وزارة الشأن الديني بتقنينها الخطب والمواعظ متجاهلة ما يقتضيه واقع الناس المعيش من توجيه ديني محايث له قد وضعت العربة أمام الحصان
تنزيلا لما سمته الوزارة الوصية على الشأن الديني تسديدا للتبليغ، وقد انطلقت من مسلمة لديها مفادها أنه قد صارت بين الدين وتدين المغاربة هوة يجب ردمها ، عمدت إلى تحرير خطب ومواعظ خلال شهر مقننة ما يجب على الخطباء والوعاظ تناوله من مواضيع كما تناقلت ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ،متجاهلة ما يواجه الناس من قضايا في واقعهم المعيش ، تجعلهم يتطلعون إلى التوجيه الديني المحايث لها ،وهم يشعرون بحضور الدين حقيقة في حياتهم ومصاحبته لهم في كل ما يجد من أحوالهم ، علما بأن الله عز وجل لم يفرط في الكتاب من شيء .
وعلى هذا التقنين الذي ألزمت الوزارة الوصية على الشأن الديني به الخطباء والوعاظ ، ينطبق القول المشهور الذي يقال لكل من يلتمس الوسيلة الخطأ من أجل تحقيق هدفه المنشود ، وهو عبارة : " وضع العربة أمام الحصان " .
والواقع أن ما أرادته الوزارة الوصية ليس ما ادعته على لسان وزيرها من تسديد للتبليغ ، وإنما هو تقنين للدين أو بعبارة ممثالة لعبارة الوزير هو تسديد " التبغيل " نسبة إلى البغل ، وهو ما يعني تبليد حس الناس، وصرفهم عن قضايا الواقع من خلال منع تطرق الخطباء والوعاظ له ، وشغلهم عنه بمواضيع تكون في واد ، وواقعهم المعيش في واد آخر ، الشيء الذي يجعلهم في حكم القطعان المسوقة وفق هوى من يريدون إبعاد الدين عن الواقع خشية تنامي وعيهم وعيا من شأنه أن يفضي إلى ما يتوجس منه أعداء هذا الدين وهم يكيدون له ليل نهار سرا وعلانية ، وقد بثوا لهم في المجتمع عملاء يسوقون كل أنواع الفساد والإفساد فيه تحت شعارات مضللة .
ولقد مرت على مأساة غزة ثمانية أشهر بالتمام والكمال ، ولم تحرر الوزارة الوصية خطبة واحدة تتحدث عنها تضامنا مع شعب مسلم يباد إبادة جماعية فظيعة ، ولم تدن الإجرام الصهيوني ولو بكلمة وشعوب العالم بأسره تدينه وتستنكره ليل نهار. ولم يجرؤ كثير من الخطباء على مجرد الدعاء لأهل غزة ليكشف الله عنهم ما هم فيه من ضيق وشدة ، وذلك خوفا العزل وتوقيف الأجر . ولم يجرؤ أحد من الخطباء على إدانة إقامة مهرجان موازين أو مهرجان كناوة في وقت تحدث فيه أفظع جرائم الإبادة الجماعية في حق شعب مسلم على يد عدو صهيوني ،فضلا عن تجويعه وتهجيره قسرا وتعذيبه بشتى أنواع التعذيب ، وذلك لأن خطباء سابقين تم توقيفهم من قبل بسبب انتقادهم لمثل هذه المهرجانات الماجنة التي تسوق كل ما ينكره الدين من سلوكات منحطة .
وفي ظل تفاقم أزمة الغلاء التي يئن بسببها الشعب طلعت علينا الوزارة الوصية على الشأن الديني بخطة ما سمته تسديد التبليغ التي جعل من أصدرها الشعب موضع اتهام ، ونسب له سوء التدين ، وكان الأجر بها أن تدين سوء تدبير الحكومة لشؤونه ، وهو أمر لا تسمح للخطباء والوعاظ بإلقاء خطب ومواعظ من شأنها أن تسدد اعوجاجه من وجهة نظر الدين، علما بأن استقامة الأمة إنما تكون باستقامة ولاة أمورها ، وهؤلاء هم أول من يجب أن يسدد تبليغهم .
ومعلوم أن خطب الجمعة ،وما كان يقدم من مواعظ في بيوت الله تعالى منذ أن انطلقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعصور التي تلته ، كانت دائما محكومة ومقيدة بواقع الناس المعيش وأحوالهم ، ولم تكن منفصلة، ولا بعيدة عنها، بل كانت محايثة لها تشعر الناس يومئذ بالحضورالحقيقي للدين في حياتهم متجسدا في واقع يعيشونه ، وفي حياة يحيونها . ولقد صارت اليوم مع شديد الأسف والحسرة الخطب والمواعظ مفارقة للواقع يسمعها الناس ، ولا يحصلون ، ولا يفيدون منها شيئا، لأنها لا تلامس حياتهم لا من قريب ، ولا من بعيد.
ولقد أرادت الوزارة الوصية على الشأن الديني أن تجعل الخطب والمواعظ كالمقررات الدراسية عندنا التي يمر عليها زمن طويل ، وتتداولها أجيال متعاقبة من المتعلمين والمعلمين تتبدل أحوالهم وواقعهم ،وتلك المقررات على جامدة على حالها لا تساير ما جد في عالم العلم والمعرفة ، وذلك لعجز من يتولون تدبير الشأن التربوي في بلادنا عن مسايرة ما يحدث في عالم الناس من تطور معرفي وعلمي ، وهم يتحاشون التغيير من خلال التذرع بتكاليف الإنفاق على تجديد المقررات ، علما بأن الاقتصاد في الإنفاق على العلم ومعرفة والبحث جرم ومعرة وعيب في وقت ينفق فيه المال على المهرجانات العابثة ، وغيرها مما لا طائل من ورائه .
ونختم بتحية خطيب جمعة جسور تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي انتقاده الصريح لما أقدمت عليه الوزارة الوصية على الشأن الديني من تقنين للخطب المنبرية والمواعظ لأن في ذلك تقييد لحرية الخطباء والوعاظ ، ونظن أنه لن ينجو من نقمة الوزير الذي اشتهر من بين كل الوزراء بقرارات العزل التعسفي في حق الخطباء. ويا ليت كل الخطباء يحذون حذو هذا الخطيب الجسور، وأمثاله ممن طالهم تعسف العزل مع أنه في الحقيقة تشريف لهم. وما نظن أكثر الخطباء يفعلون خوفا من فقدان أجر لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولو فعلوا ذلك كلهم لكان تنبيها للوزارة بأنها في الحقيقة قد جاء ببائقة طيش التبليغ خلاف ما ادعاه وزيرها من تسديد له .
وأخيرا نحمل علماء الأمة مسؤولية محاولة مكشوفة لفصل الدين عن الدنيا من خلال هذا التقنين الذي اعتمدته الوزارة الوصية ، والذي يهدف إلى تبليد حس ووعي الأمة ، وصرفها عن واقعها المعيش من خلال شغلها بخطب ومواعظ لا تلامس جوانب حياتها ولا تحايثها ، ولا تلبي ما تتوخاه من دينها الحنيف الذي جعله الله تعالى نبراسا لها، لا يفارق حياتها ، وواقعها المعيش .
فهل سيجرؤ من يحيطون بالوزير من علماء على مراجعة موقفهم مما قرر وهم أدرى وأعلمهم بما يجب أن تكون عليه الخطب والمواعظ ، وما يجب أن يكون عليه الخطباء والوعاظ من إبداع واجتهاد وبذل واستفراغ للجهد من أجل الرقي بالشأن الديني عوض خطباء ووعاظ في حكم ببغوات يرددون من يحرر لهم من خطب ومواعظ مطبوخة ولا جرأة لديهم للجهر بكلمة حق أوجبها الله تعالى عليهم ، وسيحاسبهم عليها يوم الوقوف بين يديه ؟؟؟
وسوم: العدد 1085