الكذّابون الثلاثة والمطران كبوجي في جنيف 2

بدر الدين حسن قربي

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

تركّزت كلمة وزير خارجية بشار الأسد ورئيس وفده إلى جنيف 2 لإقناع الحضور الدولي اعتماداً على قدرة نوعية في الفبركة، بأن مايقوم به نظامه من قتل وقصف وتدمير وتشريد وتهجير، ليس قمعاً لحراك شعبي ضد عصابة قامعة مستبدة، أو مافيا نهّابة فاسدة ومفسدة، بل هو حرب على الإرهاب وحماية للأقليات المهدّدة، ومحافظة على الآثار.

فالمعلم الذي يريد أن يقنع العالم بحرب عصابته على الإرهاب، هو نفسه الذي عرض في مؤتمر صحفي له بتاريخ 28 تشرين الثاني/أكتوبر 2011 يوتوبات، ليثبت فيها إرهاب الحراك الشعبي السوري وممارسته للجريمة.  ولكن ماعرضه من الإفك كان فضيحة فورية من الطراز الأول بعد أن فضحت قنوات لبنانية حقيقة ماعرضه من كذب وافتراء، حيث كشفت بالدليل القاطع أن المشاهد التي عرضها المعلم لم تكن غير صور لمشاهد من أحداث لبنانية مختلفة، وأهمها ماكان في بلدة كترمايا، التي قَتل فيها سكانها متهماً مصرياً بجريمة اغتصاب عام 2010.  وهو مايعني بداهة أن المعلم ومعلّميه كانوا عاجزين عن تقديم أدلة تثبت دعواهم، وهو مايعني بداهة أن ثورة السوريين حتى ذلك التاريخ كانت سلمية، وإلا فما ضرورة الإفك والفبركة فيما عرضوه.

ومن المعلم إلى بثينة شعبان عضو الوفد، فإنها هي نفسها التي زعمت بكذبٍ لها من العيار الثقيل جداً في مقابلة مع سكاي نيوز الانجليزية بتاريخ 5 سبتمبر/أيلول 2013 أن من ارتكب مجزرة غوطة دمشق الكيمياوية بتاريخ 21 آب/أغسطس، التي راح ضحيتها قرابة ألف وخمسمائة سوري، هم عناصر من تنظيم القاعدة الذين قاموا باختطاف أطفال اللاذقية من القرى المؤيدة وتم نقلهم الى الغوطة بريف دمشق ليتم اطلاق غاز السارين عليهم حتى يموتوا ويتم تصويرهم.

وأمّا عن حماية الأقليات، فما قاله بشار الجعفري مندوب النظام من كذب صريح في أعلى مؤسسات المجتمع الدولي في اجتماع رسمي للأمم المتحدة في 20 نيسان/ابريل 2013 منوّهاً: بأن فضائية العربية قبيل حديثه المشار إليه بيومين، استضافت إرهابياً سورياً في أحد برامجها، وسألته عن مصير الأقليات والأشخاص من ذوي الأديان غير الإسلامية، فقال بأنهم سيُخيّرون ما بين إعلان الإسلام أو دفع الجزية أو قتلهم بالسيف، رغم أن حقيقة ماقاله قائد لواء التوحيد في الجيش السوري الحر عبدالقادر صالح وهو المقصود في كلام الجعفري في برنامج العربية نقطة نظام رداً على السؤال الصحفي المشار إليه أعلاه: إننا متأكدون بأن الأقليات ستعيش حياة طيبة أكثر بكثير من الحياة التي عاشتها تحت الحكم الحالي، وإننا نحترم حقوقهم، وإلى الآن لم يظهر ولن يظهر أي تصرُّف يُهين الأقليات أو ينتقص من حقوقهم.

وجود الثلاثة معاً في الوفد إلى جنيف 2 وقد اشتهر كل منهم بالكذب من الخبر مما بلغ به آفاق الأرض؛ أمر ليس غريباً لأنه يؤكد طبيعة حكمٍ يدفع دون تردد بالكذبة الكبيرة بالغاً مابلغت دون ذرةٍ من حياء، أو وَجَل من يوتوب أو حساب لانترنت، أو خوف من فيس بوك أو تويتر، ومن دون أن يرفّ له جفن أو يرتجف له قلب، أو يتلكلك له لسان، يناطح بها ويواقح حتى في المناسبات الدولية، بل ويريد أن يعتمد بمثابة كلام طابو.  وإنما جديد الأمر وغريبه التحافهم برجل دين مسيحي تجاوز التسعين من العمر، مسخّرين تاريخه وانتماءه في رسائل متعددة الاتجاهات أحدها زعمهم بحماية الأقليات رغم أن إرهاب النظام الأسدي يطال الجميع مسلمين ومسيحيين، ولايوفّر أحداً منهم، يتاجر بأمنهم وأمانهم ويعتبرها أوراقاً للاستمرار في السلطة.

ولكن لاشك بأن من أشار باصطحاب المطران كبوشي وحضوره معهم في المؤتمر كان يتطلع إلى تغطية السماوات بالقبوات كما يقال، مستخدماً رجل الدين، ولكنه أساء يقيناً إلى مقامه، فرمزية مرافقته وجلوسه في مؤتمر بهذا المستوى الدولي عضواً في مجموعة تمثل عصابة إرهابية مجرمة قتلت مئات الألوف من السوريين أطفالاً ونساءً وبرآء، وشرّدت الملايين منهم وهجّرتهم، ثم تزعم فيما تزعم حماية الأقليات وهو معهم يسمع كلاماً لا أدل على كذبه من محاولتهم هم أنفسهم، وتخطيطهم لتفجير موكب البطرك بشارة الراعي مع كل رمزيته الدينية في الشرق العربي لدى زياته لمنطقة عكار بهدف إشعال فتنة مسيحية سنية قبل خمسة عشر شهراً، ولكن الله أحبط كيدهم ولطف بلبنان وأهله؛ فعجّل بكشف كيدهم ومكرهم بالقبض على العناصر والمواد والأدوات.  فعندما تم القبض على ميشيل سماحة في آب/أغسطس 2012 قبيل تنفيذ جريمته، وهو من هو، لم ينس أن يقول لمعتقليه ومحققيه: أشكر ربي وأشكركم أنكم كشفتم القضية قبل أن تحصل التفجيرات، لكي لا أحمل وزر دمٍ لضحايا أبرياء. وقد شملت محاضر التحقيق بعض مكالمات هاتفية أجراها سماحة مع بثينة شعبان، تثبت انها كانت على علم بالتفجيرات. كما ضُمّ إلى التحقيق ملف بالصوت والصورة، وفيه يتكلم سماحة مع من يريد تكليفه بمهمات التفجير المرادة والمخطط لها وقد استكبر الهدف ورأى عظم الجريمة فيه بقوله: بشار بدو هيك.

غسيل الأموال وتبيضها فعل قبيح، وأقبح منه غسل أنظمةٍ قميئة، وأما الأشد قبحاً فأن يكون المغسِّل رجلَ دينٍ على أبواب الآخرة، لأنه يجعل من مفاهيم الدين ومعطياته أفيوناً تتعاطاه رعيته وجماهيره للإبقاء عليهم في خدمة الطغاة والمجرمين.  وعليه، فإن جلوس نيافة المطران مع هذه المجموعة وخصوصاً منهم التي تعلم بأمر ما كان يخطط له من التفجيرات، ينال من مقامه بطريقة يظهر فيها أمام الله والناس وكأنه شاهد زور على جرائم عصابة وشبّيحة في قتلهم لآلاف الأطفال وانتهاك الأعراض والكرامات، وتبيضاً لصفحتهم من تخطيطهم لقتل البطريرك، بما لايرضى عنه المسيح عليه السلام ولا المسيحية السمحاء ولا المسيحييون الشرفاء.

كذّابون ثلاثة بالمستندات التي أسلفنا أمرهم معروف ومشتهِر، وإنما أن يصطف خلفهم ومعهم رجل دين باعتبارهم حماة أقليته وهم المتآمرون لقتل أكبر رمز ديني مسيحي في المنطقة بما هو ثابت، فهل يمكن أن نضيفه لحزمتهم أو يُدعى إلى مراجعة إيمانية عميقة، يغادر فيها صف المجرمين ومجالسهم، ويكون في صف المستضعفين من المظلومين والمعتّرين والمشردين من ضحايا نظام عتيد في الإجرام والقتل، ممن لو جاء المسيح لما كان إلا بينهم ومعهم ..!!