فقُلتُ: هما أمرَان، أحلاهُما مُرّ

عثمان أيت مهدي

بدأت تتضح معالم انتخابات الجزائر لرئاسيات 2014، وبدأ الغموض الذي كان يخيّم عليها في الانقشاع شيئا فشيئا. بحسب تصريح وزير الداخلية اليوم 27/01/2014 يتعدى عدد الذين سحبوا ملفات الترشح إلى السبعين مترشحا، موزّعين بين: منهزم لمرات عديدة في نفس الانتخابات، وحامل لجنسية ثانية وقاطن بالخارج، وجاهل الكثير عن وطنه، وعسكريّ برتبة جنرال، تحوّل بعد تقاعده إلى سياسيّ متمرّن، وراغب في الظهور طلبا للشهرة، ومتصيد للفرص طمعا في المال الذي تضخّه الدولة لتمويل الحملة الانتخابية، وآمل لأسابيع معدودة في أن يعيش حياة الرؤساء متنقلا من ولاية لأخرى، من طائرة لأخرى، من قاعة لأخرى مجتمعا بخلق كثير، خطيبا عليهم، مجيبا على أسئلة الصحافيين، مبتسما للمصورين والكاميرات، إنّها بحق فرصة لا تعوض، تعيش خلالها، ولو لفترة قصيرة، حياة الرؤساء.

ما ينفّ عن سبعين مترشحا والقائمة مرشّحة للوصول إلى المئة، ممّا يعني تمييع هذه الرئاسيات في قائمة طويلة لمترشحين غائبين عن السياسة لسنوات طويلة أو مجهولين عن الشعب جهلا تاما، وكلّهم مقتنع بلعب دور الأرنب لمرشح السلطة، وفق عادات وتقاليد نظامنا السياسي من الاستقلال إلى يومنا هذا. لا أحد يتذكر فوز مترشح في أيّ رئاسيات خارج حسابات السلطة الحاكمة، فلماذا هذا الهوس على سحب ملفات الترشح؟ ولماذا تقبل وزارة الداخلية هذا الكم الهائل من الهويّات المجهولة؟ وكأنّ رئيس الدولة الجزائرية وظيفة كبقية الوظائف التي لا تحدد لها شروط مسبقة، ويتقدم إليها كلّ من يرغب في إجراء المسابقة.

أحزاب الحملة الانتخابية والتأييد والموالاة التي لا تؤمن بالشخص ولا بأفكاره ومبادئه بقدر ما تؤمن بإيحاءات المؤسسة المكلفة بصناعة الرؤساء، بدأت حملتها بترشيح من لا يريد أصواتهم ولا تملقهم، فالرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة مجاهد ومناضل تقلد عدّة مناصب سياسية، غنيّ عن التعريف لدى الشعب الجزائري، تكفيه كلمة النداء: "أيّها الشعب الجزائري" ليرد عليه الشعب، لبيك وسعديك.. فلماذا هذا التزلف لمناشدته على الترشح لعهدة رابعة؟ هل يحتاج الرئيس لهؤلاء المتملقين المؤمنين بفكرة "من يتزوج بأمي أناديه أبي" "مات القيصر يحيا القيصر" إلى ترشيحه وتزكيته، وهؤلاء يعيشون تحت عباءته وداخل خيمته وفضله؟ إنّهم نكرة يريدون التعريف بالمعرّف؛ لكن تشاء الانتخابات الرئاسية بالجزائر أن تكون كذلك، مجتمع مدني بالمفهوم الجزائري يطبل ويزمّر لعهدة رابعة لفخامة رئيس الجمهورية، مترشحون يعدّون بالعشرات يميزهم الغياب الطويل عن الساحة السياسية أو الهوية المجهولة لدى الشعب الجزائري، أو الوصولية وإفساد العرس الانتخابي.

يعاني الرئيس الأمرين؛ الشيخوخة لتجاوزه السبعين سنة، والمرض الذي أقعده على كرسيّ متحرك، ورغم ذلك يقوم بوظائفه الدستورية بطريقة "لا أحدَ يعلمُ فيما أفكرُ فيه" بالتزامه الصمت عن مستقبله السياسي. هل سيترشح ويلبي نداء الذين عاثوا في الجزائر فسادا، وأوصلوها إلى أراذل الأمم في كلّ المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية؟ أم يترك للشعب اختيار رئيس من القائمة المفتوحة لكلّ من هبّ ودبّ ولم يعرف قدر الشعب ولا قدره؟ لقد أصبح المواطن حقيقة بين المطرقة والسندان، بين مطرقة الرئيس الشيخ المريض، وسندان الوصوليين، المتزلفين، الحالمين بحكم بلد بحجم قارة، وهي الجزائر؟

لم يبق للشعب الجزائري خيارا ثالثا، فهو أمام قول أبي فراس الحمداني:

وقالَ أصيحابي الفرارُ أو الردى         فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ

هل نحمّل مسئولية أمّة قاومت احتلالا شرسا قويا مدعما بالقوى العظمى الاستعمارية إلى شخص نعرفه ونعرف ماضيه غير أنّه مريض لا يقوى على تحمل أعباء الدولة وهي جسيمة، أم نحملها إلى شخص جميل المحيا والبدلة غريب الديار والسياسة؟ إنّها معضلة أوصلنا إليها النظام الحاكم للجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا.