الدولة المدنية الديمقراطية.. ليست مقيّدة بأي مرجعية إديولوجية..
الدولة المدنية الديمقراطية..
ليست مقيّدة بأي مرجعية إديولوجية..
عقاب يحيى
أثار قول للمرشد العام لحركة الإخوان المسلمين، السيد محمد حكمت وليد مع وسائل إعلام في استانبول لبساً كبيراً حين تكلم عن خلاف تصوراتهم حول الدولة المنشودة، إذ جاء في تصريحه ما يلي : "الديمقراطية هي المرجعية الوحيدة للدولة المنشودة ..
اثارت تصريحات للمراقب العام للإخوان المسلمين في سورية لبساً حين جاء على لسانه أنهم :
«ليسوا حركة إرهابية وفكرهم المنشور والممارس هو أكبر دليل على ذلك». وقال وليد في لقاء إعلامي عقد في اسطنبول٬ إن «الإخوان المسلمين لا يدعون إلى قيام دولة إسلامية في سورية٬ وإنما لدولة مدنية لها مرجعية إسلامية»، مشيراً إلى «وجود فرق بين دولة تقوم على الشريعة وبين دولة مدنية لها مرجعية إسلامية».
اللبس القابل لأكثر من تفسير ينطلق من مصطلح:
" المرجعية الإسلامية" وهل هي هنا دولة إسلامية خاصة، مثلاً، ام دولة بمرجعية إسلامية؟.. وما هي حدود، ومستويات هذه المرجعية؟.. هل هي مرجعية شاملة، مثلاً، ام أنها تقتصر على جوانب معينة؟.. هل هي كلية أم جزئية؟.. وكثير من أسئلة تبدو متناقضة مع " وثيقة العهد" التي أصدرتها الجماعة عام 2012 والتي لم تتناول فيها تلك المرجعية الإسلامية.
الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة ليست احتكاراً لأية مرجعية محددة.. إنها الدولة المستقلة، البعيدة عن أي أديولوجيا معينة، وهي مختلفة تماماً، ومستقلة أيضاً عن نظام الحكم وشكله الانتقالي، لأنها الثابت الذي يجب أن يتصف بالديمومة، والبقاء، والبعد عن أية تغييرات ما تقررها صناديق الاقتراع . وإلا تنتفي عنها صفتها، وتصبح مجيّرة لهذا الاتجاه أو ذاك ..
مرجعيتها الوحيدة هي : الديمقراطية، والتعددية، والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع مكوّنات الشعب السوري الواحد بمختلف انتماءاته الفكرية، والعقيدية، والإثنية، والدينية، والسياسية، والمذهبية وغيرها.
حين يقول أحدنا أن مرجعيتها إسلامية، أو قومية، أو يسارية،.. فإننا نخضعها مسبقاً لسياقات فكرية محددة لا يملك أحد الحق في ذلك، وسيدخلنا هذا الطرح في نوع من أنواع الاستبداد والفرض، بينما الهوية الديمقراطية، والعلمانية التي تعني هنا إبعاد الدين عن السياسة، واستقلالية الدولة عن أي مذهبية.. هي التي تحقق المساواة بين الجميع، وتتيح لكافة القوى، والاتجاهات الفكرية والسياسية، والمكوّنات المختلفة، بمن فيهم النساء، العمل بحرية، وعلى قدّم المساواة وفق القوانين الناظمة لحياة المجتمع، والأفراد، والتعبير، والتحزّب .
ـ والدولة المدنية الديمقراطية هي دولة الحقوق الكاملة للفرد في إطار الجماعة، كحق التعبير، والعقيدة، والعمل، وفق الدستور، وما يستتبع من مجموعة التشريعات والقوانين واللوائح الناظمة . وهي التي توفر حق جميع المكوّنات القومية والإثنية في اللغة والثقافة، والمساواة في المواطنة التي هي المقياس، والأساس ..
وهي المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وحقّ الجميع في الترشّح لأعلى المناصب في الدولة، بما فيها منصب رئيس الجمهورية .
ـ العلمانية المقصودة ليست هي تكريس الإلحاد، والكفر، وإنما حيادية الدولة تجاه مختلف العقائد، والاتجاهات الفلسفية والفكرية، والتي يجب أن توفر لها مقومات العمل والتعبير الحر في جميع المجالات كي تنمو دون قسر، وإكراه، ووفق وعي البشر وما يختارون .
ـ قد يستند دستور الدولة إلى التشريعات الإسلامية في بعض المسائل، فيكون الإسلام أحد مرجعياتها، وليس مرجعيتها الوحيدة، والفرق كبير، وجلي بينهما..وكذا الأمر فيما يخص الاتحاهات القومية، واليسارية وغيرهما..وقد كرّست " حركة النهضة التونسية" ذلك في توافقها على الدستور، بينما يعمل" حزب العدالة والتنمية" التركي ضمن مرجعية علمانية متكاملة لم تُظهر تناقضاً مع حق الناس في عقيدتهم، وممارستها، جنباً إلى جنب حقوق الآخرين في ممارسة عقائدهم بحرية ..
ورغم أن المراقب العام حاول التخفيف في كلامه عن مساحة تلك المرجعية بحذه أل التعريف.. غلا أن النصّ على" دولة مدنية بمرجعية إسلامية" اثار اللبس والشكوك، وبما يقتضي توضيحات لازمة منه، ومن الجماعة..