مجزرة «التضامن».. حَرَج طفيف للرماديين
لسان حال كثير من السوريين إزاء فيديو مجزرة «التضامن»، الذي كُشف عنه أخيراً: «بالمصادفة لستُ القتيل، بالمصادفة وحدها لم تكن الحفرة الرهيبة مصيري»، فهؤلاء، مثل معظم السوريين، ليسوا مسلحين، كانوا منصرفين إلى شؤونهم، هذا ما يشير إليه الفيديو، كما تشير شهادات ذوي بعض ممن تعرّفوا على أبنائهم في المجزرة. لم يُعرضوا على تحقيق أو محاكمات، ثياب بعضهم المكوية النظيفة تشير إلى أنهم قد جيء بهم للتو، من أقرب حاجز إلى حفرة «التضامن» ما يعني أن لا سبب للقتل إلا الهوية. وربما بذرائع وأسباب مباشرة، هذا أطال النظرة في وجه العسكري، وذاك أخطأ النبرة، هذا بسبب حمله لاسم مستفز، وذاك بسبب حمل موبايل مغرٍ، وآخر لأن نفوسه بابا عمرو، أو داريا..
لا جديد في الفيديو، لا جديد تضيفه المجزرة إلى وعي السوريين، عشر سنوات كانت كفيلة بالوضوح والتمترس. وحدهم الرماديون ربما شعروا بحَرَج طفيف. الجديد فقط أن الفيديو أيقظ مجازر الذاكرة، الحولة، ساحة الساعة، بابا عمرو، كرم الزيتون، دير العصافير، بانياس،.. وأكثر؛ يسهل الاستنتاج أن وراء كل حاجز، حفرة رهيبة، وقاتل كأمجد يوسف وعصابته. وما أكثر الحواجز في سوريا الحفرة (بحسب تصوير رسام الكاريكاتير الفلسطيني السوري هاني عباس)، وما أكثر القتلة الضجرين. انظروا إليه بأي برود يقتل. ضجر يخفي وراءه عدداً أكبر بكثير من إحدى وأربعين ضحيّة، وعلى أي حال لم يخف القاتل، كما جاء في تحقيق «الغارديان»، صعوبة إحصاء ضحاياه. لقد ابتكروا من شدّة الضجر لعبة مسلية، جعلوا الضحايا يعتقدون أن الجيش سينجيهم من القناص، وكانت قفزة النجاة إلى الحفرة. مضحك أن تصطاد ضحيتك فيما يتأرجح في الهواء، أليس كذلك!
جديد المجزرة أنها جاءت في وقت راح السوريون يطبّعون مع يومياتهم البعيدة، والانتهازيون يمدّون جسور العودة إلى أحضان النظام.
وبلى، لن يضيف الفيديو جديداً في الوقت الراهن، لكنه الخلاصة التي لا يمكن أن تنسى (لا نعوّل هنا على مختلّين عقلياً يمثّلهم قول قائل: لم يعرف التاريخ منتصراً أرحم من الجيش العربي السوري)، بل على أجيال معافاة، ستتعرف إلى معنى حقوق البشر، وستدرس السينما والقانون وأضرار الصيد الجائر.
الفيديو خلاصة، لأن القاتل فيه واضح شديد الوضوح، والضحية كذلك.
افتحوا اللابتوبات، «خلّ العالم كلها تشوف».
وسوم: العدد 979