حكم عرض صور المرضى وجثث في أحداث (كورونا)
في كثير من الأحيان يكون الهدف عند بعض الناس الحرص على سبق إعلامي، بغض النظر عن تبعات هذا الأمر، وقد بدا ذلك في أحداث (كورونا) ومن قبلها كثير، لكن البعض أحيانا لا ينظر إلى حق الآخر.
وأقول وبالله التوفيق:
حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة بيته، روى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَر أنه نظر يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ[1]، وعند ابن ماجه عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا[2]». للمريض وللميت حرمة لا يجوز لأحد أن ينتهكها، روى أحمد عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ، كَكَسْرِهِ حَيًّا[3]“. لا يجوز التعدي على خصويات الآخر (مريضا أو ميتا أو حيا) إلا إذا كان هناك مصلحة متحققة من ذلك، وكان هناك إذن مسبق، إلا إذا دعت الضروة التصوير؛ وقد علمنا الإسلام احترام الخصوصيات، روى البخاري عن أَبَي هُرَيْرَةَ، أنَهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أَحَدٌ، وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ، خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ[4]»، فإذا كان بالنسبة للحي السليم فكيف بالمريض أو الميت؟! تصوير المرضى أو الأموات يعدّ جريمة نكراء يعاقب عليها الشرع، ويجرمها القانون البشري، وتأمل هذه الجملة القرآنية الرائعة في حديث القرآن عن أول ميت من ولد آدم: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 31]، قال ابن العربي: وإنما سميت سوأة لأنها تسوء الناظر إليها عادة[5]. وقال ابن عاشور: والسوأة: ما تسوء رؤيته[6]. كل ما كان من المرء بعد موته يعدّ سوءة لا يجوز التعدي عليه بغير إذن، لا تصويرا ولا وصفا، ولهذا اعتبر الفقهاء أن من أهم شروط المغسّل أن يكون أمينا، روى الحاكم عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً ، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنَ السُّنْدُسِ ، وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ حَفَرَ لِمَيِّتٍ قَبْرًا فَأَجَنَّهُ فِيهِ أُجْرِيَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أُسْكِنَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[7]». الأصل أنه لا يطلع على الميت إلا أقرباؤه، فيجوز لهم النظر إليه وتقبيله قبل غسله وبعده للحاجة شريطة أن يكون ممن يجوز له النظر إليه ومسه في حياته، روى البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: «بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا[8]»، وروى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ وَهُوَ يَبْكِي»، أَوْ قَالَ: «عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ[9]». بل لا يجوز شرعا لأقرب الناس أن يقوم بتصوير مريضه أو ميته بما لا حاجة له به، ولو فعل ذلك كان آثما، إذ القرابة لا تعطي للمرء أن يفعل بمريضه أو ميته ما يشاء، روى ابن شيبة في مصنفه عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَذَى الْمُؤْمِنِ فِي مَوْتِهِ كَأَذَاهُ فِي حَيَاتِهِ. حرمة التصوير للمريض أو الميت لا علاقة لها بجنس المرء أو تدينه، بل هذه الحرمة مقطوع بها مهما كان دين الإنسان أو جنسه، لأن الله جعل تكريم البشر عاما، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وروى الشيخان كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا[10]». واجب وجوبا عينيا على من يقوم بتصوير ما لا يجوز له من المرضى أو الأموات أن يتجنب نشر هذا، فإن فعل كان آثما، فإن علم بذلك وجب عليه حذف ما قام بنشره بكل ما أوتي علم واستطاعة، ووجب عليه أن يتبرأ من صنيعه، وأن يطلب الصفح من المريض وأهله وكذلك اهل المتوفى، وإلا لاحقه الإثم في الدنيا والآخرة.
-المراجع-
[1] رواه الترمذي في أبواب البر والصلة (2032) وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن صحيح (2339).
[2] رواه ابن ماجه في الفتن (3932) وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (852) وقال في الترغيب والترهيب: صحيح لغيره (2441).
[3] رواه أحمد (24740) وقال مخرّجوه: رجاله ثقات رجال الصحيح، غير عبد الرحمن بن أبي الرجال، فمن رجال أصحاب السنن، وهو صدوق.
[4] رواه البخاري في الديات (6888).
[5] أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (2/ 86).
[6] التحرير والتنوير (6/ 173).
[7] رواه الحاكم في المستدرك (1/ 354) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3492).
[8] رواه البخاري في الجنائز (1241).
[9] رواه الترمذي في الجنائز (989) وصححه الألباني في الصحيحة (6010).
[10] رواه البخاري في الجنائز (1312) ومسلم في الجنائز (961). ولأجل هذا جاءت الشريعة بأحكام تصون الميت ومنها: حرمة استخدامه طعاما، طهارته ميتا، وجوب غسل الميت، وجوب تكفينه، وجوب دفنه، حرمة نبش القبور، النهي عن الجلوس على القبر، والنهي عن وطأ القبور بالأقدام، النهي عن التبول أو الغوط على القبور، النهي عن المثلة.
وسوم: العدد 872