هل ستبيع الصين منظومة (أتش كيو-9) الدفاعية إلى الأسد؟
في نهاية الشهر الماضي، نشر موقع "أفيا برو" الروسي تقريراً أشار فيه إلى أن سوريا تتفاوض مع الصين من أجل الحصول على نظام دفاع جوي صيني الصنع من طراز (أتش كيو-9). وفقاً للتقرير الذي يستند إلى عدّة مصادر سورية، فإنّ دمشق بدأت التفاوض في الوقت الحالي على "الإمدادات المجّانية" لأنظمة الدفاع الجوي الصينية، دون استبعاد إمكانية الانتقال إلى خيار الاقتناء لاحقاً. ويشير التقرير إلى أنّ هدف هذه الخطوة السورية هو استبدال أنظمة الدفاع الروسية من طراز (إس-٣٠٠) وذلك بسبب عدم فعالية الأخيرة في إيقاف الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وصد الهجمات التي تشنّها تل أبيب داخل الأراضي السورية.
لم يذكر التقرير إذا ما كانت عدم قدرة (إس-٣٠٠) على صد الغارات الإسرائيلية ترتبط بإنخفاض مستوى المنظومة التقني، أو أنّ ذلك يعود إلى غياب القرار السياسي لدى روسيا باستخدام هذا النظام الدفاعي لإسقاط أو اعتراض أو صد المقاتلات الإسرائيلية، لكنّه أشار إلى ما يمكن أن يُفهم منه أنّ المنظومة الروسية تعاني من قصور تقني ومن غياب الإرادة السياسية الروسية معاً وذلك عندما أوضح أنّ المنظومة الصينية أكثر تقدّماً من نظيرتها الروسية، وأنّ هناك استحالة في استخدام (إس-٣٠٠) ضد إسرائيل بسبب خضوعه لقرار الجيش الروسي.
لكن وبنظرة فاحصة على مضمون التقرير، يمكن القول إنّه قد لا يكون صحيحاً على الأغلب وذلك بالاستناد إلى ثلاث ملاحظات على الأقل. الملاحظة الأولى تتعلق بتصدير المنظومة الصينية إلى سوريا، والملاحظة الثانية تتعلق بوضع النظام السوري، والملاحظة الثالثة تتعلق بوضع الصين في الشرق الأوسط وعلاقاتها مع دول المنطقة. فيما يتعلق بالملاحظة الأولى، ومع الاعتراف بإمكانية أن تزوّد الصين أياً من دول الشرق الأوسط بأسلحتها كما ثبت ذلك في العديد من المحطات التاريخية، فإنّ بكّين لا تمنح أنظمة صواريخ وأسلحة بالمجان لأي من الدول الأخرى، والأرجح أنّها لن تفعل ذلك أيضاً خاصة عندما يتم التعامل مع أنظمة من هذا النوع.
أمّا الملاحظة الثانية، فمع الإقرار أنّ الصين كانت في مرحلة من المراحل من أكبر مزودي نظام الأسد بالأسلحة، إلاّ أنّ النظام السوري لا يمتلك الآن المال اللازم لشراء الأسلحة أو دفع ثمنها حتى ولو كانت بالتقسيط، وهو الأمر الذي يشير إلى استحالة وجود مثل هذا القرار سيما مع تدهور وضع العملة المحليّة مؤخراً بشكل أكبر، وافتقاد العملات الصعبة للحفاظ على سعر الصرف متماسكاً أو دفع ثمن المشتريات الخارجية. تبقى الملاحظة الثالثة وهي أنّ الإشارة إلى أنّ الصين أكثر قدرة من روسيا على اتخاذ قرار سياسي باعتراض تدخّل عسكري إسرائيلي، أمر غير صحيح بتاتاً. الصين سبق لها أنّ باعت أسلحة إلى عدّة دول مختلفة في الشرق الأوسط، إلاّ أنّها لا تختار الانحياز إلى أي من هذه الدول كأفضليّة لها. وبالتالي، فإنّ افتراض انحياز الصين إلى سوريا ضد إسرائيل أمر غير متوافق مع السياسات الصينية.
أذكر أنّني قرأت تقريراً مشابهاً العام الماضي تحديداً، لذلك أفترض أنّ هناك من يريد التذكير بإمكانية حصول مثل هذا الأمر خاصة عندما يتم الربط بعملية إعادة الإعمار والدور الصيني المحتمل في سوريا. إذا كان المصدر رسيماً، ومع استبعاد الملاحظات المذكورة أعلاه، يمكن القول إنّه إذا كان هناك من جهة ما تتذمّر من الموقف الروسي في سوريا فهي على الأرجح النظام الإيراني وليس الأسد سيما وأنّ غالبية الضربات الإسرائيلية تستهدف إيران وأذرعها داخل سوريا، أمّا الضربات التي تستهدف نظام الأسد فهي تأتي إمّا بسبب ارتباطه بالدور الإيراني أو بسبب تدخلّه أثناء تنفيذ إسرائيل ضربة ضد مواقع إيرانية في سوريا.
علاوةً على ذلك، فإنّ إيران المتضايقة من دور روسي غير فعّال في صد الهجمات الإسرائيلية، قد تحاول تحريك الماء الراكد بمثل هذا التقارير، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّها وبعكس الأسد، فهي تمتلك المال وتبقى قادرة على الدفع خاصة أنّ الحظر الأممي المفروض على استيرادها للسلاح سيشارف على الانتهاء العام المقبل وفقاً للاتفاق النووي الذي عقدته إدارة أوباما مع نظام الولي الفقيه. وعليه، إذا لم يتم التجديد لهذا الحظر أو فرض حظر جديد، فإنّ إيران ستكون قادرة حينها على شراء أسلحة ومعدات عسكرية بشكل قانوني من الصين وإرسالها ربما أيضا إلى ساحات خارجية كسوريا فضلاً عن استخدامها داخل إيران.
وسوم: العدد 854