رسالة مرسي إلى المصريين من سجنه

رأي القدس

رسالة الرئيس المعزول محمد مرسي الى الشعب المصري التي أعلنها محاميه محمد الدماطي أمس الأربعاء تحمل عدداً من الرسائل السياسية المهمة.

تؤكد الرسالة أولاً خطل فكرة ان مرسي كان لا حول له ولا طول، وأنه مجرّد منفّذ لسياسات جماعة الأخوان المسلمين وقرارات مرشدها العام، وأنه شخص ‘طيّب’ لكنه ليس قائداً سياسياً مؤهلاً لحكممصر… الى آخر ما تم استخدامه من اتهامات ضد الرئيس المعزول.

كما تظهر الرسالة محمد مرسي كشخص متماسك وذي ارادة صلبة وهو ما انعكس في تحليله السياسي لما جرى في مصر منذ 30 حزيران (يونيو) الماضي.

تمسك محمد مرسي بكونه الرئيس الشرعي والدستوري لمصر، وإصراره على ان ما حصل ‘انقلاب عسكري’ ومطالبته بـ’محاسبة المسؤولين عن إراقة الدماء’ وامتناعه عن الاجابة عن أسئلة المحققين وطعنه في قرار وزير الدفاع باطاحته من الرئاسة، كل هذه مواقف سياسية واضحة وصريحة لا تستطيع السلطات المصرية تجاهلها.

الرسالة على بساطتها، تأتي نتيجة لصمود مؤيدي مرسي أمام الضغط الكبير الذي تعرّضوا له، وما كان ممكناً، بالتالي، للرئيس المعزول أن يواجه هذا الحراك المدني الهائل لدعمه وجعله رمز الانتفاض ضد الحكم الحالي، بالتنكر له او بالتنازل للسلطات المصرية الجديدة.

يخطئ من يعتقد أن الأمر برمّته مرتبط بالتعلّق بكرسي الرئاسة أو بتعطش جماعة الإخوان المسلمين للسلطة، او بكونه تثبيتاً مرضياً على إحساس جماعة بأن السلطة قد سرقت منها، وهو اتجاه تحاول السلطات المصرية الحالية تعزيزه من خلال قصر وصف الحراك الحاصل ضدها بجماعة الأخوان، بل وتضييق الأمر وترويع كل من يعارض الحكم العسكري الجديد بربطه بالارهاب والجماعات السلفية المتطرفة.

صحيح أن الرئيس مرسي وجماعة الأخوان يتصرفان باعتبارهما الطرفين الأساسيين المستهدفين، وهو أمر مفروغ منه، لكنهما من حيث يعلمان او لا يعلمان، فهما يقودان الاتجاه المدني السلميّ المعارض لاستيلاء الثورة المضادة على مقدرات مصر من جديد، واعادتها مساوئ النظام الأمني المصري القديم من فساد وبطش واستبداد وتبعية.

ثبات الرئيس المعزول محمد مرسي على مبدئه، واستمرار الحراك المدني المناهض لتمكين الآلة العسكرية الأمنية المصرية السابقة من حكم مصر من جديد سيزيدان دائرة الملتفّين حول محمد مرسي مما سيكسب كلماته عن ‘الانقلاب العسكري’ و’خيانة’ مصر معنى حقيقياً.

حكومة الرئيس الانتقالي عدلي منصور التي قبلت أن تكون جسراً لكسر الشرعية السياسية المصرية والتوازن السياسي في مصر ستدور، نتيجة ورطتها الوجودية هذه، في دائرة مغلقة لن تستطيع الخروج منها ما لم تتوصل إلى تسوية واقعية ترضي المصريين جميعهم، وليس القادرين منهم على تحريك الطائرات والدبابات والمدافع فحسب.

هذا المأزق السياسي ينعكس مآزق في كل الشؤون العامة المصرية، ومن المشكوك فيه ان تستطيع الحكومة الانتقالية ان تقدم للمصريين حلولاً ناجعة لشؤونهم الاقتصادية والأمنية العاجلة ما دامت شرعيتها السياسية مشكوكاً بها.

بسجنه واضطهاد مؤيديه، حوّلت السلطات العسكرية الحالية في مصر محمد مرسي الى ضحية وشهيد، وبالتالي إلى ايقونة سياسية رمزية لا يمكن قهرها، وحوّلت نفسها بالتالي، رغم الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها، الى سلطة انقلاب وحسب.

رغم السجن والقمع والبطش الذي استخدم ضد انصار مرسي فقد حاولت السلطات العسكرية احتكار صورة الضحية لنفسها من خلال اختراع خلطة من أعداء داخليين وخارجيين على طريقة المثل المصري (سمك لبن تمر هندي): الارهابيون في سيناء، وحركة حماس وانفاقها المخيفة، اللاجئون السوريون والفلسطينيون وسفنهم الهاربة بهم من الموت الى السجون… وأمريكا المتآمرة مع الأخوان!

لكن هذه الصورة الملفقة التي تجمع بين القوة الباطشة ورمزية الضحية انفرطت وفتحت الكوّة مع صمود الضحايا الحقيقيين وارتفاع أصواتهم.

محمد مرسي: الرسالة وصلت!