الإخوان المسلمون والثّورة السّوريّة

أنس الدغيم

ربّما كانت الثّورة السّورية الثّورة الفريدة في العالم بامتلاكها لكلّ عناصر المفاجأة التّي أدهشت النّظام في البلد نفسه و العالم كلّه من حوله بعد عقود الكبت التي مرّ بها ، صودرتْ فيها الحرّيّات و حيّدت الكوادر و أُنهكَ الاقتصاد و دُجِّنَ المجتمع .

و مرّت الثورة السّوريّة في منعرجات خطيرة على مدار الأعوام الثّلاثة الماضية ، و حافظت على استمراريّتها و زخمها على الرّغم من التّآمر العالميّ على الشّعب السّوريّ و تجاهل القوى العالميّة لحقوقه و مطالبه ، بل و دعم أكثر الأنظمة العالميّة و أقواها للنّظام السّوري المجرم .

و هي في عمومها ثورةٌ شعبيّةٌ تدعو إلى الحريّة و العدالة و نفي الظّلم و الطّاغوت .

فكان لا بدّ من الأخطاء الوافدة عليها و الصّادرة منها ، و كلّها يقع في دائرة المقبول في حياة الثّورات .

إلّا أنّ المأخذَ الأكبرَ على الثّورة السّوريّة و الذي لا يمكن تجاهله ، هو غيابُ التّنظيم الثّوريّ عن الشّارع السّوريّ حتّى اليوم ، و لهذا الغيابِ أسبابه :

1 _ الانبعاث الانفجاريّ للشّعب السّوريّ بعد عقود من الكبتِ السّياسيّ و كمّ الأفواه و مصادرة الحرّيّات ، و الاستيقاظُ المفاجئ على ساحةٍ ليس فيها للدّولة أو النّظام سطوةٌ أو حضور .

2 _ المالُ السّياسيّ : و الذي فرضَ أجنداته السّياسيّة على العاملين على الأرض ، و كرّس الاصطفافات و الولاءات ، و عمل على خلق الانشقاقات في صفوف المعارضة السّوريّة ، و الهشاشة في قراراتها المصيريّة .

3 _ تأخّرُ دخول النّهج الوسطيّ إلى الشّارع السّوريّ ، و الموقف الخجول لأهل هذا المنهج في بداية الثّورة و التّردد الملحوظ على رُوّاده ، ممّا دفع بكثير من أهل الأفكار المتطرّفة أن يكون لهم السّبقُ لشغل الشّارع السّوريّ ، و الذي ساهم في زيادة الفوضى و عدم الاستقرار نتيجة غياب الوسطيّة و ضياعها فيما بين الأفكار الواردة على المجتمع ، و بين المجتمع الذي ما يزال يعيش حالة الصّدمة حتّى اليوم .

المجتمع الذي كان ينتظر الوسطيّة كمكمّلٍ لرصيد الفكر الوسطيّ الموجود في العقل الجمعي عند عموم أهل الشّام و لربّما كان ينتظر هذا النّهج و الذي يرى في ( الإخوان المسلمين ) حملتَه و رُوّاده .

الإخوان المسلمون : أصحاب الموقف الخجول في بداية الثّورة السّوريّة ، و الخوف المتراكم عبر العقود الأربعة الماضية

و الذي لم يستطيعوا التّخلّص منه بالسّرعة المطلوبة منهم من قبل الشّارع السّوريّ .

و ربّما كان لاضطراب الرّؤية عند الجماعة و عدم اتّضاح الصّورة سببان :

1_ القطيعةُ : وهي قطيعتان

الأولى : القطيعة بين الجماعة و الشّارع السّوريّ لمدة عقودٍ أربعة .

الثّانية : القطيعة بين كوادر الجماعة أنفسهم و البعد بين العاملين فيها نتيجة انتشارهم في دول شتّى بعد نفيهم من سوريا في مطلع الثّمانينيات من القرن الماضي .

2_ عملُ النّظام السّوريّ على شيطنة صورة الجماعة في عقول النّاس و تصوّراتهم خلال /40/ عاماً .

و يعتبرُ هذان السّببان واقعيْن خارج إرادة الجماعة و من تدبير قوى خارجيّة تكيد بالإخوان المسلمين .

أما الأسباب المنوطة بالجماعة نفسها و التي عمل عليها كثيرٌ من أفراد الجماعة ، و التي كان لها العامل الأكبر في تغييب الرّؤية السّياسيّة فهي صنيعة طريقة التّواصل الخاطئة بين قيادة الجماعة و الدّاخل السّوريّ الثّائر و التي تنحصر في ثلاث أدوات :

1_ الاتّصالات الفرديّة التي لا تمتّ بصلةٍ إلى العمل المؤسّساتيّ و التّنظيميّ ، و إنّما هي مبنيّةٌ على معرفةٍ سابقة أو علاقةٍ قديمة .

2_ التّواصل الوراثيّ : و اعتماد القيادات في الخارج على القربى في الدّاخل و العمل من خلال العائلة دون الكفاءات و الخبرات .

و الذي كان له الأثر الأكبر في عدم نجاح العمل الإخوانيّ و ديناميكيّته .

3_ التّدمريّون القدماء : و اعتمادهم كواجهةٍ للحراك الثّوريّ و التّنظيم السّياسيّ و في هذا خطأ كبير .

فإنّ كثيراً من سجناء الإخوان السّابقين _ على تقديرنا الكبير لهم و لما قدّموه في سبيل الدّعوة _ غيرُ مهيّئين للعمل السّياسيّ اليوم .

و قبل هذا فهناك عاملان اثنان يتعلّقان بخصوصيّة الجماعة ، كان لهما أثرهما الكبير في إبطاء التّعاطي الجادّ للإخوان المسلمين مع معطيات الثّورة المتسارعة و هما :

1_ سيطرة العقل الوعظيّ على العقل السّياسيّ في الجماعة : و تنفّذ المشايخ غير العاملين في السّياسة و سيطرتهم على مراكز القرار في القيادة ، و في هذا مؤشّر على غياب المحدّدات السّياسيّة عند الأخوان و التي لا يحيط بها المشايخ المهتمّون بالدّعوة و تكوين الأسر الأخوانيّة و إلى ما هنالك . ( مجموعة العمل الوطني استثناء ، و التي يرى فيها ب عض القدماء في التنظيم تمرداً على فكرة الجماعة و دعوة للتجديد فيه أو بدعاً من العمل السياسي غير المألوف ) .

2_ تحييد المشاركة الشّبابيّة عن غرفة القيادة السّياسيّة ، و تجميد الدّم الجديد باستحواذ القيادات القديمة و المحكومة في أكثرها بالإرث السياسيّ القديم و رهاب الماضي وصور الدّم و الهزيمة السّاكنة في العقول .

ربّما كانت هذه هي أهمّ الأسباب التي كانت من صنع الإخوان أنفسهم قيادةً و مقودين ، الأسباب الدّافعة إلى عدم استقرار بوصلة الرّؤية الإخوانيّة حتّى اليوم .

إنّ أخوف ما يخافه أتباع المنهج الإخوانيّ و المحبّون لهذا التّيّار أحد اثنتين :

1_ أن يكون هذا هو سقف الجماعة حقيقةً ، وليس في مقدورهم زيادة عيار الرّؤية السياسيّة أكثر من ذلك .

2_ أن تكون القيادةُ الإخوانيّة قد وصلت إلى قناعةٍ مبكّرةٍ بأن الجماعة هي الجسم السّياسيّ و الحكميّ الأقوى في الشّارع السّوري ، و أن يكون قد استقرّ في أنفسهم أنّ الشّارع السّوري هو شارعهم و لا مكان فيه لغيرهم من التّنظيمات و الحركات السّياسيّة الأخرى .

و كلا الأمرين شرٌّ مستطيرٌ على الجماعة و يصادر مستقبلها في عالم السّياسة و الاجتماع .

مع أنّنا مقرّون بأنّ منهج الإخوان المسلمين هو المنهج الذي ينتظره الشّعب السّوريّ أكثر من أي منهج آخر و ذلك للأسباب التّالية :

1_ الهدوء و السّمت السّياسيّ المتوازن عند الجماعة و هذا مطلب جماهيريٌّ عند أكثر شعوب عالم .

2_ الوسطيّة التي يتصف بها وبهذا يتفوق الإخوان على غيرهم من التنظيمات الأخرى  ، و زيادة على ذلك طريقة التعاطي مع المتغيّرات السيّاسيّة و التي تُراعى فيها الرّؤية الجمعيّة للشّعوب .

3_ يعتبر تنظيم الإخوان المسلمين من أكثر التنظيمات السياسيّة الإسلاميّة إدراكاً لفقه الواقع و درايةً بالسياسة الشرعية الغائبة عند كثير من الحركات السياسية الأخرى .

الإخوان و العسكرة في سوريا :

لقد كان لتردّد الجماعة في اتخاذ القرار بالمشاركة العسكريّة في الثّورة السّورية أثره الرّجعيّ عند أتباع الجماعة في الداخل السّوريّ و عند المؤيّدين للجماعة بالرّاي و لهذا أسبابه :

1_ طبيعة الإخوان المسلمين و التي تميل إلى الثورات البيضاء أكثر من ميلها إلى الثورات الحمراء ( الطليعة في الثمانينيّات استثناءً ) .

2_ صورة الهزيمة السياسية و العسكرية في الثمانينيات و التي لم يكن من السّهل محوها من عقول القيادة الإخوانية .

3 _ عدم تواصلهم مع الكفاءات العسكرية الفذة في الداخل ، و العمل مع من في يعمل معهم بعد ضمان الوصاية الكاملة .

فكانت العسكرة الإخوانيّة فعلاً سريعاً هدفه الأول ترميم الانكسار المعنويّ عند أتباع الجماعة ، ثمّ الحفاظ على الحاضنة الشّعبيّة التي ترى في الحلّ العسكريّ الحلّ الأمثل في حسم الصراع .

فكانت هيئة الدروع العسكريّة التّابعة لجماعة الإخوان المسلمين و التي تشكّلت على عجلةٍ من الأمر ، فكانت هشّة التّركيب ، فيها من الغثائيّة ما فيها ، مع عدم الإنكار بوجود الكفاءات العسكريّة و القادرة على تقديم الجديد و المميّز على السّاحة العسكريّة .

و لكن هذه الغثائيّة ( الوجود الافتراضيّ عدداً و عدّةً ) كان لها دورها في استنزاف الطّاقة الإخوانيّة الماليّة على وجه الخصوص .

و سنقف فيما يأتي من حلقات على تفاصيل المؤسسة الإخوانيّة سياسةً و اجتماعاً في سلسلةٍ من الإضاءات ( علاقة الجماعة بالأجسام السياسيّة التي أفرزتها الثورة كالمجلس الوطني السوري و الائتلاف و تعاطيها مع مكوّنات المعارضة السّوريّة ) .

كما و أرجو أن أكون قد وفّقتُ لتحرّي الدّقة و السّلامة في تصوير العلاقة القائمة بين الإخوان المسلمين و الثّورة السّوريّة دون تطرّف و لا ذوبان .

و الله من وراء القصد.