الآثار السلبية لغلاء الأضاحي على شعيرة النحر
جرت العادة أن يدور بين الناس الحديث عن أثمان أضاحي العيد، كلما اقترب موعده . ولما كانت هذه السنة ،سنة غلاء غيرمسبوق ، وقد مسّ كل ما له علاقة بالمعيشة ، توقع الرأي العام في بلادنا ألا تستثنى أضاحي العيد من هذا الغلاء . ولقد سجلت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من شهادات لمواطنين، يشكون غلاء الأضاحي. ولا شك أن الجفاف الذي عرفته بلادنا، أثر بشكل مباشر في هذا الغلاء، ذلك أن مربي الماشية قد واجهوا صعوبة كبيرة في توفير العلف لها ،بسبب كلفته المرتفعة، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون ذريعة، يتذرع بها من ألهبوا أثمان الأضاحي خصوصا من يسمون " الشناقة "، وهو وسطاء فضوليون بين مربي الماشية ، وبين " العيّادة " الذين يبتاعونها من أجل أداء شعيرة النحر، رغبة في نيل ثوابها عند الله عز وجل . ولا شك أن غياب الرقابة ،جعل هؤلاء "الشناقة" يعيثون فسادا في أسواق المواشي ، وفي مختلف الساحات والطرقات التي تعرض فيها .
وإذا كان الهم السائد لدى السواد الأعظم من الناس، هو هم التفكير في أثمان الأضاحي الملتهبة كما توصف في هذا الظرف ، فإن التفكير في آثار غلائها على شعيرة النحر، هو آخر ما يخطر لهم على البال ، علما بأنه أول ما يجب أن يشغل البال، لأن أخطر تلك الآثار، هو الضجر من شعيرة النحر التي جعلها الله تعالى عيدا لنا، من أجل إدخال السرورعلى أنفسنا، لما فيها من عظيم الأجر والثواب . ويكفي أن ينتقل تضجر الناس من غلاء أثمان الأضاحي إلى التضجر من نسك عظيم ، هو مظهر من مظاهر صحة التدين وحسنه ،ليصير هذا الأخير إلى رقة، خصوصا في ظرف تنامي التآمرعلى الإسلام، وعلى الهوية الإسلامية من طرف التيار العلماني الذي جنّد كل أبواقه، وطاقاته على شتى الأصعدة ،للنيل منهما النيل الماكرالخبيث .
ولقد وجدت بعض تلك الأبواق في غلاء الأضاحي ذريعة ، وفرصة سانحة لبث سمومها بين المواطنين البسطاء، لصرفهم عن شعيرة النحرالتي تعتبر من مميزات الهوية الإسلامية التي تفخر بها أمتنا المغربية أيما فخر .
ومعلوم أن بعض المتنصلين من هذه الهوية ، والمتنكرين لها ، وهي التي امتدحها الله تعالى في محكم تنزيله ، والتي نلنا بها شرف الخيرية بين الأمم ، يستكبرون عن أداء شعيرة النحر ، ويستخفون بها ، ويسخرون ممن يؤديها ، ويفضلون السفر، والسياحة عليها ، والاستجمام على الشواطىء ، وفي المنزهات حين يعيش غيرهم أجواء فرحة العيد، التي يحرمهم منها الله عز وجل بسبب إعراضهم عن التعرض لنفحات رحمته وعفوه، والتي تصادف وقوف ضيوفه من الحجيج فوق جبل عرفات ، و في رحابه طلبا لعفوه جل في علاه ، والتماسا لعتقهم من النار. والمحروم من حرم ثواب شعيرة النحر . ولا بد أن يحذر الناس من تلك النماذج السيئة ، وأن يتجنوا الاقتداء بها ، واعتبار ما تفعله يوم النحر من إعراض عن سنة سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه جل في علاه ،سلوكا سويا يقتدى به ، وهو يئس السلوك .
ولا بد أيضا ألا ينشغل الناس بغلاء الأضاحي عن الغاية من شعيرة النحر، التي ترمز إلى تقديم محبة الله عز وجل في القلوب على محبة كل من أو ما سواه ، وهي محبة تتحقق بالتضحية بكل ما يعزعلى النفس، كما علمنا ذلك خليل الله إبراهيم عليه السلام الذيعبر عن غلبة حب الله تعالى في قلبه على حب الولد الحبيب ، والنبي الكريم إسماعيل عليه السلام . وعلى كل من شق عليه ثمن أضحيته لضيق ذات يد، أن يحتسب ذلك عند الله عز وجل ، وألا يسخط ، ويتذمر كي ينال رضى ربه ، وليعبر بصدق ،على أن محبته سبحانه وتعالى، فوق محبة ثمن الأضحية ، وفوق كل ثمن مهما غلا ، وفوق كل ما يعز على النفس ، مما تتعلق به وتتعشقه من عرض الدنيا الزائل .
وحسب كل من وجد مشقة ، وعنتا لدفع ثمن أضحيته، في ظرف الغلاء هذا ،بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل :" ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ،ىإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها ،وأشعارها ،وأظلافها ،وإن الدم ليقع من الله بمكان، قبل أن يقع من الأرض ، فطيبوا بها نفسا". فنعمت البشارة ، بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإننا لنرجو أن يكون أجر من شق عليهم ثمن الأضاحي ، واحتسبوا ذلك عند الله عز وجل، أن يكون أجرهم بقدر ما وجدوه من مشقة .
أخيرا، لا بد أن يحذر الناس من البخل بالتصدق على المحاويج من تلك الأضاحي بذريعة غلائها ،لأن أفضلها عند الله عز وجل، ما أكل منها أولئك المحرومون .
وتقبل الله من الجميع نسكهم ، وعيد مبارك سعيد ، أعاده علينا سبحانه وتعالى كل عام ، ونحن في أحسن الأحوال ، وديننا الحنيف ظاهرعلى الدين كله ، ولو كره من يكيدون له كيد اللئام ، وخاب سعي أولئك ، وهم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم ، وحملوا أوزار من يضلونهم مع أوزارهم ، وبئس الرفد المرفود.
وسوم: العدد 1038