على الأمة المسلمة ألا تسرف في موائد الإفطار في رمضان وإخواننا في غزة جياع محاصرون
على الأمة المسلمة ألا تسرف في موائد الإفطار في رمضان وإخواننا في غزة جياع محاصرون وعلى ولاة أمورها تقع مسؤولية إطعامهم وفك الحصارعنهم
حسبك يا أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ، شعوبها، وولاة أمورها وازعا يزعهم عن خذلانهم إخوانهم في قطاع غزة، وهم يتضورون جوعا، وهم محاصرون، وتحت القصف الشرس ليل نهار ، ورضعهم يموتون لشح الألبان في أثداء أمهاتهم ، وصبيتهم لا يجدون جرعة ماء ،ولا رغيف خبز يدفعون بهما عن أنفسهم الموت جوعا وظمأ، وليس حال آبائهم وأمهاتهم بأقل بؤسا من بؤسهم ، وقد اجتمع عليهم الجوع ، والألم بسبب موت فلذات أكبادهم جوعا وقصفا أمام أعينهم ، ويزيدهم ألما خذلان مليار ونصف المليار من أبنائك ، ومع ذلك يقفون عاجزين عن إيصال الطعام والشراب إليهم ، والمجاعة تفتك بهم فتكا، وقد حاصرتهم حفنة من حفدة القردة والخنازير ، فحسبك يا أمة المليار ونصف المليار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وازعا يزعك عن هذا الخذلان المخزي وقد قال : " ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به " .
فأي ذل هذا الذي أصاب هذه الأمة التي تقاعس ولاة أمورها عن القيام بواجب ديني يلزمهم ، وعجزت هي عن القيام بما يجبرهم عن التحرك الفوري لإنقاذ جياع محاصرين ، ونحن على موعد قريب مع شهر الصيام ، وإخوتنا يصلون الليل بالنهار، وهم صيام قبل شهرالصيام من قلة الطعام والشراب ؟
وأي إيمان هذا الذي تدعيه هذه الأمة بإقبالها على طاعة الصيام والقيام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي الإيمان عمن يبيت شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به ؟
أليست الأمة المسلمة في كل أصقاع المعمور تعلم بمجاعة إخواننا في قطاع غزة ، وهم في قلب بلاد الإسلام ، أرض الإسراء والمعراج، حيث المسجد الأقصى المبارك ، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان منه معراجه إلى سدرة المنتهى ؟ وإنها لبقعة وضعها أكبر من مجرد وضع مكان جوار، لأنها المقصد والمحج، إليها تشد الرحال، كما تشد إلى بيت الله الحرام ؟
صحيح أن إخواننا في غزة ينفعهم دعاؤنا إذا دعونا الله عز وحل بصالح أعمالنا إن هي صلحت ، وجعلتنا أهلا لقبول دعائنا لهم ، ولكنهم أيضا في أمس الحاجة إلى طعام ،وشراب ، و دواء ، وأمن ، ولا يمكن أن نعتبر دعاءنا لهم نهاية أداء ما أوجبه الله تعالى علينا ، وبذل كل ما في الوسع والطاقة ، ونتخذ منه ذريعة لإقناع ضمائرنا بأننا قد قمنا بالواجب ،ونكتفي بجلد ذواتنا بالتعبير عن مشاعر الألم والحسرة والحزن على ما هم فيه من بلاء عظيم ، وذريعتنا عبارة : " العين بصيرة ، واليد قصيرة" ، ثم نجلس خلال شهر الصيام ساعة الإفطار إلى موائد قد زينت بما لذ وطاب من طعام وشراب ، نسرف في تناولهما إسرافا وبذارا، ونحن نتفرج على مشاهد الموت المروعة في غزة عبر وسائل الإعلام ، موت بالنيران ، وموت بالجوع والعطش ، هذا بالنسبة لمن بقي فيهم شيء من بصيص ضمير حي ، أما من ماتت ضمائرهم مواتا ، فإنهم إلى جانب إقبالهم على أصناف الطعام والشراب بشره وإسراف ، سينصرفون إلى متابعة البرامج التلفزية من مسلسلات، وسهرات ، ومقابلات رياضية ، وعبث عابث، يتسلون بذلك ،ولا يخطر لهم على بال أنهم قد برئت منهم ذمة الله عز وجل ، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر فضيل خاب من أدركه ولم يغفر له ، وإخوانهم صغارا وكبارا يصارعون الموت جوعا، وعطشا، وقصفا .
ولقد بلغت السفاهة ببعضهم في أقطار محسوبة على الإسلام ـ يا حسرتاه ـ أن أقاموا حائط مبكى، يشاركون عنده من يقتّلون إخوانهم، ويحاصرونهم ،ويجوعونهم في بكائهم نكاية وشماتة في إخوانهم ، ودعما لعدوهم . أليس الأجدر بهم أن يبكوا على الذلة التي لحقت بهم إلى هذا الحد ؟ وماذا بقي لهؤلاء من صلة بدين الله عز وجل ؟ وبماذا سيلقون ربهم ؟ وبما سيجيبونه حين يقفون بين يديه ، ويسألهم عن حائط المبكى الذي أقاموه فوق أرض أنعم عليهم فيها بخيرات ليكونوا خدام الإسلام ، لا ليكونوا عبيد أعدائه يهودا ونصارى . إن هؤلاء قد باعوا كرامتهم كما يباع سقط المتاع ، وباعوا دينهم ليس بعرض الدنيا وقد حيزت لهم ، وهي قبضة أيديهم ، بل بالتودد إلى أعداء دين الله الذين ينفقون عليهم من مال الله تعالى الذي جعل فيه نصيبا للمحاويج من عباده المؤمنين ، ،فحازوا بذلك ذلة في الدنيا ، ما بعدها من خسة وهوان ، ويوم القيامة يجدون ما قدمت أيديهم .
فيا أمة الإسلام قومي من سباتك ، وانهضي، فهذه ليست لحظة سبات ، ولا لحظة استكانة ، ولا لحظة خوف من المخلوق ، بل هي لحظة الخوف من الخالق سبحانه وتعالى .
ويا أهل أرض الكنانة ، أنتم أهل جوار مع الجياع في القطاع ، فوالله الذي لا إله إلا هو، لئن تحملوا طعاما إليهم ، وتقتحموا سياج رفح وأنتم آلاف ، ثم تسقطون شهداء عنده خير لكم من معرة يسجلها عليكم التاريخ ، وتلقون ربكم وقد برئت منكم ذمته ، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ،وجيرانكم الجنب إخوة لكم في الدين جائعون، وأنتم أدرى بهم ، وأقربكم إليهم جوارا .
ويا كل من يقصدون البيت الحرام لأداء عمرة في رمضان ، يريدون بها عدلا لحجة ، ألا يجدر بكم أن تجعلوا نفقة الاعتمار نفقة على الجياع في غزة ،وأنتم تعلمون أن بعض أموالكم إنما تصرف سفها في اللهو واللعب على السهرات ، وعلى المباريات الكروية وعلى لاعبيها بأرض البيت الحرام ؟
ونقول لمن سيرقون منابر الجمعة للخطابة أو يجلسون للوعظ والإرشاد في ليالي رمضان ما الذي ستحدثون به رواد المساجد إن لم يكن حديثا عن مأساة أهل غزة ،من شأنه أن يستنهض الهمم كي تنهض لنصرة المسجد الأقصى ، ونصرة من يقاتلون من أجل تطهيره من دنس الصهاينة ، وحمايته من الهدم والتدمير لإقامة هيكلهم المزعوم ؟ وهل ستجعلون هذا الحديث على رأس أولويات خطبكم ومواعظكم أم أنكم ستنصرفون عنه انصرافا إلى غيره تخشون في ذلك الخلق ، ولا تخشون الخالق سبحانه وتعالى ؟
وأخيرا ـ وتبرئة للذمة ـ عند الله عز وجل ، نقول لولاة أمور المسلمين جميعا في مشارق ومغارب المعمور بادروا ـ هداكم الله ـ بإغاثة أهل غزة ، وإلا فعليكم إثم خذلانهم ، وانظروا بعد ذلك بما ستقابلون ربكم يوم القيامة ، وقد أوكل بكم أعظم أمانة ، وإنها يومئذ خزي وندامة . اللهم قد بلغت ، فاشهد .
وسوم: العدد 1072