وسألني: هل عندك من علم فتخرجه لنا ؟!

لعلكم تتفكرون

زهير سالم*

[email protected]

من واقع التجربة والمعاناة أدرك معنى قول العرب ( ويل للشجي من الخلي ) . وأعلم أن إلقاء الكلام على عواهنه ، والحديث عما يجب أن يكون سهل وأن الوصول إليه يكون دونه أحيانا خرط القتاد ، ولكن ماذا نفعل إذا كان علينا أن نخرطه ..؟!

ليس للتثريب ولا للتوهين ولا للتقريع يكتب أحيانا أحدنا رأيه أو رؤاه . ولكنه إلزام التواصي بالحق الذي وصف الله به عباده الذين جنبهم وصف الخسر . ومفهوم الخسر بأبعاده  منه ما يتعلق  بأمر الدنيا ومنه ما يتعلق منها بأمر الآخرة ، وهو مفهوم مفتوح على عظيم الأمر وصغيره .

أدرك من واقع يثقل صدورنا جميعا بأعبائه أنه ما كل ما يتمنى المرء يدركه . وأدرك أيضا أن الله جل جلاله برحمته وفضله لم يحملنا عبء ما لا نطيق . ولن يساءلنا عما لا نقدر . وأنه برحمته وفضله لن يحاسبنا إلا عن تقاعس وتخاذل وإخلاد إلى الأرض وسوء اختيار يدفع إليه هوى أو عصبية  من حب أو كره .

وحين نواجه اليوم من واقع الثورة السورية ما نواجه ، ونتابع من جسامة الخطب ما نتابع ثم يزعم أحدنا أنه يملك الوصفة الذهبية التي تحل كل المشكلات ، والدواء العجيب الذي يشفي كل الأدواء ، والفانوس السحري الذي يضيء بحار الظلمات فإنه يقع في نفس الشرك الذي ينتقد ويعيب ، ..

إن  الأمر المهم  الذي ما زال أصحاب الرأي والعلم يلحون عليه أن الحق أو الصواب كامن في ثنايا العقل الجمعي الذي يمثله مجموع أهل الرأي  والتجربة والسابقة ، وأن الوصول إليه ومعرفته لن يكون إلا بعد تقليب وجهات النظر ومقاربة الحقائق واستشارة أهل الذكر كل في ميدانه والإصغاء إلى الصغار والكبار والاستماع إلى الصديق والشانئ . وأن معدن الخطل والخلل والجناية هو في أن يعتبر بعضهم أن الحق كامن في زاوية صغيرة من زوايا عقولهم ، وأن علاج كل داء مسطور في جفر ورثوه عن آبائهم وأجدادهم . أو أن يعتقدوا أن العصبية التي تسند قراراتهم قادرة على أن تجعل الحق باطلا والخطأ صوابا وأن تفرض نفسها على مسار التاريخ أيضا فتجعل السابعة والستين نصرا عزيزا مؤّزرا ..

( العقل الجمعي ) مصطلح له ظلاله الشرعية والعلمية والسياسية وله انعكاساته المباشرة وغير المباشرة في قطف الثمار وتجنب ألوان العثار . وله أيضا مناخه الذي لا يثمر إلا فيه ...

كان من شأن ابي بكر ومن ثم عمر وعثمان أن يمسكوا بكبار أصحاب السابقة إلى جانبهم في المدينة بهم يسوسون الأمور ، ويتخذون المهم من القرارات . وعندما سئل علي رضي الله عنه عن عهده وعهد عمر قال : كنا أصحاب عمر وأنتم أصحابنا !! وأصاب رضي الله عنه مفصل الحق كل الصواب . قرار الرجل جزء من مشيريه ، ومن بحث عمن يشير عليه بما يشتهي ويهوى فقد ضل وربما أضل ..

معادلة الثورة السورية ليست مستحيلة . وطريقها إلى النصر ليس مسدودا ، وليس رهنا بوزير أو سفير بل هي رهن بسوريين صادقين يجلسون على منضدة تفكير يبحثون بصدق عن وجه الصواب ..

فهل يفعلون ؟! فهل تفعلون ؟! لعلكم تتفكرون ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية