دربكة في خط الوسط

نافز علوان

طالعت مطالعة غريبة، مشوهة ولكن عميقة. طالعت أحد الموضوعات والتي تتحدث عن وجود علاقة بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية وبين دولة إيران.

استفزني الخبر وقمت بسحب كرسي وجلست أتابع وأحلل هذا الكلام وهو في صحيفة بريطانية أترفع عن نشر اسم تلك الصحيفة والمساهمة في نشر وبث سمومها تقول الصحيفة البريطانية أنه مأخوذ عن صحيفة إيرانية موثوقة المصدر، وحيث أن عندي لا يوجد هناك شيء اسمه موثوق المصدر، بدأت أحقق وأدقق، وكعادة رجال القانون عند مباشرتهم الأمر، لسرعان ما اكتشفت أن هناك أكثر من خمسة وسبعين بالماءة حشو وهراء ولكن هناك خمسة وعشرون بالماءة حقيقة يجب التنبه لها.

أما الخرافات فهي في أن أعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد اجتمعت خلال موسم الحج المنصرم بعدد من شيوخ الشيعة وتبادلوا معهم عدداً من المعلومات وتم تزويدهم بأرقام حسابات بنكية اوربية تودع من خلالها الجهات الإيرانية مبالغ لصالح افراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك لسد العجز الذي تعانيه الهيئة بسبب الضيق المادي الذي تعاني منه الهيئة، وهي حسب مصادر تلك الصحيفة تعتبر موارد دخل الهيئة قليلة وشحيحة جداً بالمقارنة بما تتلقاه من دعم الهيئات والمؤسسات الأخرى في المملكة العربية السعودية سواء كانت من ذات النشاط الديني للهيئة أو غيره، ولا تزال هذه هي الحالة المالية للهيئة ولا يزال هذا حسب نقل الصحيفة البريطانية.

ركزت هذه الصحيفة البريطانية على قلة شعبية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتطاول العلني عليها من قبل بعض الأمراء ومن غالبية الشعب السعودي والذي يتهم الهيئة بإنشاء حكومة موازية للحكومة السعودية في البلاد. وركزت كذلك هذه الصحيفة البريطانية على موضوع قيام حكومة موازية للحكومة السعودية في البلاد وتركيز الدعم الإيراني على هذا الأمر، متجاوزين خلافاتهم الفقهية مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتركيز على التشدد الديني للهيئة بغض النظر عن كونها سنية وهابية وتتعارض مع المذهب الشيعي معارضة صريحة.

عزت الصحيفة التغاضي الإيراني على اختلاف المذهب هو من أجل إنجاح قيام انقلاب تقوده هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاورة فكر الهيئة السني يمكن حدوثه بعد هذا الانقلاب المرتجى حدوثه ووقوعه على يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، ومناظرة دولة إسلامية متشددة يحكمها أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المكر هو أمر طبيعي وأسهل من مناظرة دولة إسلامية الدين ولكن غربية القلب والهوى حسب زعم المصدر.

ولو قمنا بتنقية وغربلة هذه المعلومات، نجد أن هناك ما هو صحيح وهناك ما هو قد يكون صحيح وهناك ما هو مستحيل تماماً۔ 

اما الصحيح فهو أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تحضي بشعبية واسعة بين أبناء المملكة العربية السعودية وذلك لإغلاقها كل أبواب الحوار بينها وبين الشعب وتقوقعها داخل بوتقة دينية رهبانية نهى عنها الإسلام حقيقة ورفض الليونة وسعة الأفق في الكثير من الأمور مما يجعل الهيئة عرضة بأن تتهم بالتشدد الديني الذي يحاكي المبدأ الثوري الإيراني من جهة ومن جهة أخرى لا يعمل العقل في أبعاد وخطورة التوجه والمسلك الذي تنتهجه وتسلكه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية۔

وصحيح أيضاً هو أن الدعم الحكومي للهيئة هو أقل من مثيله الذي يذهب إلى مؤسسات وهيئات سعودية أخرى، مما يفتح مجال التساؤل إن كان هناك دعم مادي ما يأتي إلى الهيئة من دول خارج المملكة العربية السعودية وإذا اخذنا بعين الاعتبار أن المملكة هي مصدر الدعم المالي لغالبية المنظمات الإسلامية ذات الطابع المسالم على المستوى الحكومي وهي مصدر الدعم المالي على المستوى الشخصي والأفراد لأي تنظيم إسلامي أياً كان توجهه أو حراكه.  وهذا ما يجعل السؤال ملحاً وهو هل هناك دعم يأتي من إيران او من أي جهة أخرى لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟  سؤال يجب أن تنظر في إجابته المملكة العربية السعودية ملياً.

أما الأمور الغير صحيحة أو المستبعدة، هي أن الهيئة منتقدة من قبل العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية بالشكل العلني الذي نشرته تلك الصحيفة، قد يكون هناك نقد للأداء وبعض النتائج كما حدث مؤخراً في مطاردة المواطنين في اليوم الوطني وهو أمر كان مخول لرجال الأمن العام السعودي وليس لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن لا يوجد هناك نفور أو نقد صريح من العائلة المالكة للهيئة بالشكل الذي نشرته تلك الصحيفة.

ومن الأشياء العارية عن الصحة، التقاء أعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسؤولين إيرانيين خلال موسم الحج وذلك لأن ومنذ قيام الوفود الإيرانية بالذات خلال موسم الحج بممارسة طقوس مخالفة للشريعة الإسلامية خلال موسم الحج مما دفع المملكة العربية السعودية إلى متابعة ومراقبة هذه الوفود بدقة متناهية من جهات الأمن السعودية للمحافظة على أمن الحجيج من ناحية ومن ناحية أخرى للحيلولة دون حدوث أحداث شغب بين صفوف الحجاج كان الحجاج الإيرانيون سبباً فيها للأسف الشديد في أعوام ومواسم حج سابقة مما يعني استحالة قيام وحدوث اجتماع كهذا بين أعضاء الهيئة ورؤساء بعثات الحج الإيرانية وإن كان الاعتقاد الغالب هو خلط تلك الصحيفة بين لقاءات الهيئة ورؤساء بعثات الحج الايرانية والتي كانت من أجل حث أفراد بعثات الحج الإيرانية على الالتزام بأنظمة وقوانين المملكة فيما يختص بما هو مسموح به وما هو غير مسموح به أثناء تأدية فريضة الحج المباركة، واعتبار الصحيفة تلك اللقاءات هي من أجل ذلك الغرض المخالف لما دار في تلك اللقاءات مع بعثات الحج الإيرانية.

أما الأمور المستحيلة الحدوث، فهي أن تنقلب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حكام المملكة العربية السعودية وذلك للعلاقة الوطيدة التي كانت ولا زالت عبر تاريخ المملكة مع رجال الدين في المملكة، قبل قيام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعد قيام الهيئة، وكذلك لأن هيئة العلماء، وهي الأب الروحي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، والتي تعتبر الهيئة الاستشارية الأولى للعائلة الحاكمة في المملكة وللحكومة السعودية مما يجعل احتمال تآمر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نظام الحكم السعودي هو ضرباً من ضروب الخيال، حتى وإن كان هناك من يحب أن يسبح في هذا الخيال.

وسطية المملكة العربية السعودية وتمسكها بالوسطية هو ما جعل ويجعل منها دولة قوية متماسكة البنيان، ومهما حاولت دول كإيران إحداث دربكة في خط الوسطية هذا إلا أن ما يغيب عن المخطط الإيراني هو أن المملكة العربية السعودية لديها خطط استباقية وإجابات للعديد من السيناريوهات التي لطالما أعدتها دول في السابق لزعزعة نظام الحكم في المملكة وكما سيحدث في المستقبل لأن المملكة مستهدفة من أعداءها ولكن هيهات، خطوط الدفاع مستيقظة والهجوم جاهز