رسالة الى الاحزاب والمثقفين ووسائل الاعلام الغربية

الجبهة الديمقراطية

في رسالة الى الاحزاب والمثقفين ووسائل الاعلام الغربية: "دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية" ترصد مواقف الدول الغربية تجاه المتضامنين الشهداء في فلسطين

 

سقطوا شهداء برصاص الفاشية الاسرائيلية .. فماذا لو كان الرصاص فلسطينيا ؟

في اطار المواكبة المتواصلة لنتطورات العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، رصدت "دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" مواقف الدول الغربية تجاه مواطنيها الشهداء المتضامنين مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وبعثت برسالة الى الاحزاب والمثقفين والى وسائل الاعلام الغربية استعرضت فيها خلفيات التضامن العالمي ونتائجه. وجاء في نص الرسالة:

شهد النضال الفلسطيني منذ فترة السبعينات اقبالا كثيفا من قبل الآلاف من مواطني مختلف دول العالم، الذين التحقوا بكافة المؤسسات العسكرية والاجتماعية التابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية. بعضهم اصبح جزءا من النسيج الاجتماعي والعائلي الفلسطيني، ومنهم من سقط شهيدا في مواجهات عسكرية وبين صفوف اللاجئين في المخيمات، ومنهم من غادر الى وطنه بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، وبعضهم من اوصى بدفنه في فلسطين او في المخيمات، كالمناضل الايطالي الذي ناضل لسنوات في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فرانكو فونتانا، الذي غادر الى ايطاليا بعد مغادرة المقاومة الفلسطينية لبنان، وعاد اليه عام 2015 ليرحل في شهر حزيران، وتم تنفيذ وصيته بدفنه في مقبرة شهداء الثورة بالقرب من مخيم شاتيلا بحضور عائلته..

بعض الذين عادوا الى اوطانهم واصلوا نضالهم بأشكال مختلفة، وآخرون نقلوا تجربتهم النضالية بتشكيل اطر سياسية ومجتمعية داعمة، لتتكرس ظاهرة جديدة اخذت بالاتساع شيئا فشيئا، وهي ان التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني لم يعد مقتصرا على فعاليات تقليديه كالتحركات الشعبية، بل ان قسما كبيرا من المتضامنين فضّل التعبير عن تضامنه مع فلسطين وشعبها في الميدان، سواء بالمشاركة المباشرة الى جانب الفلسطينيين في التحركات الشعبية المناهضة للاحتلال وممارساته ضد ابناء المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، او عبر المساهمة المباشرة في مشاريع دعم تشرف عليها وتمولها مؤسسات اجتماعية..

الانتفاضة الاولى عام 1987 كانت محطة مفصلية في تغيير نظرة بعض مواطني الدول الاجنبية تجاه النضال الفلسطيني، واخذت زيارات الاراضي الفلسطينية المحتلة تزداد شهرا بعد شهر مع تطور فعاليات الانتفاضة، وتعمقت هذه الظاهرة في انتفاضة الاستقلال عام 2000. حيث تبلورت الحركات التضامنية بشكل اكثر اتساعا وتنظيما، بعد تأسيس الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل (بي دي أس) عام 2005، بعد ان تحولت الارض الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزه الى وجهة للاحرار المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، والذين جاءوا من اكثر من 150 دولة، معلنين وفاءهم لانسانيتهم ولعدالة ما زالت غائبة عن ارض وسماء فلسطين..

وامام عظمة الشهادة والانسانية التي لا تحدها حدود، ولا تقف امامها عوائق، نقف بتقدير عال امام تضحيات كل من ضحى تحت راية النضال من اجل فلسطين ودعم شعبها. لكن ورغم هذا الشعور الانساني النبيل من مواطني دول تبعد عن فلسطين آلاف الاميال، فما زالت الدول الغربية لا تصم آذانها وتقفل اعينها فقط عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزه بشكل خاص وفي فلسطين بشكل عام، بل وتتجاهل حقوق مواطنينها الذين سقطوا شهداء في فلسطين على يد جنود الاحتلال الاسرائيلي.

ان السمة الاساسية في تعاطي الدول الغربية مع مواطنيها المتضامنين والداعمين للشعب الفلسطيني هو العنصرية والانحياز الاعمى لصالح اسرائيل. وفي كل تفصيل من هذا العنوان نجد اسرائيل حاضرة بقوة، بحيث تصبح عناوين العدالة وحقوق الانسان والديمقراطية مجرد عناوين فارغة من اي مضمون ولا قيمة لها ان تضاربت مع المصالح الاسرائيلية التي تتقدم في الالولوية على مصالح وحقوق مواطني تلك الدول، والنماذج على ذلك كثيرة.. بينما ترتقي هذه الحقوق في قضايا اخرى الى درجة القداسة عندما لا تكون اسرائيل طرفا فيها..

وكم من الازمات حصلت بين الدول بسبب انتهاك دولة ما لحقوق اجانب مقيمون على ارضها، وكم من الازمات تم تسويتها اما من خلال آليات قانونية ودبلوماسية وقضائية او من خلال اللجوء الى التعويض. لكن على مستوى استهداف الاجانب في فلسطين من قبل جنود الاحتلال الاسرائيلي الذي تعمدوا دائما قتل وجرح وعشرات المتضامنين الاجانب، فلم نسمع ان دولة غربية حركت آلية "المسؤولية الدولية" في ملاحقة اسرائيل لما ارتكبه جنودها من جرائم بحق المواطنين الاجانب.

يبرز النفاق السياسي والمعايير المزدوجة للدول الغربية في تعاطيها مع هذه المسألة بشكل يومي، كان آخرها قبل ايام. حيث برز موقفان متناقضان للولايات المتحدة الامريكية من مسألتين متشابهتين:

الاولى عثور اسرائيل على جثامين ستة من الرهائن في قطاع غزه، ومن بينهم جثة مواطن امريكي (هيرش جولدبرغ)، وقال الرئيس الامريكي في تعليقه على الخبر: "ليكن واضحا أن قادة حماس سيدفعون ثمن هذه الجرائم"، رغم ان الحركة قالت في بيان ان الاسرى قتلوا بسلاح أمريكي ومن خلال قصف اسرائيلي.. بينما كان التعاطي مختلفا مع استشهاد المتضامنة الامريكية عائشة ازغي، حيث عبر البيت الأبيض عن "الانزعاج إزاء الوفاة المأساوية لمواطنة أمريكية، وأنه تواصل مع إسرائيل لسؤالها عن المزيد من المعلومات..".

يبدو واضحا ومؤكدا ان الادارة الامريكية ليست في وارد حتى معاتبة اسرائيل على جريمتها، وقد شهدنا استشهاد عدد واسع من المتضامنين الامريكيين برصاص اسرائيلي، لكن لم يسجل ان الولايات المتحدة تعاطت مع هذه الجرائم، كما تتعاطى اليوم مع اولوية اطلاق سراح الاسرى من الجنسية الامريكية المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.. والمؤكد ان دماء المواطنين الامريكيين ليست ذات اهمية حين تسفك برصاص اسرائيلي، بل يمكن ان تشن حروب على دول وحركات ثورية بذريعة قتل مواطن امريكي، اذا كان الامر بعيدا عن الايادي الاسرائيلية، او اذا كانت الدول والحركات المتهمة على عداء مع اسرائيل او الولايات المتحدة.

ان القضية الاساس ليست في مبدأ الدفاع عن المواطنين الذين ينتمون الى دول غربية، فهذا امر يحدث بشكل يومي في دول العالم، وهناك الكثير من الاتفاقات الدولية والثنائية التي ترعى مثل هذه الامور. بل هي في الاستخدام السياسي لدماء المواطنين الغربيين، وفي التعاطي المختلف مع كل قضية تكون اسرائيل طرفا فيها، وما فعلته الولايات المتحدة في التعاطي مع استهداف مواطنيها في فلسطين وخارجها، امر يتكرر مع عدد واسع من الدول الغربية التي استهدف مواطنوها في فلسطين على يد جنود الاحتلال الاسرائيلي..

القضية الهامة التي تؤرق اسرائيل وحلفائها من الدول الغربية، هو ان حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية قد شقت طريقها، وباتت تشكل خطرا على اسرائيل وروايتها الكاذبة في الدول الغربية. وان اسرائيل، ومعها الحلف الغربي الاطلسي المدافع عنها، باتوا يخشون هذه الحركة ويأخذون تجربتها وتحركاتها على محمل الجد، كونها خطر لا يهدد اسرائيل فقط، بل ومصالح الدول الامبريالية.. لذلك، فالامر ليس تقاعسا او اهمالا عن متابعة مظلومية المتضامنين، بل ان الصمت هو جزء من رسالة من هذه الدول الى مواطنيها بأن كل متضامن مع فلسطين لن يحظى بأية حماية ان هو تعرض للاذى، وهذا ما يحدث اصلا داخل هذه الدول التي تلاحق مواطنيها بسبب تحركاتهم ومواقفهم التضامنية بتهم معدة مسبقا وفي مقدمتها تهمة "معاداة السامية".

ان "دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" وإذ تقدر وتحيي تضحيات المئات من الشهداء والجرحى من المتضامنين الاجانب الذين عبروا بدمائهم ومعاناتهم عن دعمهم لفلسطين وشعبها ومقاومتها ورفضهم للاستعمار والقهر والاحتلال الاخير على وجه الارض الذي لا زالت فلسطين تئن تحت وطأته.. فانها تدعو الدول الغربية، احزابا، وبرلمانات، ونقابات، ومؤسسات واطر مجتمعية واعلاميين وصحافيين ومثقفين الى صحوة ضمير في التعاطي مع قضية فلسطين باعتبارها قضية شعب يناضل من اجل حريته في مواجهة حركة عنصرية فاشية احتلت ارضه بدعم مباشر من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، التي تعتبر ومن خلال دعمها المفضوح للكيان الاسرائيلي شريكا كاملا في كل ما يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ اكثر من 76 عاما من حروب الابادة المتواصلة..

وإذ نحيي التحركات الشعبية التي تشهدها الولايات المتحدة الامريكية وكافة الدول الغربية، فاننا ندعو الى مواصلة فعاليات الدعم والمؤازرة للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزه والضفة الغربية، الذي يواجه احتلال عنصريا لا يؤمن سوى بالارهاب والقتل وسيلة لتحقيق اهدافه، فاننا على ثقة ان حركة الشعوب الحرة في كل العالم ستوصل شعبنا الفلسطيني الى اهدافه بالحرية وفي دولة مستقلة متحررة من الاحتلال والتبعية على ارضها المحتلة بعدوان عام 1967 وعاصمتها القدس وعودة جميع اللاجئين وفقا للقرار الاممي رقم 194.

وسوم: العدد 1095