أتصدّق ما تسمعه أم ما تراه وتشاهده؟

أتصدّق ما تسمعه أم ما تراه وتشاهده؟

عثمان أيت مهدي

قد يكون أهمّ إنجاز للتكنولوجيا الحديثة عند المواطن العادي هو تزويد الهواتف النقالة بآلة تصوير رقمية داخلية عالية التمييز والدقة، ثمّ انتشارها بشكل كبير أتاح لكل مواطن من أيّ طبقة كان أو شريحة اجتماعية امتلاك آلة تصوير رقمية متطورة في بيته، أو لوحة إلكترونية مزودة بكاميرا رقمية، أو على أقلّ تقدير هاتف نقال مزود بآلة تصوير. هذه الآلات الإلكترونية تغنيك عن التربص وكيفية الاستعمال، فأنت أمام آلة لا تتطلب منك سوى الضغط على الزر لترى نفسك أو غيرك على الشاشة. 

نشطت عملية التصوير في السنوات الأخيرة، بشكل ملفت للانتباه، خصصت لها مواقع إلكترونية على نحو "يوتوب، دايلي موشن" تستوعب مئات الألاف من الصور والفيديوهات في كلّ المواضيع والأحداث، من صور العائلة والأصدقاء إلى عمليات السرقة والاغتيال، وأصبحت هذه المواقع تجلب الملايين من المستخدمين نشرا ومشاهدة.

لكن، أن توضع هذه التكنولوجيا جانبا، وتعتمد النشرات الصوتية مكانها فهذا أمر غريب لا يخرج عن احتمالين: عدم التقاط الصور لأسباب قد تكون مفاجئة نحو: عدم وجود آلة تصوير أثناء وقوع الحدث. أو منع التصوير لأسباب مجهولة.

المتتبع لمرض الرئيس بوتفليقة ـ شفاه الله ـ وتصريحات بعض المسئولين المحسوبين على حاشيته ومن بطانته، التي تقول: أنّ الرئيس يتعافى وبصحة جيّدة، يلحظ جليّا مدى الهوّة الفاصلة بين الصورة والكلام، بين التصريح والمشاهدة. تتزلف هذه الأحزاب الموالية لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة غاية ومصلحة، نحو: "جبهة التحرير الوطني"، جناح عمار سعيداني، "التجمع الوطني الديموقراطي"، جناح عبد القادر بن صالح، "تاج"، حزب عمار غول، وتناشده متوسلة على الترشح دون استئذان منه ولا مشاورة له معتقدة أنّ الرئيس مرشحها ناسية أنّ الرئيس ترشح مرارا دون عكازة الأحزاب معتمدا على شعبيته ونضاله السياسي الكبير.

من يوم انتقال الرئيس إلى مستشفى فال دو غراس في شهر جوان من سنة 2013 إلى يومنا هذا، لم يسمع الجزائري كلمة من رئيسه بمناسبة أو دونها، ولم يشاهده واقفا أو ماشيا، أو مهرولا كما اعتاد في زيارته للولايات. كلّ الصور التي أتيحت للمشاهد الجزائري رؤيتها هو رئيس جالس على كرسي يحرك شفتيه ببطء، ويديه من حين إلى آخر، هذه الصور التي لا تتجاوز مدتها الدقائق المعدودة، يترجمها الموالون له بأنّها تعبر بصدق عن حالة الرئيس الجيدة.

لماذا سياسة تقليب الأبصار؟ رئيس مريض ـ شفاه الله ورعاه ـ يُقَدّم للشعب على أنّه في صحة وعافية وبإمكانه تسيير دواليب السلطة التي تتطلب القوّة الجسدية إلى جانب القوّة العقلية. كرسي قد يتطلب أحيانا كثيرة العمل إلى عشرين ساعة يوميا. إذا كان الرئيس كما يدّعي المتزلفون، لماذا لم يلق كلمة يطمئن بها قلق الشعب عليه؟ ولماذا لا يستقبل الرؤساء كعادته من المطار، ويودع ضيوفه مصافحا إيّاهم خارج مكتبه بعد أن يلقي الضيف كلمة عن فحوى اللقاء؟ لماذا هذا الغياب الطويل عن الشعب إذا لم يكن المرض سببا في ذلك؟

في عصر الكاميرا الرقمية العالية الجودة والنقل المباشر، تغيب صور الرئيس وتحضر تصريحات المسئولين، تطالب الرأي العام الوطني والدولي الإيمان بصحة الرئيس وعافيته وتناشده متوسلة متشبثة به الترشح لعهدة رابعة. ويبقى الرئيس ملتزما الصمت، مثيرا الكثير من الضبابية حول رئاسيات أفريل 2014م.