مع ولادة دستور تونس الجديد، هل تتغير الأحوال نحو الأفضل ؟
مع ولادة دستور تونس الجديد،
هل تتغير الأحوال نحو الأفضل ؟
رضا سالم الصامت
وقع رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان في تونس على الدستور الجديد للبلاد الذي صادق عليه المجلس الوطني التاسيسي (البرلمان) بأغلبية ساحقة وذلك بعد مضي 3 سنوات على اندلاع ثورة الحرية و الكرامة من 17 ديسمبر2010 - 14 جانفي يناير 2011 تاريخ هروب بن علي الرئيس المخلوع إلى السعودية
ووقع الدستور الذي يشتمل على "توطئة" (ديباجة) و149 فصلا، رئيس الجمهورية التونسية المؤقت محمد المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة المستقيلة التي تقودها حركة النهضة علي العريض
وفي كلمة ألقاها الرئيس التونسي قال : قبل التوقيع على الدستور، إن المصادقة على هذا النص تمثل انتصارا للشعب التونسي لكن الطريق ما زالت طويلة، ومازال أمامنا الكثير والكثير من العمل لتصبح قيم الدستور جزءا من ثقافتنا.وسينشر الدستور بعد توقيعه في الجريدة الرسمية للبلاد التونسية على أن يدخل حيز التنفيذ تدريجيا في انتظار انتخاب برلمان ورئيس جديدين. وقد صوت 200 من أصل 216 نائبا شاركوا في عملية الاقتراع، بـ" نعم " على الدستور في حين صوت ضده 12 نائبا وامتنع أربعة نواب عن التصويت. ويعتبر هذا الدستور هو الثاني في تاريخ تونس منذ استقلالها عن فرنسا في مارس آذار 1956
هذا و قد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بالمصادقة على الدستور التونسي الجديد، معتبرا أنها مرحلة تاريخية، ودعا إلى إكمال الفترة الانتقالية الديمقراطية في البلاد.وقال المتحدث باسمه مارتن نيسركي: " إن العملية الانتقالية الديمقراطية في تونس اجتازت مرحلة تاريخية جديدة بالمصادقة على دستور جديد.وأضاف قائلاً: " إن بان مقتنع بأن المثال التونسي قد يكون نموذجا للشعوب الأخرى التي تتطلع إلى إجراء إصلاحات
وأوضح المتحدث أن الأمين العام يشجع الأطراف السياسية في تونس على أن تتم المراحل المقبلة للعملية الانتقالية بشكل سلمي وشفاف وشامل.واعتبر بان كي مون أنه من المهم العمل كي يكون النمو الاقتصادي بشكل عادل ودائم، كما جدد دعم الأمم المتحدة لتونس، وشجع الأسرة الدولية على زيادة دعمها للجهود التي يبذلها هذا البلد من أجل ترسيخ ديمقراطيته ومواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية
الجدير بالذكر أن المصادقة على الدستور تمت مساء يوم الأحد 26 من جانفي يناير 2014 في المجلس الوطني التأسيسي، بأغلبية تجاوزت بكثير الثلثين المطلوبة، حيث صوت 200 نائب بنعم، و4 تحفظوا و12 ضد ، من مجموع 216 نائبا شاركوا في التصويت على دستور تونس برمته، وذلك بعد المصادقة عليه في وقت سابق فصلا فصلا
وعقب الموافقة على الدستور رفع النواب أعلام تونس بينما كان البعض منهم يذرف الدموع فرحا وتبادل النواب التهاني بينما علت الزغاريد في أجواء مؤثرة. وردد النواب النشيد التونسي قبل أن يرددوا شعار " أوفياء أوفياء لدماء الشهداء "وقال مصطفي بن جعفر بوصفه رئيس المجلس في كلمة "هذا الدستور يبني دولة مدنية ديمقراطية ويحقق حلم التونسيين وعدة أجيال"، وأضاف " هذا الدستور هو نجاح للثورة وللنمط المجتمعي التونسي..ليست تونس وحدها من تتابع هذه التجربة بل العالم كله يتابعها بإعجاب"والتصويت على الدستور الثاني لتونس هو من أكثر اللحظات قوة وتأثيرا منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل ثلاث سنوات في انتفاضة انتقلت شرارتها إلى مصر وليبيا واليمن والآن سوريا
وينظر خبراء ودبلوماسيون غربيون إلى الدستور التونسي الجديد على انه دستور ليبرالي. وتنازل الإسلاميون الذين يسيطرون على اغلب مقاعد المجلس التأسيسي في تونس عن اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع، حيث تضمن البند السادس منه النص على حرية الضمير والمعتقد وان الدولة تسعى للتصدي لدعوات التكفير وحماية المقدسات وهو بند توافقي بين الإسلاميين والمعارضة
أما زعيم حركة النهضة الإسلامية الشيخ راشد الغنوشي قال للصحفيين " الله وفق شعبنا الذي قام بثورة أنارت العالم .. إنها لحظات تاريخية بالوصول إلى دستور توافقي بين التونسيين, بعض البلدان الأخرى التي ناضلت لم تحقق نفس طريقنا. هذا الدستور له مذاق خاص للذين تعرضوا للاضطهاد والتعذيب وناضلوا ضد الديكتاتورية."وأضاف أيضا أن " المصادقة على الدستور الجديد جعل من تونس نموذجا في المنطقة " وقال أن تقدم مسار الثورة التونسية سيؤثر على باقي دول الربيع العربي.ويبدو طريق تونس نحو الديمقراطية أكثر ثباتا مقارنة بباقي بلدان ربيع العربي
و سبق أن وافقت حركة النهضة الإسلامية على التنحي من الحكومة بعد اتفاق مع المعارضة العلمانية اثر أزمة استمرت شهور عقب اغتيال معارضين العام الماضي، و هما الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي .وكلف جمعة بتشكيل حكومة في ديسمبر كانون الأول بعد أن وافق حزب حركة النهضة الإسلامية على التخلي عن الحكم في حل وسط مع المعارضين العلمانيين لإنهاء أزمة هددت بتقويض التحول الديمقراطي في البلاد
وأبقى جمعة وهو وزير الصناعة السابق في حكومته التي ضمت 21 وزيرا على وزير الداخلية لطفي بن جدو في تحد لانتقادات المعارضة التي ترفضه لاغتيال اثنين من المعارضين العلمانيين أثناء توليه الوزارة
وعين رئيس الوزراء منجي حمدي وهو دبلوماسي مخضرم وزيرا للخارجية والاقتصادي حكيم بن حمودة وزيرا للمالية. وشغل بن حمودة وهو ذو توجه ليبرالي منفتح منصب المستشار الخاص لرئيس البنك الإفريقي للتنمية. وسيتولى غازي الجريبي وهو رئيس سابق للمحكمة الإدارية وزارة الدفاع.وقال جمعة عقب تقديم حكومته للرئيس التونسي منصف المرزوقي "سنتخذ عدة إجراءات سريعة في المجال الاقتصادي والاجتماعي ولكن الانتخابات تبقى أيضا أولوية الأولويات".هذا ودعا رئيس الوزراء إلى دعمه والالتفاف حول حكومته قائلا "نعول على دعم كل الأطراف حتى من هم ضد اختياراتنا للوصول لانتخابات في أفضل الظروف
تحتاج حكومة السيد مهدي جمعة إلى مصادقة المجلس التأسيسي لتبدأ بعد ذلك في مباشرة أعمالها التي ستتركز في الإعداد للانتخابات وتوفير مناخ من الأمن في ظل استمرار خطر الجماعات الدينية المتشددة. وينظر زعماء غربيون للانتقال الديمقراطي في تونس على انه نموذج يتعين الإقتداء به في دول المنطقة رغم البطء
وستكون حكومة جمعة أمام عدة تحديات من بينها إنعاش الاقتصاد الهش ومواصلة التصدي لجماعات إسلامية متشددة صعدت هجماتها في العام الماضي ضد الحكومة واغتالت معارضين بارزين. ومع ولادة دستور تونس الجديد ، هل تتغير الأحوال نحو الأفضل ؟