نديم العروضيين المجلس الحادي عشر

سلام عليكم!

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!

طبتم مساء -يا أبنائي!- وطاب مسعاكم إلينا!

بسم الله -سبحانه، وتعالى!- وبحمده، وصلاة على رسوله وسلامًا، ورضوانًا على صحابته وتابعيهم حتى نلقاهم!

كيف حالكم، كيف أمسيتم؟

بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، ويسر لنا ولكم كل عسير، وسهل كل صعب!

اتفقنا على أن يكون هذا اللقاء مراجعة وتدريبا، وتجهّزًا للاختبار، واطمئنانا على الأعمال. أسألكم أولًا: كيف ملفاتنا؟ أكتملت أم ما زالت؟

ما زالت!

على كل ملف عشر درجات، نتسلم الملفات اللقاء القادم، في الاختبار، فإذا وجدناها كاملة، فلكل منها عشر درجات، وإلا ضاعت، لا وسط، إمّا وإمّا. ها! من كَسِل وأخَّر العمل أخذ صفرًا حتى يكمل العمل، أي وضعنا له في القائمة صفرًا هكذا واضحًا واضح الصفريَّة حتى يأتي بالعمل من اللقاء التالي أو ما بعده متى شاء، سيظل حاصلًا على صفر حتى يكمل العمل. من باب العدل جاءتني بنت بعد المحاضرة السابقة أو بعدها، فقالت: أمهلني! قلت لها: سامحيني؛ من باب العدل سأعطيك صفرًا على الملأ، حتى تكملي العمل؛ فعرفَت. هذا أولًا. هل من مشكلات في الملفات؟ ما المشكلات التي قابلتموها؟ من ضمن المشكلات أنكم أنجزتم الواجبات وفعلتم الأشياء في أوراق خارجية، والآن تستثقلون أن تضيفوها إلى الملفات، فأفضينا الآن إلى عبث، إلى أشتات من الأشياء، على رغم أنني نبهتكم من قبل المحاضرة الأولى أن افعلوا كذا كذا؛ فلم تفعلوا، فما الحل؟ الحلّ أن تجهزوها وتضيفوها إلى الملف مخرَّمةً على طريقة أوراقه؛ فأضيفوها إذن إلى الملف نفسه! هذا هو الحل. أضيفوا كل ورقة إلى مكانها مخرمة بمنتهى النظام والنظافة إلى آخره، اتفقنا؟ هذا لا بأس به، هذه ميزة الأوراق المفصلة التي على طريقة أوراق الملف، نستطيع أن نخرمها ونضيفها إلى الملف وكأنها منه، من غير خطأ، من غير خلل. طيب، وماذا عن الواجبات نفسها؟ ماذا فعلتم؟ عثرتم على القصائد المناسبة؟ ها، لم تتعثروا؟ عثرتم على قصائد الرجز مثلًا؟ من المشكلات التي تقابلكم قصائد الرجز، ها! لم تعثري لها على مثال؟ طبعا مشكلة، لأن أكثركم يتورط في الكامل يظنه الرجز، يتورط في قصائد الكامل يظنها من الرجز، وهي من الكامل، لأنه يجدها في كثير من الأحيان تجري على "دن دن ددن دن دن ددن دن دن ددن"، فيقول: ما شاء الله! عثرنا على قصيدة من الرجز، عثرنا على قصيدة من الرجز، ليفاجأ بعد قليل بـ"دددن ددن"، فيقف حيران أسفا، كيف نخرِّج؟ هذه مستفعلن تفعيلة الرجز، وهذه متفاعلن تفعيلة الكامل، و"دن دن ددن"، التي وجدها كانت مغيرة عن "دددن ددن"؛ فما الحلّ إذن؟ الحلّ أن ينقل هذا الواجب إلى واجب الكامل الذي لم يأت بعد، وأن يفتِّش عن قصيدة مناسبة للرجز كقصيدة أبي مسلم التي درسنا منها. يمكنك أن تذهب إلى قصيدة أبي مسلم نفسها -وهي أربعمائة بيت- لتأخذ منها مثلما أخذتُ أنا! عندما تعجز تستطيع أن تذهب إلى مقصورة أبي مسلم نفسها لتأخذ خمسة وعشرين بيتًا كالتي أخذتُها. طيب! كذلك من المشكلات أنكم أحيانًا تجمعون أشتاتا من الأبيات من على شبكة الإنترنت! جاءتني طالبة منذ قليل، قالت: دكتور ما هذا الكلام؟  قلت لها: أهذه قصيدة؟ قالت: نعم، قصيدة. نقلتها عن ديوان؟ قالت لا. عن شبكة الإنترنت؟ قالت: نعم. قلت لها: هذه ليست قصيدة، هذه أبيات مجمعة وكل بيتين من قصيدة، هذه أشتات مجمعة للتدريب، ليست على طريقتنا! جاءتني مثلًا مناهل، واجتهدت، وحصلت على أرجوزة، وأتعبت نفسها، وفي النهاية نكتشف أنها من مشطور الرجز، وأنها كتبت خطأً، وكل بيتين في سطر؛ فهي معذورة -وجدت كل بيتين في سطر، هكذا:

مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن

فقالت: هذه قصيدتي"، ثم اكتشفنا أنها كان ينبغي أن تكتب هكذا:

مستفعلن مستفعلن مستفعلن

مستفعلن مستفعلن مستفعلن

وكل نصف تحت النصف، لأنها مبنية على قسمه على قسمين، والتي اختارتها طبعا القصيدة التي أحببناها لبشار وذكرناها في المحاضرة:

"يَا طَلَلَ الْحَيِّ بِذَاتِ الصَّمْدِ

بِاللهِ خَبِّرْ كَيْفَ كُنْتَ بَعْدِي"!

ها! وهكذا يظل على "مستفعلن مستفعلن مستفعلن" في بيت، و"مستفعلن مستفعلن مستفعلن" في بيت، ويغيِّر من "مستفعلن" في الحشو بالخبن إلى "متَفْعلن" وبالطي إلى "مستعلن" وبالخبل إلى "متعلن"، وفي الضرب بالقطع إلى "مستفعلْ" وبالخبن والقطع (الكَبْل) إلى "متفعلْ"، وهكذا. طيب! ومن المشكلات المعروفة أن تعجزوا عن قراءة الكلام، فتخربوا التخريج، وسترون هنا من خلال حل هذا الاختبار بيانا عمليا لهذا الأمر؛ فانظروا معي، هذا الاختبار الذي أرسلته إليكم.

*****

أبو دلف الخيرات أنداهم يدا وأبسط معروفا وأكرم محتدا تراث أبيه عن أبيه وجده وكل امرئ يجري على ما تعودا وغيث تألفه نوؤه فألبسه غللا أربدا تظل الرياح تهادى به إذا ما تحير أو عردا كان الشباب لمة أزهى بها وصاحبا حرا عزيز المصطحب إذ أنا أجري سادرا في غيه لا أعتب الدهر إذا الدهر عتب كأن الناس جسم وهو منه موضع القلب إذا سالم أرضا غنيت آمنة السرب ألا رب هم يمنع النوم دونه أقام كقبض الراحتين على الجمر بسطت له وجهي لأكبت حاسدا وأبديت عن ناب ضحوك وعن ثغر خذها إليك من مليء بالثنا لكنه غير مليء بالنشب وأثو في الأرض أو استفزز بها أنت عليها الرأس والناس الذنب أعطيتني يا ولي الحق مبتدئا عطية كافأت مدحي ولم ترني ما شمت برقك حتى نلت ريقه كأنما كنت بالجدوى تبادرني

خَرِّجْ خَمْسَةَ أَبْيَاتٍ مِمَّا أَمَامَكَ، فِي عِلْمِ الْعَرُوضِ، تَقْطِيعًا، وَتَوْقِيعًا، وَتَفْعِيلًا، وَتَوْصِيفًا!

*****

وهو الذي اختبرت به دفعة محمد الحسني ونوح اللويهي ومن إليهما، تخرَّج نوح، وما زال محمد، وهو الآن في مجلس الطلاب الاستشاريّ. طالب ممتاز طبعا، وقد فاز بجائزة اختبار المنتصف، لكنه في اختبار المنتهى كان قد أهمل القافية فحصل في النهاية على أَلِف ناقص، نعم؛ هذا الذي كُرِّم في المنتصف، وحصل على الهدية حصل في النهاية على ألف ناقص، فجاءني يقول: دكتور كل تقديراتي ألف (ممتاز) إلا تقدير مقرر العروض، قلت له: قد قصّرت في هذا، ولا حل، مستحيل أن أغير تقديرك! لقد أهمل القافية، وارتبك، وضيع على نفسه درجات من القافية -أعجزه تمييز أجزاء القافية، وتسميتها، والانتباه إليها كما سنرى- بعد أن اعتمد على براعته في الوزن، ولمسائل الوزن ثلاثون من خمسين، والعشرون لمسائل القافية (تحديدها، وتمييز أجزائها، وتلقيبها وكذا)، نسأل في القافية أربعة أسئلة -طيب!- ولكنني لا أريد منك في اختبار المنتصف إلا أن تخرج خمسة أبيات بالتقطيع والتوقيع والتفعيل والتوصيف، لا أريد أكثر من هذا. وهل الأبيات أكثر، يا أستاذ؟ طبعا، ربما كانت عشرة، وربما كانت أكثر، ولا نريد منها إلا خمسة؛ فاختر الخمسة بحيث تكون متأكدًا من أنك أتقنتها تمامًا مئة من المئة، لترتاح أولا، وبعد هذا إذا أردت أن تضيف فافعل؛ فأنت حر، لم أطالبك إلا بهذا، ومن أضاف تحمل نتيجة إضافته! سيخرج بعضكم الأبيات كلها من أولها إلى آخرها تمييزًا لنفسه؛ ولا بد للعالم أن يميز نفسه -وطالب العلم هو العالم- لا بد للعالم أن يقول: أنا عالم -"رجل يدري ويدري أنه يدري، فهذا عالم فتعلموا منه"!- لا بد للعالم أن يعرف أنه عالم وأن يُعلم الناس أنه عالم، لا من باب التكبر لا بل من باب الاستعداد لإجابة الأسئلة. كان لنا أستاذ يجلس إلينا بعد الصلاة فيقول: اسألوني! وكان فاضلا متواضعا -رحمه الله!- مرّ في حياته بمراحل، كان ضابطًا في الجيش، وكان تجاريًّا، وكان كذا، إلى أن تفقَّه على خاله وكان من فقهاء الشافعية الكبار، ثم جلس يفتي الناس في المسجد، فكان من أروع من رأينا، واسمه عبد السلام العيسوي _رحمه الله!- كان شيخ الجزيرة التي نعيش فيها، وكان يقول بعد الصلاة: اسألوني! هل يتكبر؟ لا، بل هو رجل عالم، يعلم أنه عالم، ويريد أن ينشر علمه؛ فهو يقول: أنا عالم؛ فاسألوني! طيب! فهذا الشاب في الاختبار يقول: أنا عالم، وسأخرّج لك كل هذا، لا يصعب عليّ! ويفعل، ويتقن أحيانا. لكن هناك من لا يعلم، ولا يعلم أنه لا يعلم -ههه!- هذه مصيبة! فهذا جاهل فنبهوه، أو فاضربوه! هناك روايات مختلفة، يجوز أن تضربه -إن شاء الله!- ولا بأس عليك؛ هو جاهل ويدعي أنه عالم؛ فاضربوه، يستحق الضرب: من علمك هذا؟ أنا علمتك هذا؟ لا، أنا علمتك ألا إلا إذا كنت موقنا من علمك، فأما أن تتزيد وتتدلل علينا فهذا دلال لا نطيقه كما قال الحلاج، هذا دلال لا نطيقه -ها!- هذا دلال لا نطيقه! طيب، ماذا نفعل في هذه المصيبة؟ نفك الخط أنا تعمدت أن آتي بالاختبار على هذا النحو لكي لا تجد ما تعتمد عليه إلا ثقافتك فقط، لا حل، لا تقسيم ولا ترقيم ولا تشكيل ولا مساعدة ولا أي شيء، إلا ما حصّلت في عمرك الطويل من علم بالعربية وما حصلته في محاضراتنا من علم بالعروض، نبدأ أولا بالاعتماد على علمنا باللغة نفك الخط، حتى إذا ما مضينا اعتمدنا على علمنا بالعروض، وأكملنا هذا بذاك وأتممنا العمل. من يقرأ؟ من يفك لنا الخط؟ كلام صعب، كلام صعب، ها، نورة!

أَبُو دَلَفُ الْخَيْرَاتِ أَنْدَاهُمْ يَدَا وَأَبْسَطُ مَعْرُوفًا وأَكْرَمُ مُحْتَدَا

ها! أخطأت ثلاثة أخطاء، بعضها يَكْسِر، وبعضها لا يَكْسِر، "مُحتدا" هي "مَحتِدا"، والمحتد الأصل. ستقول مناهل: ستحاسب على هذا! سهلة -إن شاء الله!- سهلة، لكن في التمييز بين الأوائل أحاسب. الأمور سهلة -إن شاء الله!- طيبة، كما تقولون في العمانية. "مُحتدا" و"مَحتِدا" ذوا وزن عروضي واحد، لكنني أريد طبعا أن تعرف أنها "مَحتِدا"، لا أريد أن تحرف الكلمة. ومبدئيا مازلنا على الطريق، ولا بأس، لكن إذا جئنا إلى الأوائل من باب التمييز فمستحيل أن أسوي بين من قال: "مُحتدا"، ومن قال: "مَحتدا"، مستحيل؛ هذا يعرف، وهذا لا يعرف، هذا يخبط، نورا الآن تخبط خبط عشواء "من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم"، ها! كذلك في الأول، ماذا قلتِ في الأول، أخطأت ثلاثة أخطاء. هذا لا يكسر، وبعضها كذا، نورة ممتازة، لا بأس بها، من خلال ما استمعنا إليه منها، لكن هذه الأمور ينبغي ألا نتعجلها، طبعا بعد أن تمضي نور من الأول إلى الاخر ستختار ما هي متأكدة ألفا من المائة، لتكتبه، وتحرره، وتقدم به، الإجابة. ها، لا تورطوا أنفسكم فيما لا تعرفون! ها، أعيدي! وأبو دُلَف -هذا اسمه- رجل مشهور في ثقافتنا -ها!- من الأمراء الممدوحين المعروفين، وفيه أبيات العَكَوَّك المشهورة:

"إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دُلَفٍ بَيْنَ بَادِيهِ وَمُحْتَضَرِهْ

فَإِذَا وَلَّى أَبُو دُلَفٍ وَلَّتِ الدُّنْيَا عَلَى أَثَرِهْ"!

كلام من أروع الكلام! ونورو طبعا لا تعرف أبا دلف، لكن فلانًا يعرف؛ ففلان هذا أحسن منها! طيب، كيف أعرف، يا أستاذ؟ أين الأوراد اليومية من كتب الأدب؟ أين أورادكم بعد الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، من كتب الأدب أين؟ لا وقت -يا أستاذ!- ننام بعد الفجر، وننام بعد الظهر، وننام بعد العصر، وبعد المغرب والعشاء، يعني نقسم نومنا على الصلوات، الحمد لله، لله الحمد والشكر! ناموا إذن تصحوا:

"نَامُوا تَصِحُّوا نِعْمَ نَوْمُ الْمَرْءِ فِي الْكُرَبِ الْجِسَامِ"!

أو كما قال الجواهري، لكن فلانًا هذا يجلس ليقرأ كذا بعد الفجر وكذا بعد الظهر وكذا وكذا، كيف نسوي بين هذا وذاك؛ "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، "لا يستوون"؛ صدق الله العظيم! "أَبُو دُلَفِ الْخَيْرَاتِ"، وأضاف الرجل إلى الخيرات، كما قالوا في مصعب الخير. ثم "أَنْدَاهُمْ"، تكسر الوزن -قلت لك: بعض الأخطاء لا يكسر، وبعضها يكسر- فهي "أَنْدَاهُمُ يدًا". طبعا تقولين: "يدًا" في المحاولة الأولى، و"أَبْسَطُ مَعْرُوفًا وَأَكْرَمُ مَحْتِدَا"، تقولين: هي إذن "مَحْتِدَا" غير منونة، فتعودين لتقولي: "يَدَا"، حتى تزيني البيت على أساس أنه مطلع أو شبه مطلع مِن الذي يزين، من مطالع القصائد التي تزين بتشبيه آخر الصدر بآخر العجز وزنًا وقافية؛ فلهذا تعودين لتقولي: "أَنْدَاهُمُ يَدَا"، لا "يَدًا"، لأنك تقولين في آخر البيت: "وَأَكْرَمُ مَحْتِدَا"، لا "محتدًا"، وهكذا، أكملي!

تُرَاثُ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَكُلُّ امْرِئٍ يَجْرِي عَلَى مَا تَعَوَّدَا

الله! كلام سليم مئة من المئة، لا خطأ؛ هذا جدير إذن بأن يُبنى عليه تخريج عروضي سليم. أكملي!

وَغَيثٌ تَأْلَفُهُ نُوؤُهُ فَأَلبَسَهُ غِلَلًا أَربَدا

تَظَلُّ الرِياحُ تُهادي بِهِ إِذا ما تَحَيَّرَ أَو ...

مسكينة! هذه التي قرأت هذا فلم تخطئ، قرأت هذا فلم تصب؛ سبحان الله! ابن آدم! والحر يعجز لا محالة! مهما كان الواحد! "عرفت شيئا وغابت عنك أشياء"! وأنا كذلك أعرف بعض الأشياء وأجهل بعضها، كلنا هذا! طيب، ما الحل في هذا؟ الحل أن تتأنَّيْ، وأن تفتشي عن أي شيء يساعد على القراءة، وأن تتذكري، ولا تتسرعي؛ فإن استحال الأمر في الآخر تركت اختيار هذا البيت إلى ما أنت مطمئنة إليه، لا تبني على باطل. ما هذا الكلام؟ يبدو أن الرجل يتكلم عن غيث، والغيث معروف، والواو واو "رب" في أول الكلام، و"غيث" على مثل "وليل كموج البحر"، "وَغَيْثٍ" -ها!- ما لهذا الغيث؟ "تَأَلَّفَهُ نَوْؤُهُ"، النوء المنزلة التي تنزل فيها النجوم ويعرف وقت المطر؛ فكأن هذه المنزلة تتألفه تتحبب إليه تريد أن تعطفه على نفسها كما يتألف هو قلوب الناس بالهدايا -كلام كبير هذا!- "وَغَيْثٍ تَأَلَّفَهُ نَوْؤُهُ" -يا ربي على الكلام الجميل!- "تَأَلَّفَهُ نَوْؤُهُ"! تقرب إليه، وألف قلبه، وجذبه لنفسه! "تَأَلَّفَهُ نَوْؤُهُ فَأَلْبَسَهُ غَلَلًا أَرْبَدَا"، الغلل الثوب، والأربد المغبرّ. متى نُقَدِّر أن المطر سيهطل؟ إذا ما اغبر، ثم اسود، ثم كذا؛ فسبحان الله، كأنه يتألف قلب الغيث بتكثيف الغبرة إلى الاسوداد حتى يهطل.

وَغَيْثٍ تَأَلَّفَهُ نَوْؤُهُ فَأَلْبَسَهُ غَلَلًا أَرْبَدَا

تَظَلُّ الرِّيَاحُ -طبعا أصابت هذه- "تَظَلُّ الرِّيَاحُ..."؟ "تَهَادَى"، يستحيل أن تقرئيها "تُهادِي" مثلا، لأننا لم نضع نقطتين؛ فهذه إذن ألف مقصورة -ها!- كيف نقول إذن: "تُهادى"؟ "تُهادى" ضعيف جدا هذا، "تَهَادَى"، وأصله "تَتَهَادَى"، تتمايل، انظروا إلى الرياح كيف تتمايل بالغيث! يا سلام!

تَظَلُّ الرِّيَاحُ تَهَادَى بِهِ إِذَا مَا تَحَيَّرَ أَوْ عَرَّدَا

"عرَّد" مال، "تحير أو عردا": أين أهطل -يا ربي- أين أهطل؟ والرياح تميل به يمينا ويسارا، يميل وتميل.

"لَيْلَى عَلَى دِينِ قَيْسٍ فَحَيْثُ مَالَ تَمِيلُ

وَكُلُّ مَا سَرَّ قَيْسًا فَعِنْدَ لَيْلَى جَمِيلُ"!

طبعا لم تعرف هذا، لم تحسنه لكن عرفت بعضه دون بعض، تتأتى، تعيد النظر، تجتهد. اعتمدت على لغتها، فلم تنفعها تمامًا؛ فاعتمدت على العروض، فساعدها، وتظل هكذا تستعين بهذا على ذاك، وبذاك على هذا، حتى تكمل النظر، لكن ستجد طبعا أمورا أحسن من هذا تختارها، لكن الذين يُدلّون بأنفسهم ينبغي أن يحذروا وأن يراجعوا وأن يتأنوا، أما مِسْعِد مثلًا، أما فلان فسيختار ما هو موقن منه ألفا من المئة، أكملي!

كَانَ الشَّبَابُ... ها! صعبة هذه، كيف تقرئينها؟

... لمة...

لِمَّة، واللمة الشعر النازل إلى الكتف، ها! "كَانَ الشَّبَابُ لِمَّةً...

... أَزْهى

لا، عند العرب يقولون: أُزْهَى، يقولون: زُهِيَ يُزهى، أنا أُزهى أي أعجَب. "كَانَ الشَّبَابُ لِمَّةً أُزْهَى بِهَا"، ها!

... وَصَاحِبًا حُرًّا عَزِيزَ الْمُصْطحِبْ

"عزيز المصطحِب"، من الاصطحاب أي الصحبة. انظروا إلى نورة لم تنتبه إلى الخطأ الذي وقعت أنا فيه، هذه الألف خطأ هنا، لا، هي أحسنت، أنا أسأت! لكن انظروا، يبدو أن الأمر فرض نفسه، أن الصواب فرض نفسه وأعماها عن خطئي، أغفلها عن خطئي؛ فلم تنتبه إلى أنني وضعت ألفا خطأ هنا: "عزيزا المصطحب"، هذه خطأ؛ "عزيز" مضاف، و"المصطحب" مضاف إليه؛ فقرأتها صوابا قالت:

كَانَ الشَّبَابُ لِمَّةً أُزْهَى بِهَا وَصَاحِبًا حُرًّا عَزِيزَ الْمُصْطَحَبْ

أي عزيز الصحبة، أي: "ليت الشاب يعود يوما"، ها!

إذ أنا أُجْرَى...

هذه كذلك خطأ، "أَجرِي"، ما هذه الأخطاء؟ نعوذ بالله! يتكلم عن نفسه في أيام الشباب! يا جماعة، إذا حدث أن أخطأت أنا لم أكلفك عبء هذا الخطأ، وكافأتك على المضي، أي لم أنقص منك ما جره عليك هذا الخطأ، بل كافأتك على تصحيح ما أخطأ فيه الأستاذ. المفروض أنه يتكلم عن نفسه، فيقول: في أيام الشباب -ها!- إذ أنا أجري سادرًا في غيّ الشباب، أي راكبًا رأسي، "إذ أنا أجري سادرًا في غيه"، في ضلاله، ها، أكملي!

... لَا أَعْتِبُ الْدَّهْرَ؟

طيب! من يقرأ "إِذَا الدَّهْرُ عَتَبْ"، يعود ليقرأ البيت، فيقول: يا سلام! أين أيام الشباب حينما كنت أركب رأسي وأجري في الضلال، لا أعبا بشيء، "لَا أُعْتِبُ الدّهر"، ما معنى "أُعْتِبُ"؟ أزيل العتب، إذا عتب عليَّ الزمان -يقصد أبناء الزمان طبعًا وماذا يفعل الزمان بالنّاس لا شيء الذي يفعل أبناء الزمان- إذا لامَنِي أبي -لامتني أمي، لامني أصحابي- لم أعبأ. كنت في الشباب، والشباب شعبة من الجنون -هذا كلام رسول الله، صلى الله عليه، وسلم!- الشباب شعبة من الجنون، لا يبالي في شبابه. انظروا كيف نعتمد على ثقافتنا في فك الخط!

إِذْ أَنَا أَجْرِي سَادِرًا فِي غَيِّهِ لَا أُعْتِبُ الدَّهْرَ إِذَا الدَّهْرُ عَتَبْ

لا أعبأ، لا أعبأ بإرضاء الناس أصلًا، لكن إذا ما شِخْتُ اعتنيت بالناس أكثر، صرت حريصًا على رضا الناس، حتى يساعدوني في شيخوختي، لكن في الشباب أعتمد على شِرَّة الشباب! وعندنا كذلك شيء: "عتب"، وقفت عليها بالسكون، لماذا وقفت بالسكون؟ لأنها لو كانت مفتوحة لوضعنا ألفًا: "إذا الدهر عتبا"، إضافة إلى شيء، أنها أحسّت أن هذا تكملة ذاك؛ "كان الشباب لمة أُزهَى بها وصاحبًا حرًّا عزيز المصطحبْ" -لم تقل: "المصطحبِ"، أحسَّت بأنها لو قالت: المصطحبِ، لتجاوزت حدود الوزن، وهذا صحيح. هي تعلمت شيئًا من العروض أصلًا، ليست مبتدئة، تعلمت شيئًا؛ فهي تعرف حدود الأشياء التي إذا ما تجاوزتها أفسدت، فوقفت: "... عزيز المصطحبْ"- ثم شفعته بأخيه "إذْ أنا أجري سادرًا في غيِّه لا أُعتب الدهر إذا الدهر عتب". أكملي!

كأن الناس جسمٌ وهـ    ــو منه موضع القلب

الله! كلام سليم مئة من المئة!

إِذَا سَالَمَ أَرْضًا...

أكملي!

إِذَا سَالَمَ أَرْضَا...

" إِذَا سَالَمَ أَرْضَا"! ما "أرضَا" هذه، إن شاء الله؟ فعل ماض؟ لو كانت فعلًا لكتبناها ألفًا يائيًّة! اسم؟ لماذا منعته من التنوين إذن؟ أهو في آخر بيت؟ أهو في آخر صدر زُيِّن مطلعه بتشبيه آخر الصدر بآخر العجز؟ لا هذا ولا ذاك ولا ذلك! ينبغي أن يكون إذن: "إِذَا سَالَمَ أَرْضًا"، ها، ماذا يحدث؟

... غَنَّيْتُ...

... غَنَّيْتُ...

... غَنَّيْتُ آمنة...

"إذا سالم أرضًا غَنَّيْتُ آمنة"، ما هذا الكلام؟ "إذا سالم"، هذا يبدو أنه يتكلم عن شخص تكلم عنه في الكلام السابق، ماذا قال: "كأن الناس جسمٌ"، وهو من هذا الجسم "موضع القلب" -ها!- ثم يرشح، يزيد: "إذا سالم أرضا"...

... غَنِيَتْ...

أحسنت! غَنِيَتْ -إذا سالمها- غَنِيَتْ، ها!

... آمِنَةَ السِّرْبِ

"من بات آمنًا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها"! فهذا الرجل جبّار، إذا سالم أرضًا غنيت آمنة السرب، لكن إذا حاربها دمّرها تدميرا. أكملي!

أَلَا رُبَّ هَمٌّ يَمْنَعُ النَّوْمَ...

"أَلَا رُبَّ هَمٌّ"، ها! و"رُب" حرف جر، فتقول" رُبَّ همٌّ"!

... يَمْنَعُ النَّوْمَ...

"ألَا رُبَّ هَمٍّ"، ستقول لي نورة: خطأ لا يكسر الوزن! طيب! ها، من سكت على مثل هذا تورط في أبشع منه، أَلَا رُبَّ هَمٍّ...

... يَمْنَعُ النَّوْمَ  دُونَهُ أَقَامَ كَقَبْضِ الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الْجَمْرِ

جميل جدًّا! لم تخطئي إذن إلا في حكاية "هم" هذه.

"ألَا رُبَّ هَمٍّ يَمْنَعُ النَّوْمَ  دُونَهُ -يمنعني من النوم- أَقَامَ -هذا الهم- كَقَبْضِ الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الْجَمْرِ"، جميل! أكملي!

بَسَطْتُ لَهُ وَجْهِي لِأُكْبُتَ حَاسِدًا...

... لِأَكْبُتَ!

... لِأَكْبُتَ...

هي "أَكْبِت" في العربية، لكن نورة لا تعرف، معذورة، وربما لم تعرف أنه "كبَت يكبِت"، لا "كبَت يكبُت"، كيف نعرف هذا، يا أستاذ؟ ألا تقرؤون الكلام العربي، ألا تقرؤون القرآن الكريم والشعر النفيس، والنثر الشريف؟ أليست لكم أوراد بعد الصلوات كل يوم في الإجازة وفي الدراسة كلما تيسر؟ أم تظنون أن السماء تمطر لغة وشعرًا وقرآنا وكذا! إن السماء لا تمطر لغة ولا شعرًا ولا معاجم ولا كذا، لا، كله بعمل يدك، هذه مشكلة، ولا سيما هذه المشكلة، ضبط الثلاثي من أصعب ما يكون: "كَبَتَ يكبِت" أم "كبت يكبُت"، "يكبِت"، ها! بسطت له وجهي...

... لأكبِتَ...

لأكبته، لأقهره، أي على رغم أنني مهموم تظاهرت بالسعادة لأكبت حاسدًا، ها!

...وأبديت عن نابٍ ضحوكِ...

"ضحوكِ"! لماذا "ضحوكِ"؟ "ضحوكٍ" مصروفة عادية، "عن نابٍ ضحوكٍ"...

 ... وَعَنْ ثَغْرُ

"وَعَنْ ثَغْرُ"! طبعًا التي قالت: "رُبَّ همٌّ"، تقول: "وَعَنْ ثَغْرُ"، تقول هذا وأسوأ منه! ها! عن نابٍ ضحوكٍ...

... وعن ثغرِ

"وَعَنْ ثَغْرِ"، جميل -يا نورة!- "بَسَطْتُ لَهُ أي للحاسد أو للهم -سامحيني!- بسطت له وجهي -تظاهرت بأنني سعيد، وأنا مهموم- لأكبت حاسدًا وأبديت  عن نابٍ ضحوكٍ وعن ثغرِ". أرأيتِ؟ إذن هذا البيت أخو السابق، يُكْمِلُهُ، لكن لا تتوقعوا هذا دائمًا، بل كونوا على حذر، فأحيانًا يكون هذا التالي أخا السابق، وأحيانًا لا يكون. ها، أكملي!

خُذْهَا إِلَيْكَ مِنْ مَلِيءٍ بِالثَّنَا لَكِنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ بِالنَّشَبِ

"بالنشَبِ" -ها!- هكذا تُحِسِّين، "بالنشَبِ" -ها!- "خذها إليك من مليء بالثنا -أي بالثناء عليك- لكنه غير مليءٍ..."، هذه طبعًا كلمةٌ غريبة، النَّشَب المال وما يملكه الإنسان، يبدو أنه من العلوق بالشخص، أو من علوق الشخص به، نشِب به ونشَب نشِب ينشَب نشبًا وكذا، فالنشب المال، الأملاك، يقول: خذ هذه القصيدة، خذها إليك من مليء بالثناء عليك، بالثنا، لكنه غير مليء، إذا قال: "بالنشبِ"، خرج من حدود الوزن، تذكرون "المصطحب" المذكورة آنفا، وستعرفون سيتأكد لكم بالتدقيق، لكن من تمرن منكم كثيرًا عرف سريعًا، ومن لم يتمرن كثيرًا احتاج إلى المحاولة بعد المحاولة؛ فانتبهوا إلى هذا: من تمرن كثيرًا أجاب سريعًا، ومن تمرن قليلًا وجب أن يتأنى كثيرًا ليُعوّض عدم التمرن، لا حل إلا هذا. ها! "لكنه غير مليء...

... بالنشبْ

بالنشبْ"، ها! صعبة هذه عندنا في العربية "ثوى يثوي"، ما معنى "ثوى يثوي"؟ أقام يقيم، ولكنها للموتى غالبًا، ثوى في الأرض، مات، وكذا. طيب! هذا "ثوى"، وأنا أَثْوَيْتُهُ، أي جعلته يثوي، إذن هو ذهب وأنا أذهبته، هو قام وأنا أقمته، هو جرى وأنا أجريته، فهو هنا يقول: وَأَثْوِ فِي الْأَرْضِ...

... أَوِ اسْتَفْزِزْ بِهَا أَنْتَ عَلَيْهَا الرَّأْسُ وَالنَّاسُ الذُّنَّبِ

"ذُّنَّبِ"! جئت إلى أسهل بيت، "وأثو في الأرض" -هذه هي الصعبة- "وأثو في الأرض"، وقرأتِ "استفزز" -ما شاء الله!- "أو استفزز"، طبعًا أخذتِها من القرآن الكريم (اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) -هذه معروفة من القرآن- ما معنى "استفزز"؟ أَثِرْهُم، أقمهم، أطلقهم، اجعلهم يخرجون للقتال، "وأثو في الأرض" -اجعل من شئت يقيم- أو استفزز -اجعل من شئت يرحل- "أنت عليها الرأس والناس الذَّنَبْ". ما عكس الرأس؟ الذَّنَب، كيف تقولين: أنت عليها الرأس والناس الذَّنْب؟ كان ينبغي له عندئذ أن يغير كلمة الرأس فيقول: أنت عليها الخير مثلًا، أو أنت عليها الثواب والناس الذنْب، أنت عليها الإحسان، لكن "أنت عليها الرأس والناس الذَّنَب"، بديهية هذه، أكملي!

أَعطَيتَني يا وَلِيَّ الحَقِّ مُبتَدِئًا...

ماذا أعطيتني؟

... عَطِيَّةً كافَأْتُ مَدحي وَلَم تَرَني

"كَافَأْتُ"! "أنا كافأتُ"، أنا المُعْطَى لا المُعْطِي.

...كافأتَ...

"عطيةً كافأْتَ"، ما قولك في هذا الوزن؟ هي علي أي حال واردة مبدئيًّا، أعيدي: "أعطيتني يا ولي الحق مبتدأ -أي من قبل أن أطلب- عطيةً كافأْتَ بها مدحي ولم ترني"، ما قولكم؟ أما المتدربون فيقولون سريعًا، أما المتدربون فيقولون سريعًا، ها! "أعطيتني يا ولي الحق مبتدأ عطية...

... كَافَأَتْ

هذا هو، "عطيةً كافأَتْ" وهو وارد مع ذاك، يجوز له أن يقول: كافأتَ بها مدحي، وأن يقول: العطية نفسها كافأَتْ مدحي؛ فما الفيصل إذن؟ استقرار الوزن، وهو لا يستقر بـ"كافأتَ"؛ أرأيت الحِيَل؟ ونظل نحُور وندُور طوال الاختبار على هذا النحو، أكملي: ولم...

... تَرَني

"وَلَمْ تَرَنِي"، سبحان الله! فعلت بهذا ولم ترني، هذا من إحسانك، أكملي!

... ولم ترني

ما شَمَتَ بَرقِكَ حَتّى نِلتَ ريقَهُ كَأَنَّما كُنتُ بِالجَدوى تُبادِرُني

طبعا أخطأت هنا عدة أخطاء، منها ما يكسر الوزن، ومنها ما لا يكسره، والسكوت على ما لا يكسر باب الوقوع فيما يكسر. يبدو أن هذا البيت تكملة السابق، وببعض التأني نفك خطَّه. "أعطيتنيَ يا وليَ الحقِّ مبتدئا"، يبدو أنه يكلم الخليفة؛ فهو الذي يسمى "ولي الحقِّ"، أعطيتني يا وليَّ الحقِّ مبتدئا -من قبل أن أطلب- عطية كافأت مدحي ولم ترني"، ثم يكمل، هذا طبعًا كلام صعب، يحتاج إلى معرفة، من أين نأتي بها؟ إن السماء لا تمطر معجمًا، ولا لغة، ولا كذا، "ما شِمْتُ بَرْقَك"، شام البرق يشيمه أي تتبعه حتى يعرف متى سينزل الغيث، فتتبع البرق يسمى الشيم خاصة، شام البرق تتبعه -ها!- حتى  يعرف ما حال الغيم، وأين سيمطر؟ فله فعل خاص، للبرق فعل خاص، لتأمله، يقال: شام البرق، فهو يتكلم عن نفسه: "ما شمت برقك"، أي ما تتبعت مسار عطيتك حتى نلتها فورًا، ما شمت برقك حتى نلت، ثم تأتي كلمة صعبةٌ أخرى...

... رِيق...

"رِيق" لا، "رَيِّقَه"، والرَيِّق الأول، "ما شمت برقك حتى نلت رَيِّقَهُ"، لم أطل التتبع، فورًا نزل علي الغيث فورًا، المفروض أن الشخص يسكت، يتتبع: ها! بدأ البرق، زاد، انتقل، كذا، كذا، بقيت ساعة. لا، لم أبدأ حتى جاءتني العطِيَّة، نزل الغيث، "ما شمت برقك حتى نلت ريقه"، كأنما كنت بالجدوى أي العطية، ها، ما معنى تبادرني؟ تسابقني يعني أنت -سبحان الله!- لم تنتظر حتى أطلب، كأنك تسابقني، تسابق رغبتي أصلًا، تحرص دائمًا على أن تسبق طلبي ورغبتي، ما هذا الكرم؟ طبعًا كلام عرَفْنَا بعضه وجَهِلْنَا بَعْضَه، عرفنا قليلًا وجَهِلنا كثيرًا؛ فما مقتضى الحكمة؟ الحكمة أن نتتبع ما عرفنا، ونتجنب ما جهلنا. عندك أبيات كثيرة طلبت منك فيها خمسة فقط؛ فلماذا تورط نفسك فيما لا تعرف؟ لكن مبدئيًّا يجب أن تقرأ كما قرأنا، وأن تعود لتقتطع البيت بعد البيت، لتضع الفواصل، شَكِّل على الصفحة، شكل هنا، شكل هنا، ثم ضع الخطوط هنا، ثم أنزل البيت بعد البيت إلى أسفل، أو قبل أن تختار، طبق على هذا الكلام قبل أن تختار. ها، هيا فلنبدأ، ها! نغني الآن، قرأنا، واطمأننا بالقراءة كما كنا نفعل في المحاضرات، قرأنا، وحاولنا أن نضبط قدر الطاقة، أخللنا  ببعض الأشياء، وبمشيئة الرحمن سيساعدنا التغني على ضبط ما بقي. ها، فلنتغنَّ، وفي الاختبار تدندن مع نفسك هكذا بإصبعك، لكي لا يسمعك أحد، هناك غش معروف، غش الأصابع معروف، في الاختبارات عندنا غش اسمه غش الأصابع، هكذا يسمع الدندنة فلانٌ فيلتقط الحبل، لا هذا غش، حرام حرام، وما بني على الحرام فهو حرام!

يشعل لك الفتيل، فتنشئ القصيدة.

نعم!

يشعل لك الفتيل فتنشئ القصيدة.

الله! يشعل لك الفتيل فتنشئ... ، فتحل الاختبار!

استغلال.

تأخذ منه أول الخيط بالإيقاع، هذا غش الأصابع هذا، ها لكن مع نفسك ماذا تفعل؟ ماذا نقول؟

ما هذا ما هذا؟ هل سيستقيم على هذا؟

انكسر.

ما هذا؟ ما هذا؟ نحن إطارنا معروف -يا عمر- المتقارب "ددن دن، ددن دن، ددن دن، ددن دن"، المتدارك "دن دن دددن دن دن دددن"، الهزج "ددن دن دن ددن دن دن"، الطويل "ددن دن ددن دن دن ددن دن ددن دن دن"، البسيط "دن دن ددن دن ددن دن دن ددن دن ددن"، لن أختبرك إلا في هذه الستة فقط، وينبغي ألّا آتي، المفروض منطقيًّا ألّا آتي بشيءٍ من غيرها، لأنه سيفسد علينا العمل. وفيما بعد -إن شاء الله- بعد أن تتعلم العروض كله، تواجه بكل شيء، لأنك لا تدري في أي شيء ستُسأل، يسألك أي واحد في الشارع تقابله أو في أي مكان: خرِّج لي هذا البيت؛ فعليك أن تكون قد عرفت كل شيء حتى تتعرض للفتوى، لكنك الآن في مرحلة وسطى؛ فأنا الآن أسالك فيما درّست لك فقط، في ستة الأبحر؛ فهذا إما من هذا، أو ،ذاك أو كذا، أو كذا، إلى آخر الستة فقط.  فالذي قاله عمر (ددن دددن ددن دددن)، هذا من خارج الستة، هذا الوافر مفاعلتن مفاعلتن، ها!

أحسنت لكن أحب أن تحافظ على اللحن؛ "ـرَ مُحْتِيدَا" هذه التي تقول، هي " ـرَ مُحتِدا" أحسنت! انظروا إلى فيصل، ها، ثم ماذا؟

الطويل.

طبعًا الطويل، تسمية البحر هذه عندي في الآخر، هل ذكرتها لك؟ هل طلبتها منك؟ ها! ما الذي طلبته منك هنا؟ "... تقطيعًا توقيعًا تفعيلًا توصيفًا"، فقط! من أراد أن يذكر فليذكر، وهذا طبعًا من تمام العلم! إذا أردنا أن نميز في الأعلى بين الممتازين، هذا عرف وهذا لم يعرف، هذا أضاف الاسم صوابًا وهذا أضافه خطأ، وعلى هذا الأساس نميز. لكن مبدئيًّا من أجل الحصول على خمسٍ وعشرين لم أطالبك بتسمية البحور، لم أطالبك، تحصل على خمسٍ وعشرين من غير ذكر أسماء البحور، لأنك عرفت كل شيء، عرفت الحقائق؛ فكافأتك على الحقائق. لكن إذا استوى طلاب في خمسٍ وعشرين وجب عليَّ أن أميز، فأرتفع أرتفع أرتفع إلى آخر المدى في التدقيق والتمييز! طيب! ها، ثم ماذا أكملوا معي ها!

تراث

أبيه عن

إذن يبدو أنه أخو السابق مبدأيًّا!

طبعا بفكك البيت الاول بنيتَ عليه؛ فجاء معك الثاني على وفق الأول. ربما جاء الثالث كذلك؛ حاول!

تعطلت المسيرة؛ ففكر إذن في شيء آخر، ها، ما قولكم؟ "وغيث" -يا أخي!- "وغيث" هذه:

هزج؟ ها!

فشلت المحاولة! ها، ما الحل؟ ها، جربوا!

ما هذا البحر؟

متقارب.

متقارب، طيب! نجحنا في هذا، نبني عليه ما بعده؛ فربما كان مثله، ها!

نجحنا.

طويل.

لا، هذا أخو السابق متقارب بعد متقارب. طيب فلنفكر في التالي؛ ربما كان مثله!

ها!

كان الشبا

بلمةً

 بلمةً

أزهى بها

أزهى بها

وصاحبًا

وصاحبًا

حرُّا عزِيـ

حرُّا عزِيـ

ـز المصطحبْ

ـز المصطحبْ، الله! ما هذا؟ بحر طبعًا، اسم هذا يأتي في الأخير، لكن ما هذا أصلًا "دن دن ددن، دن دن ددن، دن دن ددن"، درسناه...

البسيط.

البسيط "دن دن ددن، دن ددن، دن دن ددن، دن ددن"، أما هذا فـ"دن دن ددن، دن دن ددن، دن دن ددن"؛ فهو إذن...

الرجز.

الرجز. طيب! نفكر في الذي بعده؛ ربما كان مثله، ، ربما، ها!

إذا أنا

أين "إذا" هذه يا عمر؟ "إذْ". ومبدئيًّا إذن تفكر في أن يكون مثل السابق حتى يثبت العكس، حتى تتعثر المسيرة، ها، كيف نقول؟ نسيتم أن ألف "أنا" تحذف من الوصل، لا تُنطق وكأنها غير موجودة؛ فكيف نقول إذن؟

دهرا!

أخطأتُ أخطأتُ، أنا أخطأتُ:

جميل، هزج جميل جدا، طيب، التالي!

إذن...

أحسنت، يا عمر! أرأيتم؟ دخلتم إذن في المحك، الآن صرتم مجهزين للاختبار، أعد، يا عمر!

اكتمل بيت، لأنك تعلمت أن هذا البيت ثماني تفعيلات، وقد تمت الثماني. لا تفعل كما فعلت طالبة، أضافت إليها بعدها جزءا، تفعيلتين، علاوة، ما هذه العلاوة! أضافت علاوة على البيت؛ البيت من الرجز مثلا ست تفعيلات على "مستفعلن"، فجعلتها ثماني، ما هذه العلاوة! وقفنا عند الحدود إذن، وقد تعلمناها: البسيط مثمن، والمتدارك مثمن، والرجز  مسدس، والمتقارب مثمن؛ ماذا بقي؟ الهزج مربع -عرفنا- والطويل مثمن، عرفنا هذه الأشياء -سبحان الله!- فكيف تزيد عليها؟ ها -طيب!- ها، أكملوا!

جميل جدا جدا! تبين لنا إذن أن هذا أخو ذاك؛ لكن لا تركنوا إلى هذا فتمسكم النار! أكملوا!

ها! كيف نقول؟

ءٍ بالنشبِ، أم ءٍ بالنشبْ؟

هذه "وَأَثْوِ"، لا "واثو"؛ أتدرون لو كانت "واثو" لانكسر الوزن! إذن...

جميل! وقد دل البيت على البيت، دلّ الأخ على أخيه، لكن لا تركنوا إلى هذا فتمسكم النار! ها، ثم ماذا؟

أعطيتني، هذا إذن مثل السابق.

لا، فما الحل إذن؟ أرأيت -يا عمر!- كيف نبني علمنا هذا على ضبط اللغة أولًا، ثم على تجريب الألحان! إذا كنت قد تدربت بما يكفي أجبت سريعًا وإلا احتجت إلى التأني! لا مشكلة، معنا وقت، خمسة أبيات في ساعة ونصف تقريبًا، قسِّم الوقت على خمسة أبيات، وتأنَّ إلى آخر المدى؛ فالمسألة تستحق! منتهى الروعة، منتهى الروعة، ها!

هذا اللحن الذي تعلمناه في البسيط -وتسميته آخر ما نعتني به- هذا هو اللحن "دن دن ددن، دن ددن، دن دن ددن، دن ددن"، أو يمكن أن تكون "دددن"، كل الاحتمالات في ذهنك، حاضرة في ذهنك، ها، أكملوا! هذا الذي خرجناه، طبعًا سيصعب عليكم بعض الكلام -سبحان الله!- كما يحدث في الأبحاث التي تتمونها الآن: واحد مثلًا وضع بحثه في شعر امرئ القيس، والكلام وحشيّ، كلامه لا نعرفه هذه الأيام؛ فهو الآن على حذر، يفتش عن الضبط الصحيح حتى يحسن التخريج، وقد تدربتم بما يكفي، تكفيكم أعاجيب البحث! أو واحد مثلا أخذ رؤبة بن العجاج، رؤبة هذا كان إذا ذُكِر عندنا في مجلس مؤسسة معجم الدوحة التاريخي، نقول جميعا: حسبنا الله ونعم الوكيل! لماذا؟ لأنه مغرم بالغريب، وقد أتعبنا، وأزعجنا، وضيّع وقتنا، وأهلكنا سعيا وراء ألغازه -ههه!- ما هذا الكلام؟ كل الكلام غريب، كان يتعمد، عرف أن اللغويين ينتظرون كلامه؛ فبالغ في الإغراب حتى يحفظوا عنه: انظروا كيف قال؟ وهذه معناها كذا، وهذه معناها كذا، وهذه غريبة! أهذا شعر؟ طيب، ها!

جميل! هذا هو الاختبار. لكن عندنا بنظام الوُورد على الحاسوب شيء سنستطيع بحرية أن نعامله، معنا حرية كاملة على الجهاز نستطيع الآن -أنا مع الأسف كنت أظن أن الفلاشة معي، لكنها اختفت! أين ذهبت؟ لا أدري! فاعتمدت على ميزة الخزائن الإلكترونية، ويا لها من ميزة، أن تكون عندك خزانة إلكترونية، وموقعي أهم خزائني الإلكترونية! ذهبت إلى الرسائل التي أرسلتها إلى الطلاب، فأخرجت منها هذه الأشياء- طيب! الآن نسخنا اختبارًا من الاختبارات، لنجربه.

*****

تلك الثغور عليها وهي زينتها مناهل عذبت للقوم فازدحموا في كل لج حواليها لهم سفن وفوق كل مكان يابس قدم تعالج كفاك بؤس الحياة فكف تداوي وكف تهب ويستمسك الدم في راحتيك وفوقهما لا يقر الذهب تفدي الرؤوس رأسك العظيما فقف أشاهد حسنك الوسيما للـه ما أظرف هذا القدا وألطف العظم وأبهى الجلدا يقول أُناس لو وصفت لنا الهوى لعل الذي لا يعرف الحب يعرف فقلت لقد ذقت الهوى ثم ذقته فواللـه ما أدري الهوى كيف يوصف ويشيد العز بأيدينا وطن نفديه ويفدينا اليوم نسود بوادينا ونعيد محاسن ماضينا سلام حالب الشاة سلام غازل البرد ومن صد عن الملح ولم يقبل على الشهد

خَرِّجْ خَمْسَةَ أَبْيَاتٍ مِمَّا أَمَامَكَ، فِي عِلْمِ الْعَرُوضِ، تَقْطِيعًا، وَتَوْقِيعًا، وَتَفْعِيلًا، وَتَوْصِيفًا!

*****

من يقرأ؟ الكلام هنا أسهل كثيرًا، ها، من؟  فيصل!

تلك الثغور عليْـ...

ما لك! ها!

تِلْكَ الثُّغورُ عليها وهْيَ زينتُها مناهلٌ عذُبَت للقوم فازدحموا

ها!

في كل لُجٍّ حوالَيْها لهم سفُنٌ وفوق كلِّ مكانٍ يابسٌ قدمُ

"وفوق كلِّ مكانٍ يابسٌ"! يابسٍ. تعالج...، ها!

تُعالج كفاك بؤس الحياة بكفٍّ...

"بكفٍ" هذه؟

فكُف...

يا أخي، يقول: تعالج كفَّاك، تعالج كفّاك بؤس الحياة، فكفٌّ...

تداوي...

وكفٌّ...

تهِب

ما "تهِب" هذه، إن شاء الله؟

تهَب

تهَب، وَهَبَ يَهَبُ، لا يقال: وهَب يهِب، "وهب يهِب" هذه لا نعرفها، أَهَبُهُ، وَهَبْتُهُ أهبُه. إذا عرفت اللحن من الأول قلت: تَهَبْ، طبعا؛ فكفٌّ تداوي وكفٌ تهبْ، وإذا لم تعرفه قلت: وكف تهبُ، حتى تتأنى وتجرب. هذه هي مسألة الاختبارات: من كان موهوبًا موهبةً واضحةً أو متدربًا تدربًا واضحًا عرف سريعًا، وإلا احتاج إلى دقيقة إضافية، لا مشكلة! ها، أكمل!

ويَستمسكُ الدمُ في راحتيك وفوقهما لا يقِرُّ الذهبُ

"لا يَقَرُّ الذهبُ"، هكذا ترى؟ طيب، أكمل!

تفدي الرؤوس رأسَك العظيما فقِفْ أشاهدُ حسنك الـ...

... أشاهدْ حسنَك الوسيما

... أشاهدْ حسنَك الوسيما

سأرسل إليكم هذه الاختبارات -إن شاء الله- هذا المساء، هذه سبعة تفعلون بها ما تشاءون. ها!

ما أظرف هذا القدا

وأين ذهبت هذه الكلمة "لله"؟

لله ما أظرف هذا القَدَا

"هذا القدا"، القدا من قدَّ؟ ركز؛ لا نعرف القدا أصلًا، لا نعرف ما يسمى القدا، أما القَدّ فنعرفه؛ ما أظرف هذا القدَّا"، ها!

وألطف العظم وأبهى الجلدا

يا سلام، !

يقول أناسٌ لو وصفت لنا الهوى لعلّ الذي لا يعرف الحب يعرف

يا سيدي، ها!

فقلت لقد ذقت الهوى ثم ذقته فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف

يا سلام، يا سلام على الكلام الجميل، هذا كلام شوقي، أظن أن هذا الكلام كله لأحمد شوقي أمير الشعراء. كنت أحيانًا أذهب إلى ديوان الشاعر، وأسال من خلاله فقط، من خلال شاعر واحد. هذه الأيام فكرت في شاعر يشغلني وهو مظلوم، لن أذكره لكم طبعًا -ربما جعلت الاختبارات كلها في شعر هذا الشاعر!- هو كبير، ولكنه مهمل، وقد أدّى للعرب وللمسلمين خدمة كبيرة، ولكنها لم تقدر قدرها. ها، أكمل! انظر كيف يقول شوقي! ماذا يقول! "يقول أناس"، اسمعوا، اسمعوا الكلام الجميل!

يقول أناس ها لو وصفت لنا الهوى لعلّ الذي لا يعرف الحب يعرفُ

ينوبك ثواب!

فقلت لقد ذقت الهوى ثم ذقته فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف

الله، الله، أكمل!

ويُشيد العزُّ بأيدينا وطنٌ نَفديه ويَفدينا

أين الفاعل إذن، وأين المفعول؟

ويَشيد العزَّ...

أحسنت! "ويشيد العز بأيدينا وطن"، هذا الوطن إذن يَشيد؛ إنها من "شاد يَشيد"، لا "أشاد يُشيد"؛ "أشاد" بمعنى عرَض، عرض الشيء على الناس، أشاد، ورفع صوته، يقول: ياجماعة، هل رأيتم كذا؟ أما "بنى يبني" فـ"أشاد يَشيد"، "ويشيد العز بأيدينا وطنٌ"؛ الوطن إذن هو الفاعل، يَشيد العز بأيدي أبنائه، أكمل: ويشيد العز بأيدينا وطنٌ...

... وطن نفديه ويفدينا

اليوم نسود بوادينا ونعيد محاسنَ ماضينا

كلام سهل جميل جدا، ليت الاختبار كذلك، ها! وقعنا في مصيبة -ها!- حسدْنا الرجل!

سلام حالب الشاة سلام...

والله! ما "سلام حالب الشاة سلام" هذا؟ ها! يبدو أنه مثلا -ها!- اغتر، اغتر!

سَلامٌ حالبَ الشاةِ سلامٌ غازلَ البُردِ

كلام سهل جدا، مازلنا في الكلام السهل. أكمل!

ومن صدَّ عن المِلح ولم يَقبل على الشَّهْدِ

ولم يَقبل، "أَقبل يُقبل"، ولم يَقبل من هذا الرجل؟ البدوي، سبحان الله! قرأنا إذن، أحسنت القراءة، كلام جميل؛ فلْنُشكِّلْ!

تِلْكَ الثُّغُورُ عَلَيْهَا وَهْيَ زِينَتُهَا مَنَاهِلٌ عَذُبَتْ لِلْقَوْمِ فَازْدَحَمُوا فِي كُلِّ لُجٍّ...

لا، نسيت أن أسألكم -ها، لابد أن نحدد بالخط أولًا حدود الأبيات- فأين نضعه؟

فازدحموا.

تِلْكَ الثُّغُو| رُ عَلَيْـ| ـهَا وَهْيَ زِيـ| نَتُهَا| مَنَاهِلٌ| عَذُبَتْ| لِلْقَوْمِ فَازْ| دَحَمُوا

لو كنا على الجهاز، لو كانت الاختبارات على الجهاز لكان أسهل! ها!

قَدَمُ.

فِي كُلِّ لُجْ| جٍ حَوَا| لَيْهَا لَهُمْ| سُفُنٌ| وَفَوْقَ كُلْ| لِ مَكَا| نٍ يَابِسٍ| قَدَمُ

ها!

تُعَالِـ| ـجُ كَفَّا| كَ بُؤْسَ الْـ| ـحَيَاةِ| فَكَفٌّ| تُدَاوِي| وَكَفٌّ| تَهَبْ

سهلة، ننزل، ها!

وَيَسْتَمْـ| ـسِكُ الدَّ| مُ فِي رَا| حَتَيْكَ| وَفَوْقَـ| ـهُمَا لَا| يَقَرُّ الذْ| ذَهَبْ

يستمسك الدم في راحتيك، ولكن الذهب لا يستمسك، سبحان الله! هذا فارس فيما يبدو، ها!

تَفْدِي الرُّؤُو| سُ رَأْسَكَ الْـ| ـعَظِيمَا|

يبدو أن هذا من ديوان الأطفال لشوقي، تعرفون ديوان الأطفال؟

"يَمَامَةٌ كَانَتْ بِأَعْلَى الشَّجَرَةْ آمِنَةً فِي عُشِّهَا مُسْتَتِرَةْ"!

منه هذا في الشوقيات.

تَفْدِي الرُّؤُو| سُ رَأْسَكَ الْـ| ـعَظِيمَا| فَقِفْ أُشَا| هِدْ حُسْنَكَ الْـ| ـوَسِيمَا

أين نضع الخط من آخر البيت؟

ـوَسِيمَا

هنا؟ ها، متأكدون؟

وكذلك...

لِلهِ مَا أَظْرَفَ هَذَا الْقَدَّا وَأَلْطَفَ الْعَظْمَ وَأَبْهَى الْجِلْدَا

أين نضع الخط؟

الْجِلْدَا

لِلهِ مَا| أَظْرَفَ هَـ(ا)| ـذَا الْقَدَّا| وَأَلْطَفَ الْـ| ـعَظْمَ وَأَبْـ| ـهَى الْجِلْدَا

هنا؟ متأكدون؟ أما أنا فأرى أن نفعل هذا:

لِلهِ مَا| أَظْرَفَ هَـ(ا)| ـذَا الْقَدَّا|

وَأَلْطَفَ الْـ| ـعَظْمَ وَأَبْـ| ـهَى الْجِلْدَا

وليس هذا الشعر من العمودي، بل من المُشَطَّر المزدوِج، المبنيّ على هندسة الشطرين، يُسمى هذا النوع من المشطر "المزدوِج"، كألفية ابن مالك:

"كَلَامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كَاسْتَقِمْ

وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ

بِتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي

وَنُونِ أَقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي"!

لا أجعل في كل سطر إلا شطرا؛ ما هذا الشعر؟ عمودي؟ لا، ليس بعمودي، لكن الذي عثرت عليه مناهل عمودي:

"يَا طَلَلَ الْحَيِّ بِذَاتِ الصَّمْدِ

بِاللهِ خَبِّرْ كَيْفَ كُنْتَ بَعْدِي

صَدَّتْ بِخَدٍّ وَجَلَتْ عَنْ خَدِّ"!

ولا أجعل في كل سطر إلا بيتا، والبيت من هذه الثلاثة مشطور (يتكون من شطر واحد)، لا مُشَطَّر، فأما من تلك فمشطَّر (يتكون من أكثر من شطر)، لا مَشطور! وفي الاختبار تحلل ما أمامك، فإذا فعلت أخذت الدرجة كاملة، لكن من انتبه إلى رسم البيت بما يستحق كان أفضل في تقدير الممتازين! طيب، ها، أين نضع الخط من آخر البيت التالي؟

يعرف.

طيب، ها!

يوصف.

الكلام أكبر من الصفحة؛ نحتاج إلى تصغير الخط، انتبهوا إلى الخط، انتبهوا إلى إلى الصفحة، لا بد من أن تستوعبك الصفحة، وإلا وقعت في ورطة، كما وقعت أنا الآن، فصغرت الخط! لكن كيف تصغر أنت خطك؟ مشكلة، ها!

بأيدينا.

بأيدينا! والتالي؟

ويفدينا.

"ويفدينا"، هذا، ها؟ يبدو أنكم تعودتم على هذا، ظننتم أن الأمور تجري هذا المجرى! طيب، فلنجرب؛ يمكن، على رأي عمر كل شيء وارد، ها!

اليوم نسود بوادينا     

ونعيد محاسن ماضينا

ما هذا؟ سبحان الله! استقام؛ فماذا يعني؟ ها!

ويشيد العز بأيدينا  

وطن نفديه ويفدينا

البرد.

هذه "البرد"، اعزف!

أرأيت؟ ما الذي حدث؟ ما الذي فعلته أنت هنا؟ حاولت أولًا أن تقرأ، وبدا الكلام سهلًا أسهل من الاختبار السابق، قرأت، واطمأننت، مبدئيًّا تبني على هذا المقدار الذي حققته مهما كان ما فيه من خطأ، لكنك لا تقصد الخطأ، فأولا صممتَ على الصواب التام، ثم جئت لتلحّن، فقلت:

-معي، يا مناهل!-

ثماني تفعيلات؟ تنزل الخط، اكتمل البيت، البيت من البسيط مثمن، وهذه ثمان، انتقل!

ثمان، بيت، تنزل يبدو إذن أنه أخوه، حظ، هذا حظكم، لكن لا تعتمدوا على هذا، أنا في بعض الاختبارات شتَّتُّ الأبيات، شتتها، لكن اجعلوه احتمالا واردًا من الاحتمالات!

حسنًا!

تمام؟ طيب -ربما- فهو احتمال من الاحتمالات، إذا حدث كان هذا حسنا جدّا، لأن البيت يساعد على البيت! طيب، ها!

وهذه "الدَمُ"، لا "الدمّ"؛ يقول بعض العرب: الدمّ، والمعاصرون يشددونها مثلهم، يقولون: الدَّمّ، دمّه دمّه ثقيل، دمّه خفيف، دمّه كذا، هي في الأصل دمُ. جرِّب أن تثقل!

استقامت -يا أخي!- استقامت، بل اكتملت سالمة؛ فهي على "الدم" بالتخفيف مقبوضة، وهي على الدم بالتثقيل سالمة، تأمل!

لا!

هذا طبعا رجز واضح.

ها!

تقول: يا أستاذ لم نتعلم "مستفعلْ" المقطوعة في الرجز، تكفيني "غ"، أي مغيرة، وتأخذ الدرجة كاملة، إن لم نكن درسناها، إن لم نكن درسنا الشيء في المحاضرة فـ"غ" كافية لتأخذ عليها الدرجة؛ وهذا معقول منطقيّ طبعا، لكن إذا كنا درسناها ولم تتذكرها فربما أعطيتك الدرجة وميزت عليك مَن عرَف! طيب، ها!

فتقول: يا أستاذ، هذه القصيدة رجزية الأبيات (أرجوزة)، المشطورة، المقطوعة الضرب، فقط، بعد أن جعلت هذين من قصيدة، وذَيْنِ من قصيدة. لكن إذا عُدْنا، فجعلنا ذلك من غير العمودي -ولن يكون ذلك الشعر منّا؛ فنحن مشغولون بالعمودي فقط!- فسنقول هذه القصيدة رجزية الأبيات المشطَّرة -لا المشطورة؛ فربما بنى البيت المشطّر من شطرين منسقين، أو من ثلاثة، أو من أربعة، أو من خمسة، أو من ستة، أو من سبعة، أو من كذا، وهذا الذي بلغ أَوْجَه في الموشحات، ينبني البيت الواحد بناء معقدًا على قسمين: دور وقُفْل، لكل منهما نظام، بناء بالغ التعقيد، أوله هذا الذي هنا، وهناك في الموشحات آخره! طيب! ها:

أما هذا فسهل؛ الرابعة الرابعة هنا "ددن ددن"، مقبوضة، والثامنة هنا "ددن ددن"، مقبوضة، ها!

كذلك "ددن ددن، مقبوضة"، و"ددن ددن، مقبوضة"؛ فإذا انضاف إلى البيتِ البيتُ كما قلت لكم، جاز لك أن نخرج القصيدة، لكن إذا لم يكن هذا في الاختبار، فكيف تخرج القصيدة؟ لا تستطيع! لكن سيقول بعضكم: وقعت لنا في ديوان البحث قصائد لم يبق منها غير بيت واحد، فماذا نفعل بها، يا أستاذ؟ كانت فتواي أن تُعامل البيت على أنه بقية قصيدة كاملة، وأن تخرجه قياسًا على أمثاله مما درست، وكأنه قصيدة كاملة. ماذا أفعل؟ هناك شعر ذَهَبَ طبعا وبقي بعضه، كما قال أبو عمرو -ها!- "لَوْ جَاءَكُمْ وَافِرًا لَجَاءَكُمْ عِلْمٌ وَشِعْرٌ كَثِيرٌ"، ذهب، ضاع لأنه لم يكن يكتب، كان يحفظ، فمات حُفّاظه، فماذا نفعل؟ طيب، نعم!

كيف نكتفي بهذا البيت الواحد؟

يا عمر، إذا انضاف لك البيت إلى البيت، جاز لك أن تتكلم عن القصيدة، لكن إذا لم ينضَفْ في الاختبار؟ أنت غير مطالب أصلًا بتخريج قصيدته، ولكن هذا الكلام لمن يحب هذا. ستجدون عجائب في إجابات الاختبار، ستجدون من يقطع الأبيات من أولها إلى آخرها إدلالًا بنفسه، وتجدون من يخرج القصائد! طيب، كيف خرجت القصيدة؟ إذا اطمأننت إلى أن هذا البيت أخو ذاك فقد أحسنت! وإذا تكلفت -فهو ليس أخاه- فقد أسأت. تمام؟ في المسألة إذن تفصيل. طيب، ثم ماذا؟ ها!

ما هذا؟ هو كما قلت لك، إما أن يكون من مشطور المتدارك، وعندئذ تقول: هذه قصيدة متداركية الأبيات...

المشطرة...

المشطرة! لا؛ المشطَّر غير المشطور، المشطر عالم آخر غير العموديّ، المشطور عمودي بنى على نصف البيت فقط، كما في الأراجيز المشهورة، المشطر مصطلح على نوع آخر جاء بعد العمودي، بدأ في العصر الأمويّ، قام على هندسة الأشطر من داخل الأبيات، يبني البيت على شطرين مهندسين، وينتقل إلى شطرين آخرين، وربما أكثر من الأشطر، فتجاوز الاثنين إلى الثلاثة فالأربعة فالخمسة فالستة فالسبعة، إلى أن بلغ أَوْجَه في الموشحات -فالموشحات من الشعر المشطر، هذا الذي بدأ في عصر بني أمية، بدأه الوليد بن يزيد حينما خطب به الجمعة، جعل الخطبة كلها من المزدوج الذي منه هذا "تفدي الرؤوس رأسك العظيما" -ها!- قال:

"الحمد لله ولي الحمد

نحمده في يسرنا والجهد

وهو الي في الكرب نستعين

وهو الذي ليس له قرين"!

أرأيت؟ هذه خطبة الجمعة، خطبة أمير المؤمنين الوليد بن يزيد الشاعر، الذي حكم أسبوعًا ثم قُتِل؛ يستحق -ها!- بعد هذه الخطبة، غيَّر النظام، بَلْبَلَ الناس، دمرهم تدميرا! أما هذا فشيء آخر، أنت حر، ستقول لم نعرف القَسم على قسمين في المتدارك، فلهذا -يا أستاذ- جعلتُهما البيت بيتين، وهذه قصيدة متداركية الأبيات، الوافية، المقطوعة العروض والضرب ("دن دن"، "دن دن")، وجرت على هذا -تتخيل أنها ستجري على هذا! وإذا أردت غير هذا واخترعت -ولا حرج على الشعراء من أن يخترعوا- قلت: هذه القصيدة متداركية الأبيات، المشطورة، المقطوعة الضرب، وليس لها عروض. طيب، وأخيرًا!

ما هذا؟ هذا الهزج معروف، ولابد في آخر البيت من "ددن دن دن، مفاعيلن، سالمة"، لأن حركة رويّ القصيدة مشبعةٌ حتمًا في موضع الوقف من آخر بيت. ولعلك انتبهت الآن إلى أن هذا أخو هذا؛ ومن ثم يجوز لك أن تتكلم -إذا شئت!- عن القصيدة، لكنني يكفيني التقطيع والتوقيع والتفعيل والتوصيف، لا أريد لا تسمية ولا تخريج قصائد ولا أي شيء، لكنني أعرف أن بعضكم من أهل العلم، يريد أن يميز نفسه؛ فهو يتزيد، فإذا تزيد عومل بما زاد!

يا دكتور، ثانية واحدة!

نعم!

"سلامٌ حالب الشاةِ سلام غازل البرد"، بيت واحد؟

طبعا، هذا بيت واضح، وهذا "ومن صد عن الملح ولم يقبل على الشهد"، بيت، لكن لا تستطيع أن تفعل هنا ما فعلته بـ"وطن نفديه ويفدينا" -ها!- فأنت هنا وجدت هذه العجيبة، لكن أين هي هنا؟ مستحيل، هذا غير موجود أصلًا، فأنت حتما لا حيلة لك إلا أن تعاملهما على أنهما بيتان: "سلام حالب الشاة سلام غازل البرد" بيت، و"ومن صد عن الملح ولم يقبل على الشهد (العسل)" بيت، والكلام متناسق جميل. هل من سؤال؟ سيكون الاختبار على هذا النحو، وستفعلون به ما علمتكم تمامًا. بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، والسلام عليكم!

وسوم: العدد 1098