فتح الطريق بين رام الله وغزة

د.مصطفى يوسف اللداوي

د.مصطفى يوسف اللداوي

[email protected]

كنتُ قد هاتفتُ النائب علاء ياغي في رام الله، والتقيته في غير مكانٍ، وهو الذي تجمعني به صداقةٌ قديمة، وزمالةٌ دراسيةٌ شيقة، ورفقةُ سجونٍ ورفعة، وجيرةُ مخيمٍ وعزة، فوجدته مسكوناً بألم الإنقسام، حريصاً على الوحدة والإتفاق، ومؤمناً بالمصالحة واللقاء، ويحلم كغيره من أبناء الوطن، في عودة جميع أبنائه إليه، فلا يحرمُ مواطنٌ من العودة، ولا يجبر آخر على المغادرة، وقد أبدى ترحيباً بالمراجعات الحزبية والوطنية، والنقد الذاتي والموضوعي لكل السياسات التي سبقت، والممارسات التي وقعت، معترفاً بأخطاء وقعت، وجرائم أُرتكبت، لكن الصمت عليها جريمةٌ أكبر، والتمادي فيها خطرٌ أعظم، ما يوجب مواجهتها، والتصدي لها لحلها، فهذا وطنٌ للجميع، وبلدُ كل الفلسطينيين، ينبغي أن يتسع لنا جميعاً، وأن يشملنا بلا استثناء، وأن يحتوينا بلا عصبياتٍ ولا حساسيات.

اليوم أهنئ الأخوين الكريمين علاء ياغي وماجد أبو شمالة، وأدعوهما بكل الصدق والإخاء، لأن يكونا في غزة رسلَ خيرٍ ومحبة، وأن يستكملا دورهما في محاولةٍ رأب الصدع، وجبر الكسر، ودفع الأطراف كلها على احترام بعضهم، وقبولهم بالآخر، وعدم التضييق على بعضهما، ولا اعتقال المنتسبين إليهما، أو النشطاء في صفوفهما، وعدم المساس بمؤسساتهما، ولا مصادرة أموالهما وحقوقهما، ولا الحجر على أنشطتهما وفعالياتهما، والامتناع التام عن كل ما يضر بالعلاقة بين الطرفين، فلا اعتقالات أمنية، ولا مماحكات حزبية، ولا تفرد في القرار، ولا استئثار في السياسة، ولا خداع في المعاملة، ولا محاولة لجر الشعب إلى دهاليز مظلمة، ومسالك خطرة، ومتاهاتٍ مهلكة، تعرض القضية الفلسطينية للخطر، وتسهل على الإسرائيليين الحصول على ما لم يكونوا يحلمون به، أو يتوقعون حدوثه يوماً. 

فهل افتتح نواب حركة فتح العائدون إلى غزة، بعد سنوات الإنقسام الطويلة، الطريق المغلق بين رام الله وغزة، فساروا في الإتجاه الصحيح، وسلكوا أقصر الطرق وأكثرها أمناً وسلامة، وعبدوا بعودتهم الطريق الوعر الشائك، وعبروا إلى النفق الذي ظنه الكثير مخيفاً ومجهولاً، وأشعلوا فيه شمعةً بددت الظلام، وأشاعت النور، وأزالوا من أمامهم العراقيل والعقبات والحدود الوهمية، ومهدوا لغيرهم سبل العودة، وآفاق الإتفاق، وحملوا معهم إلى غزة ومن فيها رسائل ودٍ واتفاق، وتباشير مصالحةٍ حقيقية، تطوي سنوات الضياع، وأيام الشقاء، وتبشر بأن إنهاء الإنقسام بات قريباً، وأنه سيغدو حقيقةً لا خيالاً، وواقعاً لا سراباً، وأن الخطوات التي تتخذ من الطرفين، إنما هي في الإتجاه الصحيح، وضمن العنوان المقصود، والهدف المأمول، وأنها خطوات جادة ومسؤولة، لا تراجع فيها ولا انكفاء عنها.

هل ترد السلطة الفلسطينية في رام الله، ومعها حركة فتح، على مبادرة الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة وحركة حماس، بنفس الخطوةِ أو بأفضل منها، فتفرج عن بعض المعتقلين لديها، وتتوقف عن عمليات الملاحقة والدهم والتحقيق، وتسمح لحركة حماس بمعاودة نشاطاتها في الضفة الغربية، دون أن يكون سيف السلطة مسلطاً على رقبتها، ومضيقاً عليها، شأنها في ذلك شأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي لا تتوقف عن ملاحقة واعتقال نشطاء حركة حماس.

ولتعلم الحركتان أنهما بخطواتهما الإيجابية تجاه شعبهما، فإنهما تكبران ولا تصغران، وتتعاظم لدى أبناء الوطن مكانتهما، وتتحسن صورتهما، وتستعيدان ثقة الشعب والأمة بهما، ويسترجعان ما فاتهما من هيبةٍ وتقديرٍ واحترام، ويستعيدان دورهما الفاعل، ومكانتها الرائدة، ويتفرغان لهموم الوطن، وقضايا الشعب، ويسعيان معاً للتخفيف عن الناس، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، فضلاً عن توحيد صفهما، وجمع كلمتها، وفرض احترام شعبهما على الآخرين.

وأنهما لا تخسران بالإفراج عن أبناء وطنهما، أو السماح لهم بالعودة إلى بلداتهم ومخيماتهم، بل إن عكس ذلك يشوه الصورة، ويفقدنا احترام الآخرين لنا، ويفضهم من حولنا، ويبعدهم عن قضيتنا، ويجعلهم يتنذرون علينا، ويتهكمون بنا، ويستهينون بكرامتنا، ويستخفون بحقوقنا، ويجوزون لأنفسهم ما يمارسونه من إذلالٍ لنا، وحرمانٍ لأبناء شعبنا اللاجئين أو المقيمين في بلادهم، إذ لن يكونوا بحالٍ في معاملتهم لأبناء شعبنا، ملكيين أكثر من الملك، وإن شابهوا قيادتنا في معاملتهم فما ظلموا.

نأمل ألا يضع الطرفان في غزة أو في رام الله، شروطاً على المواطنين العائدين أو المفرج عنهم، وألا يطلبوا منهم تعهداً أو إلتزاماً سوى بالعمل على مصلحة الشعب والأمة، وخدمة القضية وعدم المساس بها، أو الإساءة إليها، إذ ليس من العدل فرض شروطٍ على مواطنٍ يريد العيش في بيته، أو على مفرجٍ عنه كان معتقلاً قسراً وظلماً، فكلاهما له كامل الحق في المواطنة والعيش الحر الكريم، وإلا فما بالنا نثور على من يعتقلنا، ونغضب ممن يمنعنا من دخول بلادهم، ويصادر حرياتنا، ولا يمنحنا تسهيلاتٍ ولا حرية عملٍ حيث نقيم.

شعبنا الفلسطيني قد أصابه العنت، وبلغ به الجهد مداه، ونالت منه الأيام، وأدمت الأحداث قلبه، وقد أصبح غير مرغوبٍ به ولا محط ترحيبٍ من أحد، يُرَّحل من العراق ومن ليبيا، ومن مصر وسوريا، ومن لبنان والأردن، ولا تستقبله دولٌ ولا حكومات، ويطرد أو يقتل ويغرق، أفنغلق الأبواب في وجههم، ونمنعهم من العودة إلى بيوتهم، ونتركهم فريسةً للأنظمة والدول، والأجهزة الأمنية ووكالات المخابرات الدولية، تستغل جوعهم وفقرهم، وحاجتهم وظرفهم، فتستخدمهم وتطوعهم، وتأمرهم بالتخريب والإفساد، أم نفتح لهم أيدينا، وتحتضنهم نفوسنا، وتتسع لهم صدورنا وبيوتنا، ونكون لهم نعم الأهل، ويكونون هم لنا نعم السند.