إذا كانت الوزارة الوصية على الشأن الديني عندنا توقف أئمة المساجد والخطباء لأتفه الأمور
إذا كانت الوزارة الوصية على الشأن الديني عندنا توقف أئمة المساجد والخطباء لأتفه الأمور فلا ينتظر من فرنسا العلمانية أن تفرش لهم الورود
استوقفني مقال منشور في موقع على الشبكة العنكبوتية تحت عنوان : " فرنسا تستعد لطرد أئمة مغاربة جدد " ، تناول فيه صاحبه الأسباب التي جعلت فرنسا العلمانية تقدم على مثل هذا القرار ، و ذكر على رأسها الأزمة السياسية الناشئة بينها وبين المغرب خلال السنوات الأخيرة ، فضلا عن تحولات حصلت فيها ذكر منها تنامي اليمين المتطرف ، وانتشار ما سماه " الإسلاموية الإخوانية والسلفية " ، وتنافس المغرب مع الجزائر وتركيا على تدبير الشأن الديني في فرنسا التي توجد بها جالية مسلمة تقارب أو تفوق سبعة ملايين .
ومهما يكن من أمر، فإنه لا ينتظر من فرنسا العلمانية المتطرفة إلى حد اللائكية ـ حسب تعبير صاحب المقال ـ أن تفرش الورود للأئمة والخطباء ، وهم يوجهون الجالية المسلمة توجيها إسلاميا تعتبره هي نقيض ما تريده من سيادة وهيمنة اللادين ليشمل تلك الجالية المسلمة أيضا التي يقلقها وجودها فوق أرضها ،بل تريد فرضه فرضا عليها ، وهي التي لا تقف عند حد فرض ما تريده من قناعات فوق ترابها بل تصدرها تصديرا إلى البلاد الإسلامية ،مع الضغط عليها لتسويقها بين رعاياها المسلمين .
وإذا كانت فرنسا أقدمت، وستقدم على طرد الأئمة والخطباء كما جاء في المقال المشار إليه أعلاه، فأنه لا يستغرب منها ذلك بل الداعي إلى الاستغراب هو أن تنهج الوزارة الوصية على الشأن الديني عندنا نهجها في عزل الأئمة والخطباء ليس لنفس الأسباب التي تتذرع بها فرنسا، بل لأتفه الأسباب حين تطرح على الدين وعلى المنطق وتناقش بموضوعية وحياد ،منها على سبيل المثال لا الحصر انتقاد بعض الخطباء المهرجانات الماجنة التي تقام بين الحين والآخر في بلادنا ، والتي تهدم أرصدة الحصانة الدينية للمواطنين خصوصا فئة الأغرار من الشباب، وهي أرصدة يشتغل الأئمة والخطباء فترات طويلة لترسيخها في نفوسهم . وهنالك أسباب أخرى منها أيضا على سبيل الذكر لا الحصر انتقاد سلوكات ومواقف واضحة التعارض مع قيمنا الدينية ،والتي تعتبرها وزارة الشأن الديني خطوطا حمراء .
وتقدم هذه الوزارة عندنا على عزل وتوقيف الأئمة والخطباء تحت ذريعة مخالفتهم لما تسميه قواعد الإمامة والخطابة ،ومنها فقرة يحكمها المنطق المعروف " بكل ما من شأنه " ،وهي عبارة لا حدود ولا حصر لدلالتها عند الوزارة التي تتوسع في فهمها كل توسع ،بل تغالي في ذلك غلوا كبيرا ، ولا تعود إلى استشارة مجالسها العلمية أعلاها وأدناها قبل اتخاذ قرارات العزل ، وإن صح أنها تفعل ذلك فالمصيبة عظمى لأن ذلك يعني أن تلك المجالس متورطة هي الأخرى في الظلم الصارخ الذي يلحق الأئمة والخطباء.
و معلوم أن الوزارة لا تسمح لمن يعزلون من أئمة وخطباء بالدفاع عن أنفسهم أمام تلك المجالس أو ما يسد مسدها ، وإن كانت هي المؤهلة بحكم انتسابها للعلم للبث فيما يوجب العزل أو يمنعه . وهذه الوزارة لا تعمل بما تعمل به باقي الوزارات من التدرج في تنفيذ العقوبات المطبقة على ما يقع من مخالفات التابعين لها من أدناها إلى أعلاها الذي هو العزل والتوقيف بل تستبد وحدها باتخاذ القرار ، ولا تعمل بقوانين القضاء الإداري الذي يستفيد منه كل موظفي مختلف الوزارات باستثناء الأئمة الخطباء، وإن كان وضعهم ليس هو وضع الموظفين مع أنه كان من اللازم أن يكون على الأقل مثل وضعهم في التقاضي إن لم يكن أفضل من وضعهم لشرف مهمتهم الدينية ، لهذا لم نسمع بإمام أو خطيب تم توقيفه لجأ إلى القضاء الإداري أو سمح له بذلك ، لأن الوزارة الوصية على الشأن الديني لها قضاؤها الخاص بها الذي قوامه المزاج، و عين السخط التي تبدي المساوىء ، وهي عن الرضا كليلة ، مع أن المفروض فيها الحكم بما أنزل الله عز وجل عدلا وقسطا بل يجب فيها أن تكون أعدل الوزارات .
ولو أن هذه الوزارة تتنازل عن كبريائها ، وتعطي من تعزلهم من أئمة وخطباء فرص مناقشتها فيما تعتبره مخالفات لضوابط الإمامة والخطابة عندها لما استطاعت أن تبرر قرارات عزلهم بالرجوع إلى خطبهم ومواعظهم التي كانت سبب عزلهم المباشر، ولن تجد ما تبرر به ذلك من أدلة شرعية أو منطقية ، لأن أدلهم ستكون أقوى لأنها مدعومة بالكتاب والسنة ، و لا دليل لها سوى ما تسميه ضوابطها الإمامة، وهي عندها فوق الأدلة الشرعية .
و هذه الوزارة حين تتخذ قرارعزل الأئمة والخطباء لأتفه الأسباب، لا تبالي بما يلحق سمعتهم من ضرر نظرا لما يحظون به من احترام وتقديرعند الناس بل تجعلهم موضع شك وارتياب عندهم ، كما أنها تشكك ضمنيا في كفاءاتهم وقدراتهم ومواهبهم ، و تشكك أيضا في نزاهتهم بل وفي صدق وطنيتهم، وتزايد عليهم في ذلك مزايدة معيبة ، ولا تراعي مجهوداتهم خلال سنوات عديدة في الخطابة، والوعظ، والإرشاد .
والمؤسف أنها تتخذ قرارات العزل المجحفة في حقهم بسبب خطبة أو موعظة يتيمة متجاهلة المئات من خطبهم ومواعظهم التي لم تكلف نفسها في يوم من الأيام موافاتهم بمجرد رسائل شكرعليها ، علما بأن مختلف الوزارات تشكر موظفيها على ما يبذلونه من جهود ، ولقد توصلت شخصيا من وزارة التربية الوطنية التي كنت أحد موظفيها بالعديد من رسائل الشكر ، ولم أتوصل من الوزارة الوصية على الشأن الديني بشيء ما عدا رسالة العزل والتوقيف بطريقة المحكمة النيرونية التي يسبق فيها حبل المشنقة طرح الجنح للمرافعة والتداول والاستئناف والنقض والإبرام . ولم تشفع لي عندها خطبي ومواعظي لسنوات طوال ، علما بأنها كانت توفد دائما من يحظرها ، وقد مندوبها الجهوي خطبة ألقيتها بمناسبة عيد العرش ،فأثنى علي الثناء الحسن ، ولست أدري أكان صادقا في ثنائه أم كان مجرد مجامل،وأعتقد أنه لو كان صادقا ،لكان أول من يدخل لدى وزارته لمراجعتها في قرارها المجحف . ولا أريد أن أذكر جهات أخرى كانت موضع احترام وتقدير فائقين عندي ، وكان من المفروض أن تتدخل لمنع هذا القرار الظالم لكنها لم تفعل ، وقد كان بإمكانها أن تفعل ولكنها لم تفعل ، وأنا أرى أنه يصدق عليها قول الشاعر :
ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام
وإن نقص القادرين على التمام لمعرة وسبة .
وأخيرا أقول لئن هان على أئمتنا وخطبائنا عزل فرنسا العلمانية لهم ، فإنه ليحز في نفوسهم أن تعاملهم وزارة الشأن الديني عندنا مثل معاملة فرنسا لهم ، وصدق طرفة بن العبد إذ يقول :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
وآخر أقول لكل واعظ وخطيب مقتبسا حكمة من حكم الشاعر زهير بن أبي سلمي:
إن أصدق وعظ أنت واعظه وعظ يقال إذا قدّمته صدقا
وسوم: العدد 1016