واجب تخليق الحملات الانتخابية يفرض اقتصارها على التنافس في تقديم البرامج
واجب تخليق الحملات الانتخابية يفرض اقتصارها على التنافس في تقديم البرامج مع تجنب إقحام تبادل الإساءة بين المتنافسين
من المعلوم أن كل الانتخابات لدى كل شعوب المعمور تسبقها حملات يكون الغرض منها عرض المتنافسين فيها برامجهم على الناخبين لإقناعهم بوضع الثقة فيهم والتصويت عليهم إلا أن هذه الحملات في كثير من بلدان العالم دون تخصيص أو تعيين تخرج عن هذا الهدف ، وتتحول إلى مناكفات بين المتنافسين تتدنى إلى مستويات منحطة من الإسفاف والإساءة إلى بعضهم البعض تخوينا وتجريما .... إلخ في غياب قانون يكون وازعا لتخليق الحملات الانتخابية .
وكمثال على غياب هذا التخليق نقتصر على ذكر مثال واحد يفي بالغرض ويغني عن سرد أمثلة أخرى ويتعلق الأمر بفيديو تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا حيث ظهرت فيه بعض سيارات نقل البضائع محملة بالبشر وهي تجوب أحد الشوارع وهم يرددون شعارات مسيئة إلى بعض رؤساء الأحزاب . وكان الأجدر بمن سيّروا هذه الحملة المتحركة أن يلتزموا بما تقتضيه الحملة الانتخابية من تخليق وأن يكتفوا بعرض برنامجهم الانتخابي الذي يشترط فيه أن يكون واقعيا، وممكن تحقيقه، وبعيدا عن عالم الأحلام والأوهام ،علما بأن الناخبين المتابعين لعروض البرامج لديهم من الوعي والذكاء ما يجعلهم يميزون بين عثها وسمينها وبين الواقعي منها والوهمي ،وكفى بهم حكاما .
ومعلوم أن تخصيص المتنافسين لحيز من حملاتهم الانتخابية للنيل من بعضهم البعض طعنا واتهاما لن يفيد هم شيئا إذا كانت برامجهم تفتقر إلى الواقعية ، ولا ترقى إلى ما يرومه الناخبون بل قد ينقلب في هذه الحالة السحر على الساحر أو تجري الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقال . واعتماد أساليب تبادل الإساءة بين المتنافسين في الانتخابات يعتبر في حقيقة الأمر استخفافا بوعي الناخبين الذين لا يحتاجون إلى سماع تبادل الإساءات للتمييز بين من يصدقون في وعودهم ممن يكذبون أو بين من يبكون ممن يتباكون كما يقال، علما بأن العبرة بالأفعال لا بالأقوال ، وما كل من يقول يفعل ، وصدق الشاعر الذي يقول :
ولئن اكتفى المتنافسون بعرض برامج واقعية التحقيق خير لهم من عرض تلك التي يركبون فيها الخيال المجنح، وهو ما يجعلهم عرضة لسخرية الناخبين ،ويفسد عليهم حملتهم ،كما أنه يضيع عليهم فرص الفوز .
ولقد بلغ الشعب المغربي درجة كبيرة من الوعي والنضج جعلته لا يهتم بما يخرج عن إطار ما تقتضيه الحملات الانتخابية من ولاءات وعصبيات لهذا الحزب السياسي أو ذاك بل صار همه هو التركيز على البرامج الواقعية التحقيق والإنجاز والملبية للضروريات قبل الحاجيات وقبل الكماليات بغض الطرف عن التوجهات الإيديولوجية للأحزاب التي تقدمها ، ولا عبرة بيمين أو يسار أو وسط أو غير ذلك لأن هذا الشعب يقف على مسافة واحدة منها جميعها ، ولا يعنيه منها سوى ما تقدمه له من خدمة ، وليس من الضروري أن يتبنى إيديولوجياتها .
ومما لا يجادل فيه إلا معاند أن السواد الأعظم من الناخبين لا وجود لانتماء حزبي لهم ولا ولاء ولا بطاقات انخراط حزبي لديهم ، ومع ذلك يقبلون على التصويت من أجل مصلحة الوطن ، ولا يعني بحال من الأحوال أن تصويتهم على هذا الحزب أو ذاك أنهم من مناضليه أو من الموالين له بل يكون اختيارهم له باعتبار برنامجه الذي يكون في نظرهم واقعيا، وممكن التحقيق، وملبيا لمطالبهم الملحة .
ومعلوم أن بعض البرامج التي يصعب تحقيقها على أرض الواقع ليس من السهل أن يصدقها الناخبون أو يثقوا فيمن يقدمها لهم في حملاته الانتخابية من قبيل القضاء المبرم على البطالة على سبيل التمثيل لا الحصر أو تخفيض أسعار المواد الأساسية ...أو غير ذلك من الوعود المستحيل الوفاء بها بحكم واقع الحال، خصوصا وقد خبر هؤلاء الناخبون برامج سابقة قدمتها جميع الأحزاب السياسية التي فازت في انتخابات سابقة ، وعرفوا بل عاشوا ما صح منها وما كان مجرد أوهام أو سراب بقيعة .
ونختم بدعاء صادق نرجو فيه من الله عز وجل المطلع على ما تخفي الصدور أن يوفق كل من يريد الخير لهذا الوطن الذي يستحق من أبنائه الذين يتحملون مسؤوليات تسييره البر الكثير ليكون في طليعة البلاد المتقدمة ، كما أن شعبه الكريم يستحق هو الآخر كل خير ، وهو ينتظر منهم الكثير ، وقد أعيته الشعارات والوعود الفارغة ، لأنه في حاجة إلى أفعال لا إلى أقوال ، ورحم الله تعالى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي صعد المنبر ذات يوم ليخطب الناس يوم جمعة ، فأرتج عليه أي استغلق الكلام عليه مع أنه كان صاحب بلاغة وفصاحة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، وقدم أقصر خطبة جمعة في التاريخ الإسلام قال فيها : " أيها الناس إنكم في حاجة إلى رجل فعّال لا إلى رجل قوّال "ثم أمر بإقامة الصلاة للتو .
فهلا اقتدى المتنافسون عندنا في الانتخابات بهذا الرجل العظيم والصحابي الجليل ، وقدموا أفعالهم على أقوالهم ؟
وسوم: العدد 945