السلام.. لأيش؟!
عارف الصادق
هل يذكر أحد منّا كم مرّة جاء كيري، وكم مرّة راح كيري؟ وهل يعرف أحد، حتى المؤرّخون، كم مرّة، منذ حرب 1967، التقى الإسرائيليّون والفلسطينيون في مفاوضات سلام؟ لا أظن أحدا يعرف! وعينا والمفاوضات دائرة، على قدم وساق، وما زالت...لكن قولوا لي بربّكم: ماذا تمخّض عنها ؟ حكم ذاتي أسوأ من الاحتلال، واتفاق على مواصلة المفاوضات... لا أكثر. السيّد كيري يظنّ أنّه أشطر من سابقيه؛ أقسم أن لا يرجع عند أوباما إلا وفي يده شيء، أيّ شيء، فماذا كانت النتيجة؟ حتى خريطة طريق لمواصلة المفاوضات لم ينجزها حتى الآن، بعد كلّ السفر والتعب والعرق.
يوم احتلّت إسرائيل الضفة والقطاع، سنة 67، قالوا إنّهم لا يريدون الأرض؛ هي رهينة إلى يوم تكون المفاوضات ويوقّع السلام. لكن النتيجة معروفة: ما زالت المفاوضات جارية منذ عقود، والنتيجة يوك: تحضير لمفاوضات أخرى، والبحث عن خارطة طريق. والجميع يعرفون: لا هناك طريق ولا خارطة! هل يذكر أبناء جيلنا النقاش الحادّ الذي دار في إسرائيل، بعد حرب 67، حول تسمية الأراضي المحتلّة؟ كان نقاشا حاميا للبحث عن اسم "مهضوم" للاحتلال، وهل من اسم مهضوم لمسمّى لا يُهضم؟ كم من الأسماء/الكنايات اخترعوا في اللغة لما يخرج من البطن، وتظلّ الرائحة الكريهة تنبعث من الأسماء كلّها حال ذكرها!
الجماعة هنا لا يرغبون في حلّ. الحلّ الأمثل في نظرهم هو عدم الحلّ، والحفاظ على "إسرائيل الكبرى" إلى يوم الدين. يعتبرون فلسطين التاريخيّة كلّها من حقّهم هم؛ هكذا وعدهم يهوه في التوراة، وكلام يهوه يصيب ولا يخيب. هذا هو موقف اليمين، الليكود وهوامشه، ولا يخفون ذلك عن صديق أو عدوّ. هل تذكرون يوم أجبرت أميركا شامير على المشاركة في مؤتمر مدريد، والتفاوض مع الفلسطينيين؟ قال إنّه مستعدّ للتفاوض حتى آخر الدهر، والأمور تبقى، حتى ذلك اليوم، على ما هي عليه، لا حلّ ولا بطيخ!
لكن المباي، الله يوفّقه، بأسمائه القديمة والجديدة، وكلّ حواشيه، أشطر من اليمين بكثير، يعني أخبث. يعترفون بحقّ شعب آخر على هذه الأرض. يعرفون أكثر منّا أكذوبة الأرض بلا شعب لشعب بلا أرض ! لذلك فهم يريدون التفاوض ليسفر التفاوض في آخر الأمر عن دولة للفلسطينيين دون المقوّمات الأساسيّة لدولة: لا أرض ولا سلطةّ. تماما كما هي الحال اليوم في الضفّة الغربيّة: حكومة برئاسة أبو مازن مسؤولة عن الحفاظ على الأمن لا أكثر؛ مقاول تابع لإسرائيل يعني. وإذا زعلت منه حكومة إسرائيل تحتجز الأموال المستحقّة للفلسطينيين، فلا يجد هؤلاء معاشات للموظّفين في أوّل الشهر!
والسلطة الفلسطينية. يا عيني على السلطة الفلسطينية. الحكومة كلّها موظّفة عند أميركا. إذا قطعت أميركا المساعدات، كفّك عالضيعة. لا دولة ولا وزراء ولا معاشات! لذلك هم مرغمون على الاستجابة لكيري، والمشاركة في مفاوضات يعرفون عقمها أكثر من غيرهم. كيري يريد استئناف المفاوضات ولا يمكن تفشيل كيري! مفاوضات.. ثمّ مفاوضات.. ثمّ مفاوضات.. دقّ المي هي ميّّ. تبدأ المفاوضات ولا تنتهي، وتأتي المعاشات في أوّل الشهر من الغرب ولا تنتهي!
ستقولون عند قراءة هذه السطور إني متشائم. لا والله. في رأيي أن الحلّ، تماما كما يريد اليمين الإسرائيلي، هو عدم الحلّ. وحبّذا لو تحتلّ إسرائيل غزة ثانية، ليكون الحلّ شاملا. الحلّ أن يكون الفلسطينيون، ضفّة وقطاعا، تحت حكم إسرائيل.. نعم تحت حكم إسرائيل.. مع حقوق.. بدون حقوق.. لا فرق... هذا هو كابوس اليهود العقلاء، والحلم الذهبي عند معظم الأغبياء. ولا تنسوا لمن الأكثريّة. أنا من مؤيّدي الأغبياء : بلاش سلام، ولا كذب على خلق الله. التاريخ هو حلال المشاكل. وأنا راض بحكم التاريخ !