في منزل الأسير محمد جمال النتشة و حديث مع الصابرات

في منزل الأسير محمد جمال النتشة

و حديث مع الصابرات

فؤاد الخفش

تملأ جنبات المكان سكينة وروح خاصة قد تكون لعظمة اسم صاحبها سببًا في هذه الرهبة التي تتسرب للنفس وتستقر في القلب حال دخول المكان والجلوس بجوار صورة سيّد المكان.

في بيوت الأسرى يغيب الرجال عقوداً وسنين طويلة وتبقى صورة صاحب المكان تزين زاوية من زواياه يجلس معنا ننظر إليه نستمد من هذه الصورة الصبر والثبات وأن الطريق صعبة ولا بد من تضحيات ، ولعل أصعبها السجن والبعد عن الأهل.

لن أـتحدث في مقالي هذا عن الشيخ الكبير محمد جمال النتشة فلصاحب هذا الاسم مكانة كبيرة في قلوب الجميع ولقصص صموده وصبره في التحقيق حكايات نتناقلها جيل وراء جيل، فمن لا يعرف قصة ذهاب الشيخ محمد جمال النتشة للبحر في التحقيق مع المحققين، ومن لا يعرف تلك المقولة التي قيلت بحقه (الرجل الذي حمى تنظيمه ) ولكن ليس هذا محور مقالي.

مقالي مخصص عن زوجة هذا الرجل الفاضلة الصابرة أم همام وهكذا نحسبها جلست معنا ترحب بنا أيما ترحاب وبدأت حديثها تحدثنا عن زوجها وعيونها تتلألأ كلما مرت على مأثرة من مآثره.

آه ما أروع النساء الصابرات وما أجمل وفاءهن وما أجمل صبرهن وما أعظمهن وهن يحفظن الغيبة ويجلسن مرابطات صابرات ينتظرن أزواجهن ويعتنين بأولادهن يتحملون البعد ويصبرون على ألم ومرارة الأيام ويواجهن الصعاب بنفس راضية وقلب محب فالمحب يصبر على بعد الحبيب وقسوة الأيام.

في منزل الصابرة أم همام استمعنا لمدى المعاناة التي تعانيها الزوجة التي غاب زوجها عنها 18 عاما بسبب السجن والاعتقال والمطاردة والبعد عن البيت وكم كانت تتمنى وجوده معها يساندها على تحمل أعباء الحياة.

حدثتنا أم همام عن أمانيها ولو بحضور حفل زفاف ابنته (ولاء) وكم كان مؤلما على نفسها غيابه عن جميع المناسبات، ومن بينها زواج نجليه (همام) و (إسلام).

بكت وأبكت من استمع لمدى تعلق نجلها محمد بأبيه فمحمد كان عمره وقت اعتقال أبيه ست سنوات، وخرج والده من السجن وعمره (16) عاما ليتلصق بأبيه ويتقرب منه ويحبه أيما حب ليعود الاحتلال ويسرق الفرحة ويعتقل الأب ويعيش محمد أصعب ساعات ولحظات الفراق الأمر الذي أثر على نفسه ونفسيته التي لم تطق هذا البعد والفراق.

حدثتنا عن أمانيها في حياة بها حالة من الاستقرار والبعد عن الاحتلال الذي قرر أن لا يبتعد عن الشيخ وأن يبقيه في سجونه وعن تعلق أحفاده به والذي لم يشهد قدوم أغلبهم بسبب السجون.

حدثتنا عن مدى تحمله وصبره وعن روحه الوادعه وحسن تعامله وعن الجو والأثر الجميل الذي تركه ويتركه وقت وجوده بينهم وكيف يسعى بكل الوسائل لإدخال الفرح والسرور على من حوله.

أمضت الجلسة تتحدث لنا عنه وعن روعته ومدى إنسانيته، ولم تتحدث عن نفسها بكلمة واحدة، فهي مديرة مدرسة استطاعت مع كل ذلك الحفاظ على بيتها ورعاية أبنائها حتى كبروا ودخلوا الجامعات وحصلوا على الشهادات الجامعية.

الزوجة أم همام تمكنت بإيمان عميق من مساندة زوجها، ولطالما طالبته بالصبر والتحمل، وأن لا يحمل همّ الأولاد والبيت فهي ستتكفل به، المهم والأهم عندها فقط أن يهتم بصحته وأن لا يحمل همّ شيء.

لأي نوع من النساء نتمي هذه، ولأي جيل من التاريخ ينتمين، وما أسباب صبرهن وتحملهن كل هذا البعد وهذه السنين أهو الحب الذي تركه أزواجهن لهن ، أم الإيمان بعدالة القضية، أم الرضا بقضاء الله وقدره.

أي شراكة في النضال والجهاد سجلنها بصبرهن كل هذه السنين، وأي نموذج ضربنه بهذا الثبات وهذا الصبر وأي أجر ينتظرهن من الله بعد كل هذا الرباط والثبات. وأي كلام يمكن أن يكتب ليوفي الصابرات حقهن.

لا يوجد كلام يمكن أن يصف المشهد، وليس هناك كلمات يمكن أن تكتب عن تلك المشاعر التي سمعناها ونحن في فناء منزل الشيخ الرائع محمد جمال النتشة من الزوجة الصابرة (أحلام شعراوي أم همام) فقط السكوت وتقديم الإعجاب أو التعجب مما سمعنا من مآثر وصبر ومصابرة.

لك الله أختنا أم همام وأجرك كبير فأنت مدرسة تعلمين الصبر وتزرعين رياحين طيبة منك تتعلم النساء الصبر ومن روحك الطاهرة نستمد القوة والعزيمة، فرج الله كرب شيخنا ولم الله شملكم وجمع بينكم وأهدأ الله بالكم.