية –شخصياً وخلافاً للعادة- للدفاع عن سوزان الحاج، "الضابط التي أثبتت نجاحها، لكن معضلتها تكمن بوجود مشكلة مع قيادتها (اللواء عثمان)"، لدرجة لم يعد من مبرر لوجود محامين عنها، وليصدر الحكم تالياً ببراءة الحاج من الفبركة، التي أُلصقت بالمقرصن إيلي غبش باعتباره مَن "خلق فكرة الجريمة وعرضها على المقدم الحاج، فيما هي بقيت متفرجة"!، ودون تقديم تفسير عن مصلحة غبش في الإيقاع بعيتاني، فيما هو غريم الحاج، وقد كان يقول لها وفقاً لمحاميه: "مُريني لأنفّذ. إنا بعمل اللي بتريديه. انشالله يكون كلّو على ذوقك؟".. ومع ذلك فقد نال غبش سنة سجنية واحدة.. وبما أفضى إلى نتيجة غريبة في القانون؛ وجود جريمة دون وجود مجرم، مع توصيف قانوني جديد يفضي إلى البراءة هو "التفرّج"، ومن دون أية محاسبة مسلكية -أو حتى أخلاقية- لمن حقق وعذب ونشر وشهّر، أو قضى، أو ادعى.. دون تبصّر.
إنها مسرحية العدالة في لبنان.. أليست أكثر تشويقاً وواقعية من مسرحيات زياد عيتاني التمثيلية؟!
وسوم: العدد 827