سماحة علماءنا
معمر حبار
سيظل المشرق العربي، يذكر فضائل الأمير عبد القادر الجزائري، رحمة الله عليه، لأنه استطاع أن يوقف حربا دامية بين المسيحيين كادت أن تبيدهم، لولا لطف ربك ورحمته.
وسيذكر التاريخ، أن القائد صلاح الدين الأيوبي، رحمة الله عليه، كان أرحم بالمسيحيين من الصليبيين يومها، حين ألغى عنهم الجزية، ودفعها عن ضعفائهم، وأكرمهم وأحسن مثواهم.
وبين يدي الآن مقالا بعنوان: "انا مسيحي واسمي محمد"، للأستاذ العراقي: محمد ثامر ، يتحدث فيه عن وقفة المسيحيين العراقيين مع المسلمين في المحن المختلفة، التي مرّت بالعراق، ويعدّدها الكاتب بالتفصيل ، لمن أراد أن يرجع إليها.
إن التحدث عن المسيحيين العرب، يستوجب تعداد مزاياهم .. فهم يتقنون اللغة العربية الفصحى، ويدافعون عنها، وحبّهم لأوطانهم، والتفاني في خدمته والدفاع عنه، وسلامة صدورهم من الضغائن والأحقاد، وسماحة العبارات والألفاظ المستعملة في خطبهم الدينية، وحواراتهم المتعددة.
إن المحنة التي فُرضت على سورية الحبيبة، كانت من وراء هذه الصورة السّاطعة للمسيحيين في المشرق العربي، والمرء يتابعها عبر الفضائيات المختلقة، ويطالع بشأنها المقالات المتعددة.
إن أهل المشرق العربي في سورية، والعراق، ولبنان، وفلسطين، والأردن، هم أولى الناس وأحقهم، بالتحدث عن المسيحيين العرب، لأن .. الجار مسيحي، والخباز مسيحي، وكذا الأستاذ، والطالب، والصاحب، والبائع والمشتري، والعاطل وصاحب الحرفة، والمسؤول والبواب، والعالم والأمي، والقوي والضعيف، والكبير والصغير، والرجل والمرأة، ورجل الدين وعالم الدين، والمدني والعسكري، والغني والفقير .. هؤلاء كلهم يتعامل معهم المسلم في كل وقت وحين، وفي المحنة والمنحة، وفي الغضب والرضا، وفي الحاجة إليهم والاستغناء عنهم.
إذن المسلم في المشرق العربي، هو أعلم بحاله وبحال المسيحيين، فهو أدرى بما يتخذه من سلوك يومي طيلة حياته. ولايمكن بعدها لمن لم يعاشر المسيحيين، أن يفرض آراءه على صاحب الأرض، ويطلب منه مايفسد عِشرة قرون بين المسلمين والمسيحيين، الذين وطنوا هذه الأوطان، ودافعوا عنها ومازالوا.
صباح هذا اليوم، وفي جلسة هادئة، جمعتني بالإمام الفقيه بوعبد الله (1) ، قلت: من تمام الأدب، أن يهنىء المسلم جاره المسيحي، وأستاذه المسيحي، وطالبه المسيحي، والبقال الذي يبتاع ويشتري منه كل يوم. ردّ الإمام الفقيه قائلا، إن الله تعالى يقول: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا "، البقرة - الآية 83، ثم شرح ذلك، وقال: إن الله تعالى لم يقل وقولوا للمؤمنين ، بل قال "وَقُولُوا لِلنَّاسِ "، .. والتهنئة من الحسنى.
وفي نفس السياق، أورد الإمام بوعبدالله، قصة المسيحي الذي اتصل بالنجار الجزائري، ليصلح له نافذة تابعة لكنيسة بالجزائر العاصمة، فأفتاه إمام تلك الضاحية بعدم الجواز، وطلب منه أن لايصلح له نافذته، لأن النافذة مخصصة للكنيسة. وحين طلب التوضيح، أجابه الإمام بوعبدالله: إذن لاتركب سياراتهم، ولاتتمتع بأجهزتهم، لأن صانعها مسيحي.
إن أفق المرء، يتّسع بقدر اتّساع صدره للغير، والتسامح أساس المعاملات.
(1): لمعرفة المزيد عن الشيخ بوعبد الله، طالع مقالنا: "حين يتريّث الكبير".