ذكرى انقلاب التفحيح
عقاب يحيى
اليوم هو ذكرى انقلاب التفحيح.. وتربع الطاغية الأكبر على خناق سورية..
ها هو قطافهم .. بل قطاف القطاف : تدمير سورية.. وكأني بكلمات عبد الكريم الجندي في صويته الشهيرة تبكي دماً سورية خالصا.. وهو يحذر من نوايا الأسد، وما سيفعل : " سيدمر الحزب ويدمر سورية..." وجاء التدمير غير المعلن بأشكال مختلفة.. ثم حلّ خرابهم.. حصاداً مشؤوماً.. ودماً قانياً يعمّ ارجاء البلاد.. وما يشبه الحرب المذهبية التي خططوا لها.. وكل هذا الدمار.. وما يحيق سورية الموحدة من أخطار جدية..
***
ـ على مدار السنوات العجاف..كتبت الكثير من التحليلات والوقائع عن خلفيات الطاغية الأكبر، وانقلابه الانعطافي وما فعل..وتناولت بالنقد حكم البعث قبله، وأخطائه البنيوية، وبناءاته الفكرية وموقعها.. وممارساته في الحكم ومآلها.. لكن وكشهادة حق أقول : انه رغم أكوام الأخطاء والبعثرة، والشعارية، ومستوى الوعي.. كان هناك وضع وطني يرفض المساومة مع الأعداء.. رغم هزيمة حزيران المشينة، ويتطلع لبناء مستقل، بغض النظر عن القدرة، والظروف ووعيها، والأدوات وقابلياتها..وقد دفعت قيادة تلك المرحلة، وىلاف من الأطر المتقدمة، والعناصر المؤمنة بالمبادئ.. افدح الأثمان : اعتقالاً لربع قرن أو ما يقرب العقدين للبعض.. وتعذيباً وصل حد الشهادة، وتصفيات.. ومطاردات، ومحاربة بلقمة العيش.. واغتراباً قسريا.. وكثير من عطايا الحقد الأسود وهو يغرف من الدولة الأمنية، ومن خزين العنجهية، والفئوية...
***
للحق نقول أن الطاغية الأكبر نجح في خداع العديد من رفاقه.. المقربين والأبعد.. في إعطاء نفسه صورة مخالفة تماماً لتركيبه، ونوازعه، وعلاقاته..
لقد كان ـ حريصاً ـ جداً على التمظهر بالبساطة والسذاجة وقلة الفهم.. والالتزام بالحزب.. و"ما يقرره الرفاق" بينما كان يمارس عمليات شراء المؤيدين، وتركيز الطائفيين في المواقع المهمة، ومد شبكة علاقات داخل الحزب تنخره، وتعدّ لليوم الموعود. واليوم الموعود ترتيب مسبق للوصول إلى الحكم..اختلاطاً لتلك البنية الفئوية، النرجسية، الاستبدادية..وكانت حزيران الهزيمة مفصلاً، أو نقلة مهمة في منح ذلك المشروع استنادات قوية. وكانت أوضاع القيادة المهزومة، وما تعيشه من تفكك ومحورية، ومن عجز عن مواجهة الهزيمة بتغييرات شاملة تبدأ بإقالة كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، وبنية الجيش التي .... الأرضية الخصبة له.. ليقوم.. عبر سلسلة من الأخطاء، والإبهامات ـ بما فيها عقد المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي ـ أوائل تشرين الثاني 1970 ـ المُبهم السبب والمقصد ـ وإعلانه الانقلاب الرسمي في 13 منه. اي مع نهاية المؤتمر الذي اتخذ قرارات بفصله، وزجّ عديد أعضاء القيادة في السجن، ثم التدشين الرسمي للانقلاب في 16 تشرين الثاني.. بذلك البيان المخاتل..
***
كثيرة هي النتائج الكارثية التي نجمت عن ذلك الفعل المبرمج، وعلى جميع الصعد، وبما تجاوز سورية إلى صلب القضية الفلسطينية، وإلى التآمر على مختلف القضايا القومية والمقايضة فيها وعليها..لإقامة مملكة الرعب، والفئوية، وتطويع سورية لعقود.. وإخراجها من أصولها وفرض عليها، وعلى شعبها منطوقه .. وكوارث أعماله.. وبناه الارتكازية..
ـ لم يكتف الطاغية الأكبر بارتكاب الموبقات بحق سورية، والقضايا العربية وحسب.. بل ختم مشواره ذاك بأفظع عملية تعرفها سورية في تاريخها الحديث : فرض التوريث والدوس على أسس الجمهورية، وألف باء دستور مفصل.. تماماً كما داس على البعث ومؤسساته، ونحر محاولات الخروج من الهزيمة بدعم العمل الفدائي، ورفض الاستسلام للمحتل، والانضواء في خانة الاعتراف والتطبيع والاتفاقات المشبوهة..
***
وأتمّ الوريث ـ النسخة المشوّهة ـ ما قام به الأب..بفارق قلة الخبرة، واستفحال العنجهية، والموضعات الطائفية، واستقدام الوجود الإيراني : حليفاً عضوياً.. والانضواء في مشروعه القومي ـ المذهبي .. حتى إذا ما قامت ثورة الحرية والكرامة.. ظهر الجوهر : قتلاً، وتدميراً، وفئوية، وخبثاً منظماً، ومحاولات لإغراق البلد بالدمار والحرب الطائفية.. واستقدام ودعم المتطرفين لتشويه الثورة وخلق المزيد من المصاعب فيها، وعلى خوافها..
ـ وكي لا نطيل في وقائع معروفة.. فقد كان الثالث عشر من تشرين الثاني 1970 النتاج المباشر للهزيمة من جهة، والمحطة الكبرى في التأسيس لدولة الفئوية والاستبداد والفساد..