حراك شعوب بعض الدول الغربية دعما للشعب الفلسطيني انتهى بأنظمتها إلى الاعتراف بحقه في الاستقلال والحياة الكريمة
تناقلت اليوم وسائل الإعلام العالمية اعتراف كل من النرويج، وإيرلندا، وإسبانيا بحق الشعب الفلسطيني في السيادة على أرضه المحتلة من طرف العدو الصهيوني، وبحقه في حياة كريمة آمنة كباقي شعوب العالم الحرة والمستقلة . ولقد جاءت هذه الخطوة الجريئة من طرف حكومات هذه الدول الثلاث استجابة لحراك شعوبها الواعية التي حركتها فظائع جرائم حرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني الذي اكتسحت قواته قطاع غزة ودمرته تدميرا رهيبا ، وعاث فيه فسادا كبيرا .
وخلافا لما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بعض دول أوروبا منها ابريطانيا، وألمانيا ،وفرنسا التي واجهت حراك شعوبها بالعنف والاعتقالات ، فإن الدول الثلاث الترويج ، وإيرلندا ، وإسبانيا تعاملت حكوماتها مع حراك شعوبها بتفهم واحترام ، وترجمت بكل جرأة وشجاعة ذلك إلى قرار وازن سيسجله لها التاريخ ويثمنه .
وإذا ما قارنا بين الدول التي قمعت حراك شعوبها ، وبين هذه الدول الثلاث التي عبرت بشكل حضاري عن احترام إرادة شعوبها ، نجد الأولى ديمقراطيتها التي تفاخر بها زائفة، قد فضحها العنف الذي مارسته ضد حراك شعوبها ، بينما نجد الديمقراطية في الثانية صحيحة باعتبار ما ترتب عنها من قرار منصف للشعب الفلسطيني الذي عانى، ولا زال يعاني لأكثر من سبعة عقود بسبب الاحتلال الصهيوني العنصري البغيض .
ولقد تأكد أن اللوبي الصهيوني هو من يدير شؤون الولايات المتحدة الأمريكية ، وشؤون الدول التي حذت حذوها في التعامل مع حراك شعوبها التي أظهرت وعيا كبيرا ، وتحررا من تأثير إعلام اللوبي الصهيوني المهيمن على الساحة العالمية ، والذي يقدم الكيان الصهيوني للعالم في صورة ضحية، وهو أعنف جلاد يعرفه التاريخ الحديث ، ويسوق لمقولة معاداة السامية المتهافتة ، وهي البعبع الذي ترهّب به إسرائيل دول وشعوب المعمور، وترتزق، وتتاجر به من أجل تكميم الأفواه التي تفضح طبيعتها العنصرية والنازية التي فضحتها جرائم الإبادة الجماعية الفظيعة ، والصارخة .
ومعلوم أن طرق وأساليب الدول الغربية في تعاملها مع حراك شعوبها الداعمة للشعب الفلسطيني المضطهد فوق أرضه المحتلة ، هي التي تضفي المصداقية على ادعائها احترام الديمقراطية ،وحرية الرأي، وحرية التعبير أو تسقطها وتكذبها . ولن يصدق بعد اليوم الرأي العالم العالمي ادعاء أنظمة الدول التي قمعت حراك شعوبها أنها دول ديمقراطية، وأنها تحترم حرية الرأي، وحرية التعبير ، وتدافع عن القيم الإنسانية السامية ، بل هي لا تختلف في شيء عن الأنظمة الشمولية التي تمارس أساليب الاستبداد والقهر على شعوبها في القرن الواحد والعشرين الذي من المفروض أن تكون فيه كل شعوب المعمور تنعم بالديمقراطية الحقيقية ، وبكامل حقوقها بما فيها حق حرية الرأي ، وحرية التعبير بكل الأشكال والأساليب المتاحة دون أن تُمنع أو تُقهر أو تُهدد .
ولقد افتضح زيف الكيان الصهيوني الذي تعتبره الدول الداعمة له ، والتي تشاركه جرائم الإبادة الجماعية بأسلحتها الفتاكة ، وبجيوشها أنه الكيان الديمقراطي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط ، مع أنه مارس جميع أنواع العنف على مواطنيه الذين طالبوه بوقف الحرب ، وبعقد صفقة لتحرير رهائنه مقابل سجناء فلسطينيين يقبعون في سجونه الرهيبة لسنوات طوال ظلما وعدوانا، لأنهم يطالبون باستقلال بلادهم ، وبالحياة الكريمة فوقها ، والخلاص من الاحتلال العنصري النازي البغيض .
ولقد مني الكيان الصهيوني بنكسة كبيرة اليوم عندما اعترفت الدول الثلاث بالدولة الفلسطينية ، وسارع إلى التنديد بهذا القرار ، واعتبره انتصارا لما سماه دعم إرهاب المقاومة الفلسطينية ناسيا إرهابه الذي تجاوز ضحاياه عشرات الآلاف معظمهم من الأطفال ، والنساء ، والشيوخ ، والمرضى ، وعموم المواطنين المدنيين العزل ، وقد قتلوا بأشكال وأساليب فظيعة كلها موثقة بالصور الحية التي لا مجال لطمس معالمها ، والتي ستظل لعنة تلاحق هذا الكيان الوحشي إلى الأبد .
إن القرار الذي اتخذته الدول الثلاث اليوم هو انتصار كبير لأطفال، ونساء، وشيوخ ، وعموم مواطني غزة ، وهو انتصار للقضية الفلسطينية التي ظن الكيان الصهيوني أنه أسدل الستار عليها حين اختلق ما سماه بالبيت الإبراهيمي ، وما طبخه مما سماه صفقة القرن ، وما سارع إليه من تطبيع مع كيانات عربية سارعت لاهثة بدورها إليه على حساب القضية الفلسطينية التي ظل ملفها تتقاذفه أروقة الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن اللذين لم تعد لهما مصداقية بسبب هيمنة اللوبي على الإدارة الأمريكية الملوحة بالفيتو لصالحه كلما أثير موضوع القضية الفلسطينية ، هي وحليفاتها الأوروبية أو بتعبير دقيق الخاضعة لسلطتها . ولقد غطت الحرب في أوكرانيا على القضية الفلسطينية في الوقت الذي كانت خطى صفقة القرن تسير حثيثة مستغلة انشغال الرأي العالم العالمي بهذه الحرب. ومعلوم أن طوفان الأقصى كان رد فعل على تهميش القضية الفلسطينية التي لم يبارح حلها مكانه منذ مدة طويلة، تعمد خلالها الكيان الصهيوني على تمديد تماطله أقصى مدة ممكن ، وهو يراهن على أشكال من التطبيع المضبع لكيانات عربية كي تنصرف كليا عن القضية الفلسطينية ، فيصيح بذلك الكيان الصهيوني المحتل أمرا واقعا ، وتحل الدولة العبرية العنصرية سرطانا خبيثا محل الدولة الفلسطينية في قلب الوطن العربي والإسلامي النابض.
و نتساءل هل سيفعل حراك الشعوب العربية والإسلامية المعنية مباشرة بالقضية الفلسطينية قبل شعوب العالم الغربي فعله في أنظمتها ،فتبادر هي الأخرى إلى الاستجابة لإرادتها من خلال قرارات أقلها تخلي بعضها عما سمي معاهدات سلام مع الكيان الصهيوني، والتي هي في حقيقة أمرها عبارة عن عزل وتجميد دول الطوق من أجل الانفراد بالشعب الفلسطيني وإبادته وتهجيره عن آخره عبر مراحل إلى غاية القضاء المبرم عليه ، وقرارات أقلها بالنسبة للبعض الآخر التخلي عن الهرولة للتطبيع معه وذلك من أجل عزله ، ومحاربة انتشار واستشراء عدوى ورمه الخبيث الذي يريد بالوطن العربي والإسلامي الشر،، والسوء ونهب خيراته ومقدراته من أجل أن يزيد طغيانا في الأرض ؟؟؟
وأخيرا نأمل أن تحذو كل أنظمة العالم الحرة التي تلتزم بالديمقراطية الحقة حذو الدول الثلاث بكل جراة وشجاعة ، ليكون ذلك نكسة كبرى للكيان الصهيوني العنصري والدموي، ولمن يدعمونه ، كما يكون انتصارا لإرادة شعوب العالم الحرة بما في ذلك الشعب الفلسطيني الذي يريد هو الآخر أن يسترجع حقه في العيش حرا فوق وطنه الذي اغتصب منه قهرا ، ويعيش حياة كريمة كباقي شعوب المعمور التي تنعم بالحياة الكريمة ، وبالديمقراطية الحقة ، وبالحقوق الكاملة غير منقوصة . فهل سيكون هذا اليوم محطة تاريخية بارزة ، ينتقل فيها العالم من وضع إلى آخر بعد عقود من وضع ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي كرس ظلما صارخا في العالم لا يقل عما كرسته تلك الحرب المدمرة من ويلات ؟ وهل سينتقل العالم من قيم سيطرة الفيتو الجائر إلى قيم العدالة الحقة والمساواة والمساواة التي لا فرق فيها بين بلد قوي غني ، وبقوة نووية، وآخر ضعيف فقير لا قوة نووية لديه ؟؟؟
وسوم: العدد 1080