"المناهج الجديدة".. هل بالغ الأردنيون في انتقادها؟

"دائما ما أقارن بين المناهج التي درستُها المليئة بالقصائد لعبد الكريم الكرمي والحديث عن عبد القادر الحسيني، والتي لا أجدها الآن في  منهاج بنتي، بل أجد بدلا منها دوستويفسكي وتولستوي وبوذا"؛ لم تغب المناهج القديمة عن ذاكرة إنشراح صندوقة، معلمة العلوم والفيزياء في وزارة التربية والتعليم عند وصفها المناهج الجديدة التي أثيرت حولها ضجة واسعة في الشارع الأردني، وأبدى الكثيرون استياءً واضحًا من التعديلات الطارئة عليها.

وطفت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية اقتباسات وقصاصات عدة من منهاج التربية الموسيقية والفنية والمسرحية -المستحدث لهذا العام للصفوف الخمسة الأولى-؛ احتوت سيرًا ذاتيةً لعدد من المغنيين والفنانيين الأردنيين وغير الأردنيين مثل سميرة توفيق وجوليت عواد وموسى حجازين، وعددًا من الأغاني مثل "بالله تصبوا هالقهوة" على اعتبار أنها أغانٍ تراثية عدا عن تعليم العزف على الطبل ضمن المنهاج المقدم للصف الرابع؛ وهو ما أثار حفيظة البعض بوصفه منهاجا يسعى إلى خلق جيل "تافه" وأقل انتماء لقضايا المجتمع الأردني وقيمه الإسلامية.

ووفق تصريحات صحفية لرئيس فريق التأليف لهذه المناهج رامي الحداد سبقت الضجة الحاصلة على المنهج، فإن الهدف من استحداث منهاج التربية الموسيقية والفنية والمسرحية هو نشر الوعي الثقافي والمجتمعي ورفع الذائقة الفنية عند الطلبة وأولياء أمورهم بشكل مباشر وغير مباشر، عبر تعليم الأشكال الإيقاعية والأدوات الموسيقية من القانون والمجوز وغيرها.

فتح هذا المنهاج المستحدث الباب لتفنيد كافة المناهج المطورة الأخرى واستخراج ملاحظات عليها، الذي ما لبث أن بدأ مواطنون بنشر صور لتعديلات طرأت على مناهج الاجتماعيات واللغة العربية والانجليزية التي تضمنت أيضًا الحديث عن فنانين مثل أم كلثوم وفاتن حمامة عدا عن تضمين اقتباسات لفلاسفة غربيين في مقابل حذف لكثير من الآيات والأحاديث النبوية -بحسب أولياء أمور-.

تقول المعلمة صندوقة -25 عامًا في مجال التعليم- إن ما ورد في منهاج التربية الموسيقية والفنية بسيط في مقابل التعديلات الواردة على كتب اللغة العربية والانجليزية التي تركز هي الأخرى على الموسيقى والمسرح، "الآن كتبنا العربي والدين كتير تغيرت وهي الأولى بالضجة من الموسيقى والفن". مضيفةً المناهج الحالية تسير نحو التخفيف من الآيات والأحاديث بحجة التقليل من عبء الحفظ على الطالب، وهو ما يقابله حشو مضاعف للمعلومات في مناهج العلوم لكافة الصفوف.

توقيت خاطئ

وليست المشكلة في طرح مناهج للتربية الموسيقية أو الفنية في نظر الخبير التربوي ذوقان عبيدات؛ وإنما في التوقيت الذي طُرحت فيه، في ظل الحرب المستعرة على قطاع غزة والأوضاع الاقتصادي المتردية، وتدهور المنظومة التعليمية برمتها، عدا عن عدم تهيئة المجتمع لمثل هذه المناهج وطرح أهداف واضحة لها، "في أثناء إنه الوضع الاقتصادي متدهور والمعنوية مع حرب غزة منخفضة تجي تقلهم بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل.. ثقيلة".

ويضيف المدير السابق للمركز الوطني لتطوير المناهج د. محمود مساد "أن ما ظهر خلال الآونة الأخيرة ما هو إلا عود ثقاب للمرحلة القادمة، التي ستكشف بحسب قوله عن تعديلات كارثية أخرى ستتسلل إلى كافة المناهج ما زالت في مرحلة التخطيط.

مشاكل إضافية

تصف المعلمة صندوقة منهاج العلوم المحدّث بـ "الزخم" والمليء بالمعلومات والمصطلحات والقوانين التي يعجز المعلم عن تقديمها في ظل تدهور البيئة الصفية المحيطة من قصر مدة الحصة التعليمية وقلة عدد الحصص، إضافة إلى تجاوز عدد الطلبة في الغرفة الصفية الـ 50 طالبا، وانعدام المرافق التعليمية من مختبرات ومكتبة ومراسم وغيره، "أنا كمعلمة لو لم استطع تطبيق الأنشطة الموجودة في المنهاج الجديد فماذا يعني وجودها أصلا؟".

تضيف صندوقة أن المنهاج الجديد يشكل عبئًا على المعلم الذي يسعى إلى إنهاء المنهاج لأن عدم شرح أي مصطلح أو قانون يعني تأخر الطالب في المرحلة اللاحقة لكون المناهج مترابطة في المفاهيم، مؤكدةً أن هذا الزخم أنهك المعلم والطالب  الذي بات يستشكل استيعاب كامل المصطلحات المذكورة فيه، وشغل المعلم عن دوره التربوي، عدا عن اللغة الإنجليزية التي دخلت على المناهج العلمية وشكلت تحديًا جديدًا.

لطالما شكّل التلقين والحشو مشكلة حقيقة في المناهج الأردنية وفق ذوقان عبيدات، الذي يرى أن المناهج الجديدة لم تعالج هذه المشكلة بل زادتها، كطرح منهاج الموسيقى والفن على أنه شكل منهاج ورقي بدلًا من التطبيق العملي الذي لا يمكن في ظل المنظومة التعليمية الحالية.

كانت وحدُ مناهج العلوم بحسب صندوقة تبدأ بآيات قرآنية تربط موضوع الوحدة بالدين والقيم المجتمعية، وهو ما تلاشى حاليًا -بحسب قولها-، مضيفة أن الجيل الحالي يعاني من ضعف واضح في اللغة العربية نتيجة ضعف مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية. "من خبرة سابقة، الطالب كل ما حفظ آيات وأحاديث أكثر كل ما صارت لغته أفضل، أنا الآن صار عندي مشكلة في العلوم والفيزياء إنه الطالب لا يفهم عربي مزبوط، هاي العبارة صرت أعيدها يوميا للطلبة إنت مشكلتك بالعربي مش بالفيزيا".

وتضيف المعلمة صندوقة أن المناهج الجديدة لم تحاكِ المناهج العلمية الأجنبية التي تقدم مادة لها أثر فاعل ويمكن استخدامها في حياة الطالب العملية، بل ما زالت مناهجنا "جامدة" إلا إذا حاول المعلم بطريقته وأسلوبه تفعيلها، وهو ما نفتقده هذا الأيام بحسب صندوقة، التي ترى أن الجيل الجديد من المعلمين بات مفتقدًا للمهارات الإبداعية المساعدة على تفعيل المنهاج.

أيدٍ خارجية

"بات المجتمع الأردني أوعى تجاه سعي العدو الصهيوني للتدخل في المناهج الأردنية" يقول مساد، مؤكدًا أن الكيان الإسرائيلي لطالما سعى لتجهيل الشعب الأردني بقضيته وجعله يقبل هذا الكيان المحتل كصديق وليس عدوا، مشيرًا إلى أن هذه التدخلات الخارجية بات أثرها واضحًا في كافة مناهج المنطقة العربية.

وتتفق النائب هدى العتوم مع ما قاله مساد، حيث عرضت في بث مباشر على صفحتها على فيسبوك، تقريرًا نُشر عام 2021 لرابطة ADL التي تعنى بمكافحة التشهير وتصف نفسها على أنها تعمل لرصد حملات معاداة الصهيونية في العالم؛ للتأكيد على وجود إملاءات من منظمات دولية بخصوص المناهج، فقد ورد في التقرير أن هناك نجاحات طالت المناهج التعليمية في عدد من الدول العربية عبر حذف انتقادات لليهود و"إسرائيل" من الكتب المدرسية، من ضمنها الأردن مشيرة في الوقت ذاته إلى بعض التغييرات التي ما زالت مطلوبة.

تقول النائب هدى العتوم إن المناهج الأردنية ومنذ عام 2015 تعرضت للعديد من التعديلات بتقليل الشواهد على القضية الفلسطينية ومعاداة الاحتلال الإسرائيلي والحديث عن فريضة الجهاد والغزوات، ومن ثم حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية للوصول إلى مناهج تخدم رؤية المنظمات الدولية الخارجية.

من جهته، يرفض المركز الوطني لتطوير المناهج مثل هذه التصريحات بوجود أيد خارجية تعبث ضمن تطوير المناهج، مؤكدًا عدم تلقيه أي تمويل أو منح خارجية للحفاظ على هذا المركز من أي إملاءات أو تدخلات خارجية.

مشكلة قديمة متجددة

ليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها الضجة حول المناهج الصادرة عن المركز الوطني لتطوير المناهج، بل سبقها ملاحظات أخرى بدأت منذ اعتماد دار النشر البريطانية "هاربر كولينز" لإنتاج المناهج الأردنية حيث تكفلت بتغطية نفقات الطباعة والتأليف، ما فتح أسئلة كثيرة في حينه حول التدخلات الخارجية في تأليف المناهج.

وتلاها أخطاء أخرى صدرت في المناهج الجديدة، كتضمين صورة للكنيس اليهودي في منهج التربية الإسلامية للدلالة على المسجد، والتي رد المركز في حينها بأنها "خطأ مصمم" سيتم التعامل معها، عدا عن "النوع الاجتماعي" الذي أثار انتقادات واسعة في الساحة الأردنية.

أما من ناحية الردود الإيجابية على تعديلات المناهج، فقد كان آخرها، توثيق معركة "طوفان الأقصى" في منهاج التربية الوطنية والمدنية للصف العاشر، ضمن الحديث عن تطور القضية الفلسطينية، والتي أكد الأردنيون حينها ضرورة أن تكون التعديلات على المناهج على هذه الشاكلة دائمًا.

يصف محمود مساد الضجة المجتمعية بـ "الحراك المحق" على اعتبار أن المجتمع الأردني رأى أخطاء في المناهج الجديدة وقرأ ما خلفها، ما جعله يدرك أهمية التدخل والتصدي لـ  "الدس غير البريء في الكتب" -على حد وصفه-.

في حين، يرى الخبير التربوي ذوقان عبيدات  أن المركز الوطني لتطوير المناهج أضاع فرصة ثمينة لوضع مناهج "عظيمة" تحاكي التطور العالمي مع الحفاظ على الهوية المجتمعية، "أنا أول من طالب بنقل المناهج من التربية والتعليم إلى مركز مستقل لفتح مجال للتطوير ودخول مؤلفين جدد بعيدا عن الساحة التعليمية التقليدية، لكن لم يحدث ما كان متوقعا".

رفض مطلق للتغيير

"لا مانع عندي من أن يتعرف ابني على الثقافات الأخرى بعد أن يكون المنهاج قد عمق في نفسه هويته الإسلامية" تقول المعلمة إنشراح صندوقة معلقةً على اتهامات برفض أي تحديث أو تطوير للمناهج، مؤكدة أن التطور في الرياضيات والعلوم والفيزياء مطلوب وممدوح مع الحفاظ على المبادئ والقيم المجتمعية التي وصفتها بالخط الأحمر.  

من جانبها، أكدت النائب هدى العتوم أن الانتقادات التي طالت المناهج الأردنية لا تعني عدم وجود إيجابيات فيها، بل هي للتأكيد على أن التغييرات المطلوبة هو التطوير المنضبط المبني على القيم والثوابت مع مراعاة المستجدات، مشيرةً إلى تميز أدوات العرض في المناهج الجديدة وإدماج الطالب في عملية التعليم، عدا عن الإخراج الفني وطريقة تنظيم الكتاب، مؤكدة "التقييم من أجل التجويد".

"القادم أسوأ بالنسبة لهذه المناهج، وهناك مؤتمرات وتحضيرات منذ أكثر من 6 شهور عنوانها كيف ندمج الثقافة الجنسية في المناهج، وربما شهور ونرى هذه الشبكة المفاهيمية تتخلل الكتب" يقول محمود مساد، وهو الذي عمل مديرًا للمركز الوطني لتطوير المناهج، واصفًا المرحلة القادمة التي يسير فيها المركز لتطوير المناهج، دون ذكر أي تفاصيل أخرى عن هذه التعديلات.

ما زال الشارع الأردني متخوفًا من توجهات هذه التحديثات التي تطال بحسبه ركنًا مهمًا من أركان الدولة ألا وهو التعليم، وسط مخاوف من المرحلة المقبلة وأمل بأن تشكّل الضجة الحالية فرصة للمراجعة، أمام أي تعديلات قد تخالف مبادئ وقيم المجتمع الأردني. وحول ذلك تختم المعلمة صندوقة "أريد أن يكون الصحابة وصلاح الدين الأيوبي وفراس العجلوني وعبد القادر الحسيني، هم قدوات أبنائنا وليس دوستويفسكي وبوذا وغيرهما".

وسوم: العدد 1096