الشكر موصول لكل من تعاطف مع منبر الجمعة أما الشامتون به فقد بدت البغضاء من أفواههم
الشكر موصول لكل من تعاطف مع منبر الجمعة أما الشامتون به فقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر وإن من الغيظ ما يقتل أصحابه
إن وزارة الأوقاف إذا كانت تظن أنها قد عاقبتني بمنعي من مزاولة الخطابة لسبب نصرتي للمسجد الأقصى المباركة ، فإنها قد أخطأت التقدير والحساب لأنها بقرارها هذا قد قلدتني وساما غاليا أعتز به ، وأضعه فوق الجبين ، وهو أعظم وأجل من أن يعلق على صدر أو على كتف كما تعلق الأوسمة عادة .
وأظن أن التعاطف الذي حصل معي على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهو في الحقيقة تعاطف مع منبر الجمعة لا معي لأنني ككل ابن آدم خطاء ، ولا مفر لبني آدم من الأخطاء ، ومن نعم الله عز وجل عليهم أنه جعل الخيرية فيمن يتوب منهم بعد الخطإ ، هذا التعاطف بحجمه الكبير أرجو أن ينبه الوزارة الوصية إلى ما يمثله منبر الجمعة عند الشعب المغربي من قدسية ومصداقية جعلته يغار عليه ،ويستميت في الدفاع عنه ، وأن ينبهها أيضا إلى أنه بمثابة استطلاع آراء لأن وسائل التواصل هي وسيلة الرأي العام في التعبير عن الرأي . ولو شاءت هذه الوزارة أن تدخل معي في تحد فإنني أدعوها إلى تنظيم استفتاء عام لتتأكد مما أقول .
وأمام الحجم الكبير والحضور الكثير للتعليقات المتعاطفة مع منبر الجمعة والتي تستحق الشكر والتنويه ، وقد وجدت فيها عزاء كبيرا وإن كان لا شيء يعزي النفس عن حرمانها من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أشرف ما يرتقى على الإطلاق ، فإن بعض الأصوات السابحة ضد التيار كما يقال جاء في تعليقاتها ما يفهم منه أو يشتم منه رائحة الشماتة بالمنبر ، وفي ذلك ما يدل على ما تخفي صدور أصحابها وهو أكبر مما بدا من أفواههم أوخطته أيديهم ، وإن من الغيظ ما يميت بعض هؤلاء .
ومما جاء في بعض تعليقات الشماتة أنني ممن يطيل الخطب ، ولعلم هؤلاء أنني قد تخليت عن بعض المساجد التي كنت أخطب فيها قبل آخر مسجد وهو ابن حزم لمجرد سماعي أن بعضهم وجّه إلي هذا الانتقاد ،لأنني ملتزم بقاعدة " لا يؤم الرجل القوم وهم له كارهون " . والحديث عن إطالة الخطباء في خطبهم كثيرا ما يتداول عند البعض ممن يستثقلون حتى انتظار إقامة الصلوات الخمس بله سماع خطب الجمعة . ولو أنهم أنصفوا خطب الجمعة لصبروا أنفسهم على مدة زمنية لا تزيد عن نصف ساعة في الأسبوع لسماع الذكر الذي من المفروض أن يحدث فيهم أثرا يكون فيه ما يزكي النفوس بعد أسبوع كامل من الانصراف لشؤون الحياة ، وهو تدين أيضا يقتضي أن توجهه خطب الجمعة التوجيه المناسب والصحيح بربطه بالكتاب والسنة وهما نبراسان لا مندوحة عنهما لمن أراد الهداية في خوض غمار الحياة خوضا يرضي الله عز وجل .
وكان من العدل والإنصاف أن يصبر قليلا من يتضجرون من وقت خطب الجمعة على سماعها كما يتحملون الصبر على أوقات مباريات كرة القدم وهي تفوق أوقات الخطب ثلاث مرات إن لم تكن فيها أشواط إضافية وركلات الترجيح ، وكما يتحملون أوقات الأفلام والمسرحيات الطوال طولا لا يبعث في نفوسهم مللا ، وغيرها مما يقضون فيه ساعات طويلة دون أن يضيقوا من ذلك ذرعا كما يفعلون بالنسبة لخطب الجمعة .
وإذا كان لبعضهم عذر لعلة أو غير ذلك مما يقره الشرع ، أو كانت الخطب دون المستوى وهو أمر واقع لا ينكر إما لخوف الخطباء من إنزال الوزارة الوصية العقوبة بهم إن هم تناولوا ما لا ترضاه مما يفرضه الواقع والظرف ، وهي مسلحة بالمادة الثامنة من الظهير الشريف المنظم لمهام القيمين الدينيين ، وفي هذه المادة ذكر لما سمي الجو العام إلى جانب الثوابت كالمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية ، فـإنه لا عذر لغيرهم ممن لا يرضيهم سرد الخطباء ما لا يليق بالسلوك الإسلامي ، فيتذرعون بذريعة تطويلهم للتمويه على السبب الحقيقي وراء تضجرهم من الخطب . ومعلوم أن الوزارة تطلق يدها في استغلال ما سماه الظهير الشريف الجو العام لتجريم من تستهدفهم من الخطباء بتهمة مخالفة هذا الجو العام ، و بهذه الذريعة قررت الوزارة توقيفي عن الخطابة مع أن الجو العام الشعبي كان ضد صفقة القرن بدليل خروج مسيرة ضخمة منددة بها في العاصمة الرباط ، فهل ما تفهمه الوزارة من الجو العام هو مخالف لهذا الذي حصل ؟
ومعلوم أن كل الوزارات تحاسب أمام ممثلي الشعب في البرلمان ، وتطرح على مختلف الوزراء أحيانا أسئلة محرجة بما فيها الوزارة الوصية على الشأن الديني خصوصا ما يتعلق بأسلوبها في التعامل مع القيمين الدينيين حيث تعزلهم لأسباب تافهة أحيانا، الشيء الذي يعني أنها لا تلتزم بمساطر التأديب التي تلتزم بها غيرها من الوزارات ، فعلى سبيل المثال تلتزم وزارة التربية الوطنية التي كنت أنتمي إليها بصفتي مفتشا تربويا بإجراءات التأديب المتدرجة قبل إجراء العزل ، ويحتفظ موظفوها بمقاضاتها أمام المحاكم الإدارية، الشيء الذي لم أسمع به لحد الآن بالنسبة للوزارة الوصية على الشأن الديني التي تعزل من تشاء متى شاءت من القيمين الدينيين دون أن يخطر ببال المشرفين عليها أنهم ربما اتهموا في كثير من الحالات باستعمال الشطط في السلطة والتعسف في حق فئة من المفروض أن تحظى باحترامها وهي محترمة لدى جميع المواطنين لا كأشخاص بل لعلاقتهم بالدين الذي يقع إجماع على احترامه في بلد يدين بدين الإسلام ، ويتولى فيه الأمر أمير المؤمنين دام له النصر والتمكين وهو أمر مفروض شرعا .
وكان من المفروض في وزارة تدعو إلى التسامح مع الأغيار ممن لا يدينون بديننا أن تعطي المثال على ذلك بالتسامح مع القيمين الدينين الذين لولاهم لما كان لوجودها من معنى . وإذا كان الله تعالى يغفر للمسرف ، ويبدل سيئات المسيء حسنات ، ويغفر ما كان مثل زبد البحر ، فما بال الوزارة التي تتحدث باسم دينه قاسية في التعامل مع القيمين إلى هذه الدرجة لا تصفح ولا تغفر ، وليس لديها بطاقة صفراء تسبق البطاقة الحمراء ، وتوقيفها للقيمين الدينيين مؤبد ، والحمد لله أنها ليس بيدها عقوبات أخرى غير الطرد وإلا لكانت أهلكت منهم العدد الكثير ؟
ومرة أخرى أقدم نصحا لهذه الوزارة صادقا أن تتنكب أسلوب تتبع القيمين أئمة وخطباء ووعاظ عن طريق مخبرين صنعتهم وهي توظفهم لهذا الغرض ، وأن ترأف بهم لأنها وزارة شؤون دينية فبل كل شيء . وإذا كانت لا ترى أن يتناول الخطباء بعض القضايا أو المواضيع الخارجة عما سمته الجو العام ، فعليها رحمة بهم وتيسيرا لمهامهم أن تخبرهم مسبقا بذلك من خلال المذكرات أو من يسدون مسدها ، وإن لم تفعل وما أظنها ستفعل ، فسيكون ذلك منها سبق إصرار على إيقاعهم في الفخ لتصفية حساباتها معهم والتي قد تكون بسبب نوازع أو قناعات تتبناها .
وفي الأخير أختم بأبيات من شعري في رثاء المنبر حضرتني لحظة توصلي بقرار التوقيف وهي الآتي وأهديها لكل من تعاطف معي مشكورا ومأجورا :
رزءان يضني فؤادي منهما وجع = قدس يباع غذا ومنبر أدع
تركته مكرها والقلب منكسر = لما حرمت وصالا تعشق الجمع
هانت علينا ربوع الله شرّفها = في الذكر قدّسها تسمو وترتفع
بكيتها فوق منبر شكا ألما = لبيعها في مزاد موشك يقع
قد حيل بيني وبين منبري أبدا = فأنى سأبكي إذا ما اشتد بي وجع
ولست أدري أأبكي قدسنا كمدا = أم منبري إذ غدا مستوحشا يلع ؟
عزاؤنا فتية في القدس قد صمدوا = لله واحتسبوا وكلّهم سبع
بشرى لهم من رسول الله يخبرهم = بالنصر من ربهم إمداده دفع
ووعد ناجز إن حان موعده = في سورة نزلت يهفو لها الورع
طوبى لهم لجنان الخلد قد خلقوا = أجورهم غرف تزهو بما تسع
والحمد لله التي تتم بنعمته الصالحات ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وسوم: العدد 864