هل يتوفر وزير الشأن الديني هو وأعضاء مؤسسته العلمية على نفوس لوامة قد وقيت شحها ؟؟
لقد سبق أن استعرضت في مقال سابق كلمة وزيرالأوقاف التي وجه فيها كل من يعملون تحت سلطته إلى سبل تسديد تبليغ الدين للناس في وقت اتسعت فيه الهوة بينه وبين تدينهم ، وركز فيها على معالجة آفتين خطيرتين هما : غياب النفس اللوامة التي جعلها الوزير مقابل الضمير ، وغياب وقاية شحها وقد جعله مقابل الأنانية .
ومعلوم أن التبليغ عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم له وجهان أو صيغتان هما : تبليغ بالمقال ، وتبليغ بالحال ، ولا يؤتي التبليغ أكله أو يحقق غايته إلا إذا تطابق مقال المبلغين مع حالهم، لأنهما متلازمان، لا ينفكان عن بعضهما ، وإذا ما انفكا حاز صاحبهما مقت الله ـ والعياذ بالله ـ مصداقا لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) ، وعليه فإن تسديد التبليغ، بقتضي بالضرورة أن يكون المبلغون قدوات، أي لا تناقض بين أقوالهم وأحوالهم ، وإلا فلا تبيلغ بله لا تسديد له .
وعلى رأس من يجب أن تترجم أقوالهم أفعالهم وزير الشأن الديني ، ومن معه في المؤسسة العلمية الدينية، ثم الذين يلونهم من علماء خارج دائرة تلك المؤسسة ،وأئمة ، ومؤذنون ،وخطباء ، ووعاظ ،ومرشدون، ومناديب .
ومما يروى عن الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى أن الرقيق في عصره قصدوه كي يرغّب الناس في عتقهم ، وكانت خطبه مشهورة ، وصوته مسموعا ، ورأيه مطاعا ، فأبطأ في تحقيق رغبتهم حتى جمع مالا، واشترى به عبدا ثم أعتقه ، والناس يشهدون على ذلك ، وبذلك طابق بين تبليغ المقال ، و بين تبليغ الحال ، فاقتدى به الناس، فأعتقوا عبيدهم .
والسؤال المطروح على الوزير، و على أعضاء مؤسسته العلمية، هو هل تتطابق أقوالكم مع أفعالكم ؟ وإذا أردنا أن نوضح هذا السؤال أكثر، نقول لهم : هل تقرون على سبيل المثال المهرجانات الماجنة في البلاد وتشجعونها ؟ فإن كان جوابكم بالنفي ، سألناكم ما الذي فعلتموه من أجل منعها ، وأنتم أولى بذلك من غيركم بحكم مسؤوليتكم ؟ فإن لم تجيبوا ؟ سألناكم لماذا إذن أوقفتم خطباء أنكروها فوق منابر الجمعة ؟ وهم لم يقوموا بأكثر من التوفيق بين تبليغ المقال ، وتبليغ الحال . ونفس السؤال نطرحه عليكم بخصوص خطباء آخرين أنكروا منكرات أخرى، لا يتناطح في قبحها كبشان ، ولو سألناكم عن قبحها ، وصدقتم القول ، لما وسعكم إلا الإقرار به ، ولكنكم لم توفقوا في الحقيقة بين مقالاتكم وأحوالكم أو بين ظاهركم وباطنكم ، والله أعلم بالظاهر والباطن ، فأوقفتموهم عن الخطابة ظلما وعدوانا، وهنا نسألكم عن النفس اللوامة ،وعن شحها أو بتعبير السيد الوزير عن الضمير، وعن الأنانية ، وهما عماد تسديد التبليغ كما جاء في كلمة الوزير؟ فهل من حضور الضمير أو حياته أن يُظلم الخطباء والدعاة ظلما صارخا من طرفكم ، وأنتم أعلم بأنهم إنما قالوا كلمة حق وجب قولها خشية الله تعالى ؟ وهل من كبح جماح شح أنفسكم أن يطالهم عسفكم وظلمكم ؟
وإذا كان وزير الشأن الديني لا يقتضي منصبه السياسي إلمامه بما يلم به أعضاء مؤسسته العلمية من تخصص ، فإن هؤلاء مطالبون باحترام ما يلمون به ، وهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يرثون عنه التبليغ فقط، بل يرثون عنه الاقتداء أيضا. فهل اقتديتم به عليه الصلاة والسلام في نصرة الظالم ولو كان وزيرا برده عن ظلمه، وبنصرة المظلوم برفع الظلم عنه ؟ وهل كبحتم جماع شح أنفسكم أو أنانيتكم بتعبير الوزير ، فقلت من أقوالكم العبارات الدالة عن تضخم الأنا إلى حد الزمانة .
ألا يجدر بكم أيها السادة قبل تسديد التبليغ للناس أن تسددوا بين أقولكم وأحوالكم أولا لتبلغوا درجة القدوات ، فيهدي الله تعالى بكم وعلى أيديكم ، وتضيق حينئذ الهوة بين دينه القويم ، وبين تدين ناس المنحرف، وهم يعدمون القدوات الصالحة في هذا الزمان العجيب الغريب .
وسوم: العدد 1083