ديكتاتور مصر بين الوفاء بعهده بالرحيل إذا ما طلب منه الشعب ذلك وبين تهديده بإنزال الجيش
ديكتاتور مصر بين الوفاء بعهده بالرحيل إذا ما طلب منه الشعب ذلك وبين تهديده بإنزال الجيش إلى الشوارع لسحقه إذا ما خرج منددا بطغيانه
صدق من قال " حبل الكذب قصير وإن ظنه الكاذب طويلا "، فها هي المدن والقرى المصرية تلقي بفلذات أكبادها إلى الشوارع مطالبة برحيل ديكتاتور عسكري أجهز على أول تجربة ديمقراطية عرفتها مصر وعلى الشرعية المستمدة من إرادة الشعب عن طريق انقلاب عسكري دموي سكتت عنه الدول الغربية التي تدعي الدفاع عن الديمقراطية في العالم بل باركته بعضها ، وموّلته أنظمة خليجية كانت تخشى من عدوى انتشار ثورات الربيع العربي المهدد لوجودها.
ومع اغتصاب المنقلب على الشرعية والديمقراطية في مصر للسلطة ساءت أحوال الشعب المصري في سبع عجاف . وظل المستبد الدموي يعد الشعب المصري بغد أفضل، ويطلب منه إمهاله لتحقيق ذلك ستة شهور، صارت بعد سنوات والأفواه مكممة ، والسجون غاصة بالمعتقلين ، والتصفية الجسدية جارية على قدم وساق ، والإعلام البخس والمأجور يستعمل كل أنواع المساحيق لتجميل صورة الاستبداد البشعة التي اجتمعت في مستبد سفاح ، وبعض علماء السوء يتجاسرون على أنبياء الله صلواته وسلامه عليهم، فيشبهونه بموسى عليه السلام . وبعد ما طفح كيل الاستبداد ،هزم الشعب المصري الخوف من بطش الاستبداد كما فعل في ثورة يناير التي أطاحت بديكتاتور سابق ، وخرج مطالبا برحيل الديكتاتور الحالي بلا خوف ولا وجل بالرغم من أن الطاغية استبق غضب وثورة هذا الشعب بإنزال قوات الجيش والأمن في الساحات والميادين التي كانت مسارح ثورة يناير لتبدو ثورة المساكن المهدمة مجرد حراك لفئات قليلة محدودة العدد ومسيرة من الخارج كما زعم إعلام الطاغية المبهدل والمأجور .
وكان على الديكتاتور أن يفي بوعده وهو الذي لا عهد له وقد أقسم اليمين أمام رئيس شرعي منتخب بطريقة ديمقراطية ثم خانه وخدعه واغتاله ، وكان وعده أنه إذا طلب منه الشعب الرحيل ، فإنه سيرحل . فهاهو الشعب يطالبه بالحيل وهو متشبث بكرسي هو في الحقيقة شبيه بكرسي طائرة عسكرية يطير بربانه قبيل انفجارها . ولم يكن هذا الديكتاتور قد وعد فقط بالانصراف إذا ما صرفه الشعب بل كان يتوعده أيضا بأنه إذا خرج ثائرا بإنزال الجيش إلى الشوارع لسحقه . فالجيش الذي هو ملك الشعب يريد أن يؤلبه على الشعب ، وهو جيش كان في الماضي يحارب المحتل الصهيوني لأرض فلسطين ولأجزاء من أراضي عربية أخرى بما فيها أرض مصرية ، ومن المفروض أن يبقى على ذلك إلى غاية تخليص أرض الإسراء والمعراج من دنس الصهاينة المحتلين ، ولكن مع شديد الأسف صار هذا الجيش لعبة في يد ديكتاتور هو بمثابة لعبة في يد الصهاينة ليوجه لقمع شعب أبي لا يمكن أن يرضى بالذل والهوان . فهل سيساير هذا الجيش ورجاله من أبناء الشعب الطاغية في ما يريد، فيسحق شعبه إذا خرج مطالبا بحقه في الحياة الكريمة ، وفي الخلاص من طاغية مستبد قد عاث في مصر فسادا على الطريقة الفرعونية أم أنه سيقف إلى جانب شعبه كما هو متوقع ومنتظر منه ؟
إن ما حدث أمس واليوم في معظم أرجاء مصر يصدق مقولة المفكر العظيم عبد الرحمان الكواكبي رحمة الله عليه الذي حددت في الفصل التاسع من مؤلفه الشهير : " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " أسباب نجاح الثورات ضد الاستبداد وانقداح شرارتها، وهي كالآتي :
1 ـ إهدار المستبد دماء الشعب .
2 ـ خروج المستبد منهزما من حرب خاضها .
3 ـ إهانة المستبد للمقدسات الدينية .
4 ـ فرض الضرائب الجائرة على الشعب .
5 ـ وقوع مجاعة أو وباء مهلكين .
6 ـ انتهاك المستبد للأعراض .
7 ـ ثورة الجنس اللطيف بسبب حيف أو ظلم عليهن.
8 ـ موالاة المستبد لعدو الشعب ومجاهرته بذلك .
ونترك للقراء الكرام عرض طاغية مصر على هذه الأسباب القادحة لشرارة ثورة الشعب المصري الحالية لتنقيطه ولمعرفة علامته المستحقة ، والتي ستبلغه لا محالة عتبة الانهيار والرحيل راغم الأنف .
والمعول في ذلك على الله سبحانه وتعالى قاهر كل طاغية جبار ، وعلى شعب لا يمكن أن يهزم لأنه يأوي إلى ركن الله عز وجل الشديد ، وعلى جيش تربى على قيم الشهامة والمروءة ، ولم يتلق تدريبا لتوجيه فوهات بنادقه إلى صدور أفراد الشعب آباء وأمهات وإخواة وأخوات .
ولن يغلب أو يقهر أبدا شعب شعاره :"الحرية أو الشهادة "، وهو يضع نصب أعينه قول الشاعر :
وإن غد العيش الكريم قريب في انتظار شعب مصر الأبي .
وسوم: العدد 895