غضب عالمي وعقوبات ومقاطعات متنوعة .. ماذا ستفعل روسيا في مواجهتها ؟
عمت موجات الغضب العالم على روسيا لهجومها على أوكرانيا ، وشمل هذا الغضب المدن الروسية ذاتها خاصة بطرسبرج ، وامتلأت به وسائل الإعلام الاجتماعي الروسية مذكرة بالوشائج الوثيقة بين الشعب الروسي والشعب الأوكراني . وتلاحقت ضدها عقوبات ومقاطعات متنوعة . أخرجت من نظام سويفت العالمي للتعاملات المالية الأمر الذي سيمنع شركاتها من إجراء أي تحويلات مالية في بيعها وشرائها الخارجيين ، وفرضت عقوبات على المصرف الروسي المركزي من شأنها أن تضعف قدرته على حماية الروبل ، وفورا انخفضت قيمته ، واندفع المواطنون الروس لبيعه وشراء الدولار باعتباره ملاذا آمنا من خطر انخفاض الروبل المرشح للتواصل . وأغلقت دول الاتحاد الأوروبي مجالها الجوي أمام الطيران الروسي المدني ، وصرحت أورسولا فون لابين رئيسة المفوضية الأوروبية بأنها قررت منع " آر تي " و " وسبوتنيك " الروسيتين من ممارسة نشاطهما الإعلامي في دول الاتحاد الأوروبي متهمة لهما بالكذب فيما تبثانه حول ما يجري في أوكرانيا ، وهذا المنع نادر أو معدوم في خلافات الدول الأوروبية . وهددت مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى ، أميركا ، وألمانيا ، وبريطانيا ، وفرنسا ، وكندا ، واليابان ، وإيطاليا ؛ روسيا بفرض عقوبات جديدة عليها بعد ما فرضته من قبل . وامتدت العقوبات إلى الرياضة ، فقرر الفيفا وقف تنظيم أي مباريات دولية في روسيا ، ومنع فرقها الرياضية في حال لعبها في الخارج من رفع العلم الروسي وعزف نشيدها الوطني ، وألزمها باللعب باسم الاتحاد الروسي لا روسيا ، وقررت منتخبات بولندا والسويد وتشيكيا مقاطعة اللعب مع المنتخب الروسي . وينوي مجلس الأمن دعوة الجمعية العامة لجلسة طارئة لمناقشة الهجوم الروسي ، وستظهر الجلسة من مع روسيا ومن ضدها ، ومن سيقف محايدا ، والمنتظر أن يكون المضادون لروسيا كثيرين . وامتدت العقوبات فشملت بيلاروسيا التي تتهمها المفوضية الأوروبية بالتواطؤ مع روسيا في هجومها على أوكرانيا ، وطالت العقوبات قطاعات المحروقات والحديد والفولاذ والتبغ والإسمنت التي تقرر وقف استيرادها من بيلاروسيا . والخطير أن أميركا ودول الناتو شرعت تزود أوكرانيا بأسلحة وصفت بالفتاكة . ولا ريب في أن روسيا لم تكن تتوقع أن تكون ردود الفعل على هجومها بهذه القوة وبهذه السعة التي يعززها الصمود الملحوظ للجيش الأوكراني في التصدي للهجوم الروسي الذي سجلت عليه بعض علامات الضعف مثل سوء الإمداد أو انقطاعه عن القوات الروسية ، ولا نقول بطء الحسم العسكري الذي قد يجد له بعض المحللين العسكريين تعليلا في أن روسيا لا تستهدف انتصارا عسكريا سريعا وحاسما وإنما تستهدف انتصارا سياسيا يزيح حكومة بيلينسكي ذات الميول والتوجهات الغربية ، ويأتي بحكومة موالية لروسيا من نوع الحكومة التي كانت قبل انقلاب 2014 في أوكرانيا . والرد على هذا التحليل أنه لا سبيل مضمونة للانتصار السياسي دون الانتصار العسكري . فأوكرانيا تجزم أنها لن تتنازل عن لوجانسك ودونيتسك اللتين اعترفت روسيا بانفصالهما واستقلالهما ، وبدأت الهجوم ، مثلما قالت ، حماية لمواطنيهما من الجيش الأوكراني ، وأبعد من هذا ، تطالب أوكرانيا ، وإن بنبرة أخفض حدة وتشددا ، باستعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014 ، وتعليل انخفاض حدة وتشدد نبرتها مرده إلى أن شبه الجزيرة أرض روسية وهبها إياها خورتشوف الزعيم السوفيتي الأوكراني الأصل في 1954، وكانت روسيا انتزعتها في 1783 من الدولة العثمانية ، ولا تكتم تركيا حتى الآن مرارتها من هذا الانتزاع ، ولو وجدت وسيلة لاستعادتها لاتبعتها . وتتلاحق تبعات الهجوم الروسي ، وكل أطرافه ، وأولها روسيا ، في مضيق وعر ليس من اليسير الخروج منه برأس مرفوع ، والغرب لن يمنح روسيا هذا المخرج إلا مضطرا ، فما يحدث سانحة عظيمة لتخضيد شوكتها ، ولتقديم مثل رمزي للصين التي تراها أميركا منافسا ، بل عدوا خطرا ، بأن الغرب لا يغلب ، وأن أميركا ستحافظ بكل الوسائل على أحاديتها في الهيمنة على العالم . والحل الأمثل والأكرم لروسيا وأوكرانيا أن تختارا الوسطية في معالجة نزاعهما بما يحفظ ماء وجهيهما ومصالحهما الوطنية ، وكل مشكلة بين دولتين تتدخل فيها القوى الخارجية لا تزيد إلا تعقيدا وابتعادا عن الحل الملائم والعادل لهاتين الدولتين ، وما بين شعبي روسيا وأوكرانيا من الجوامع المقربة أكثر مما بينهما من الفوارق المباعدة ، ولعل محادثاتهما في جوميل البيلاروسية توصلهما إلى ما يرضيهما ، والأحداث تتلاحق تلاحقا سريعا زاخرا بالمفاجآت مما يجعل أي تحليل لها أو رأي في ما قد تفضي إليه في مهب ريح عاصف تنأى بهما عن الصواب .
وسوم: العدد 970