هل يُفلح أردوغان في وضع ملف إدلب على طاولة الأمم المتحدة؟
صحيح أنّ حفاوة استقبال أردوغان في موسكو في: 27/ 8 الفائت، كانت جلية، غير أنّ النتائج لم تكن على قدر حرارة الاستقبال، ففي الوقت الذي كان يتحدّث فيه عن المنطقة الآمنة، كان بوتين يجيبه عن صفقات السلاح و استعراض الطائرة S57، لدرجة أنّ عددًا من المراقبين وصف اللقاء بحوار طرشان، فكلٌّ منهما له موقفه المتمسِّك به، على الرغم من ظرفية الزيارة التي كانت إدلب وراءها.
و بذلك تبدو روسيا كجزء من الخطة على تركيا، لا حليفة لها كما يتوهم البعض، على الرغم من تنامي العلاقات الثنائية ذات الطابع الاقتصادي بينهما، إلى الحدّ الذي جعل بوتين يقترح ضم تركيا إلى مجموعة الدول الصناعية السبع، نظرًا لدورها الإقليمي والدولي.
الأمرُ الذي حدا بأردوغان أن يبادر فور عودته إلى أنقرة، إلى الاتصال بترامب، ليضعه في صورة الوضع في إدلب، و يتمنّى عليه أن يبادر لتثبيت وقف إطلاق النار فيها، و إيجاد مخرج للأزمة الإنسانية المُلحّة، المتمثلة بتشريد مليون و نصف المليون تحت أشجار الزيتون و على الحدود التركية، بعد أن هدمت آلة الحرب الروسية قراهم و مدنهم و جعلتها أرضًا يبابًا.
و هو الأمر الذي اهتبله ترامب، و عاد ليحدّثه عن صفقة الباتريوت مجددًا، و عن العدول عن استبعاد بلده من مشروع تطوير F35، فضلاً على إعطاء دفعة للمحادثات حول تفاصيل المنطقة الآمنة شرق الفرات، بعدما خطت تركيا خطوة مهمة، تجاوزت بها عقبة الـ 40 كم كعمق كانت متمسكة به.
لقد ربط عددٌ من المراقبين هذه الخطوة التركية، بحالة الانزعاج من إعلان روسيا وقف إطلاق النار في إدلب من جانب واحد، من غير وضوح في حيثيات الأمر، باعتباره تكتيكًا جديدًا لإحراج تركيا، بدعوى أنّها غير مسيطرة على الفصائل التي تطالب روسيا بحلها كجزء من اتفاق سوتشي.
إنّ أردوغان يدرك بالنتيجة، أنّه يتعامل مع بوتين كمتجرع المرّ من أجل الاستشفاء؛ ممّا حدا به إلى الإعلان عن نيته لقاء ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر الشهر الجاري، فضلًا على التنسيق معه في ضرب مقر أنصار التوحيد في مزارع بروما شمال إدلب.
يرى المراقبون أنّه في ظل الضغوط الخارجية و الداخلية على أردوغان، فهناك من يدفع بوجهه بأزمة جديدة لم تكن في حسبانه، تمثَّلتْ بدفع آلاف من السوريين للتظاهر على الحدود التركية أمام معبر باب الهوى مطالبين تركيا بموقف أكثر جدية في إدلب، من خلال وقف شامل لإطلاق النار و مساعدتهم في العودة إلى بيوتهم ـ و إن كانت مهدّمة، أو السماح لهم بالدخول إلى أراضيها للعبور نحو بلدان اللجوء في أوروبا؛ و إلاّ فإنّه لا معنى لكونها دولة ضامنة في تحالف هشٍ، تمّ التوصل إليه في منتجع سوتشي قبل سنة، في: 17/9/ 2018.
في المقابل فإنّ هناك من يذهب إلى أنّ شرائح من هؤلاء السوريين الغاضبين لا يدركون مدى خطورة خروج تركيا من الشمال السوري، إنّه يعني وجود مليشيات (YPG) و(PYD)، في مرحلة غير بعيدة، مثلما يعني إعطاء ذريعة لروسيا في التمدّد في باقي مناطق إدلب، على غرار ما كان في المناطق ( 55 ) التي دخلتها في شمال حماة و جنوب شرق إدلب.
فطالما أنّ القصف لم يتوقف، واللاجئون ما زالوا يتدفقون، فعليها أن تلغي اتفاقية إعادة قبول اللاجئين مع أوروبا، و تسمح نحوها بمزيد من قوارب اللاجئين، و وقتها سيهرول الأوربيون إلى الروس لوقف القصف، بل وتأمين إدلب وحماة، كما حصل مؤخرًا مع اليونان، وستخرج تركيا من مأزقها، وتعصم دماء السوريين من جحيم أسلحة روسيا.
و بناء على مجمل هذه التحركات نقول: هل يُفلح أردوغان في الإفلات من ربطة العنق الروسية ـ الأمريكية، و يضع ملف إدلب على طاولة الأمم المتحدة، بعدما أعلنت أمريكا مرارًا عن فشل مسار أستانا، وعجزت تركيا عن الوفاء بالتزاماتها نحو السوريين، و جعلت منه روسيا شماعة للمُضي في فرض رؤيتها في شكل الحلّ ؟.
وسوم: العدد 841