"سلم التظاهر" مرفوع حتى إشعار آخر!

"سلم التظاهر" مرفوع حتى إشعار آخر!

شريف زايد

لم يكفهم ولم يسعفهم قانون الطواريء المفروض في طول البلاد وعرضها، فإذا بهم يعدون العدة لتمرير قانون التظاهر الذي رفضوه من قبل إبّان حكم الدكتور مرسي، ذلك لأنهم حينها كانوا يعدون العدة لدعم انقلابهم بمظاهرات ضخمة تخرج رافضة لحكم مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وبعد أن وصلوا هم إلى الحكم بالمظاهرات أرادوا أن يمنعوا غيرهم من الوصول إلى الحكم أو زعزعة حكمهم بنفس الطريقة، وكأني هنا أتحدث عن السلم الذي صدع رءوسنا الفريق السيسي بالحديث عنه، والذي قال أن الدكتور مرسي أخذه معه أو أراد أن يأخذه معه، ولو كان هذا الوصف صحيحا فهو ينطبق أيضا على الفريق السيسي وحكومته المؤقتة التي تريد أن تأخذ سلمًا من نوع آخر – وهو حق التظاهر - معها تستحوذ عليه وتمنع منه الآخرين، وتتذرع في ذلك بذرائع ومبررات واهية، مثل أن هذا القانون هو السبيل الوحيد للتصدي لأعمال التخريب، وأن إقرار هذا القانون هو واجب وطني، أو أن "قانون الطواريء هو أسوء مليون مرة من قانون التظاهر" كما قال رجل أمن الدولة السابق واللاحق اللواء فؤاد علام، أو أن رفض القانون هو مزايدة على الحريات كما يقول آخر.

القانون الجديد يسمح لقوات الشرطة بفض أي اعتصام باستخدام القوة ويهدف إلى وقف المظاهرات الرافضة للانقلاب التي تملأ الشوارع المصرية يوميا، كما يهدف إلى تقليص حجم التعاطف المتزايد مع رافضي الانقلاب. ووفقا للقانون الجديد "لا يسمح لأي شخص بالاعتصام أو حتى التظاهر أمام المؤسسات الحكومية مثل مجلس الشعب أو مجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، كما يمنع بشكل قاطع التظاهر أمام المنشآت العسكرية أو الشرطية، ومن يخالف القانون سوف يتعرض للسجن وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف والسجن لعدة سنوات".

لقد شهد اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي عقد الثلاثاء 15-10 مشادة حادة بين زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية محمد إبراهيم بسبب اعتراض الأول على تمرير القانون، إلا أن جلسة الحكومة انتهت بتمريره بفارق كبير من الأصوات، وهو الآن معروض أمام الرئيس المؤقت لإقراره أو تأجيله أو رفضه حسب ما يتلقاه من تعليمات من زعماء الانقلاب.

غريب هو أمر تلك الأنظمة المهترئة التي تحكم بلاد المسلمين، فكلما وصل فصيل معين أو حتى شخص ما إلى سدة الحكم أراد أن يحصن نفسه ويحصن قراراته ويحصن حكومته، ويحفظ بقاءه بمثل هذه القوانين المفصلة على مقاسه، فهذا القانون الذي يعد الآن لإقراره هو عين القانون - مع تعديلات طفيفة- الذي أراد الإخوان تمريره في برلمان 2012 المنحل، ثم سعى مجلس الشورى الأخير لإقراره أيضا، وحينها وقفت قوىً ثورية ومدنية ضد إقراره.

والسؤال الآن لحكومة الانقلاب تلك: ماذا ستفعل مع حركة تمرد؟ فتلك الحركة لا نرى لها وظيفة محددة سوى أنها كانت أداة رخيصة في يد الانقلابيين لإسقاط نظام مرسي، وأقصى ما يمكن أن تفيد فيه الحركة أن تتظاهر من أجل النظام الجديد، أو تعمل على جمع توقيعات تطالب الفريق السيسي بالترشح لمنصب الرئيس، ولكن بمثل هذا القانون ستتخلى الحكومة عن أداة طيعة كانت في خدمتها، وهي لا زالت تحتاج إليها إذا ما جد الجد، خصوصا وأن النظام الجديد لا زال أمامه استحقاقات كبيرة قد تحتاج إلى مثل هذه المظاهرات، كحشد الشارع وراء زعيم الانقلاب الفريق السيسي الذي بدأ يفقد شعبيته التي اكتسبها من وراء تلك المظاهرات، وحشده مثلاً للضغط على الفريق السيسي "لإجباره" على الترشح للرئاسة تحت شعار "كمل جميلك"، أو ربما يحتاج إليها النظام الجديد لأخذ تفويض لأمر ما لم يظهر بعد، إلا إذا كان يرى أنه لم يعد في حاجة للتظاهرات ولم يعد في حاجة لتمرد، وربما يضع استثناءً في قانونه الجديد يسمح لجماعات دعم النظام بالتظاهر لدعمه ويمنع الآخرين من ذلك.

أليست مفارقة عجيبة أن يصل فريق معين للحكم من خلال التظاهر ثم يحرمه بعد ذلك على غيره؟! لقد كان السيسي مديرا للمخابرات الحربية، ولم يستطع منع إسقاط مبارك الذي عينه، فسقط جرّاء مظاهرات شعبية أطاحت به خلال ثمانية عشر يوما رغم وجود قانوني الطواريء والإرهاب، فإذا وصل السيسي إلى الرئاسة التي يسعى لها، فهل سيستطيع أن يمنع تكرار نفس السيناريو في ظل قانون التظاهر الذي يعمل الآن على إقراره؟ وإذا فشل هو الآخر في إدارة الدولة، هل من الممكن أن ينقلب عليه وزير دفاعه البديل؟! أم أن الوضع هنا مختلف؟ فرئيس الجمهورية سيكون جينئذ رجلا عسكريا، بل هو الرجل القوي في المؤسسة العسكرية...

لقد انكسر حاجز الخوف عند قطاع واسع من أبناء الأمة، ولم يعد يرهبهم طواغيت العصر الذين يحصنون أنظمتهم بقوانين قمعية، ولم يعد يخيفهم جلاوزة تلك الأنظمة العفنة، ولم يعد يرعبهم القتل والحرق والاعتقال، وما هي إلا مسألة وقت حتى يدرك الناس قضيتهم المصيرية، ويعرفوا أن مشكلتهم ليست في شخص الحاكم بل في نظام الحكم الفاسد، فسيدركون أن قضيتهم ليست في أن يكون الحاكم طيبا أو شريرا، أو بمعنى آخر ليست مشكلتهم فيمن يحكم، بل مشكلتهم بما يحكم، سيدرك الناس أن قضيتهم المصيرية أن يحكموا بالإسلام، والإسلام وحده... لأنه هو عقيدتهم التي آمنوا بها وهي وحدها يجب أن تكون قاعدتهم الفكرية، وقيادتهم الفكرية، وهي وحدها يجب أن تكون مصدر الدستور والقوانين التي يُحكموا بها، والإجراء الوحيد الذي يجب أن يتخذ تجاه القضايا المصيرية هو إجراء الحياة أو الموت، نعم...، هي فقط مسألة وقت وحينها لن يقف شيء في طريقهم، لا طغاة ولا قوانين تمنع التظاهر، ولا قوانين طواريء ولا قوانين إرهاب. سيسقط كل هذا تحت أقدامهم وهم يتحركون نحو زلزلة عروش الطغاة ليقيموا مكانهم خليفة تقيا نقيا يقاتل من ورائه ويُتقى به.