ما لايراه عبيد الأسد: أنهم عبيد

رد على القائلين: كنا عايشين وماشي حالنا

طريف يوسف آغا

[email protected]

 لاأعتقد أحداً يجهل البديهية القائلة أن نظام الأسد هو نظام ديكتاتوري وطائفي بامتياز، ولكن القليل منهم من يعتبرونه أيضاً وعلى نفس المستوى نظام عبودية، وأنا حتى أعتبره أسوأ من ذلك وسأشرح لاحقاً لماذا. كنت قد أشرت في مقالي السابق إلى أن أحد أهم الأسباب التي قامت من أجلها الثورة السورية هي مغالاة هذا النظام بمعاملة الأغلبية السنية من الشعب السوري معاملة الأسياد للعبيد، ولذلك رأيت أن أخص هذه الموضوع بمقال خاص وأسقطه على ثورات مشابهة عبر التاريخ.

 لاشك أن الانسان خلق ليكون حراً، فان استعبد، فليتوقع المجتمع عاجلاً أم آجلاً أمراضاً إجتماعية ونفسية وسياسية قد تنتهي بثورة مدمرة. ولاشك أن أشهر تلك الثورات في التاريخ القديم كانت تلك التي أخذت اسم (ثورة العبيد) والتي قادها (سبارتاكوس) ضد الامبرطورية الرومانية (73-71) ق م، وراح ضحيتها الآلاف من الطرفين. أما في التاريخ الحديث، فكانت تلك التي أخذت اسم (الحرب الأهلية الأمريكية) والتي لم تكن سوى حرب لتحرير العبيد (1861-1865) م حيث رأى الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن (1809-1865) م أن استمرار تبني بلاده لنظام العبودية هو أمر لاأخلاقي وينتافى مع حقوق الانسان، فعارضته ولايات الجنوب الزراعية والتي كان عصبها الاقتصادي يعتمد على العبيد المستوردين من إفريقية للعمل في المزارع الشاسعة، فقامت الحرب بين الشمال والجنوب وانتهت بأكثر من 650 ألف قتيل من الطرفين وانتصار الشمال ومعه إرادة التحرر من العبودية.

 قد يسأل القارئ وماعلاقة الثورة السورية بثورة سبارتاكوس أو بحرب الشمال والجنوب الأمريكية، الجواب هو ببساطة أن النظام الأسدي قد عامل سواد الشعب السوري وعلى مدى الأربعة عقود الماضية، ولايزال يعاملهم كالعبيد، بل وأسوأ، فتعالوا لنرى كيف.

 الحقوق السياسية: لم يكن للعبيد في المجتمعين الروماني والأمريكي في حينها أي حقوق سياسية، وهذا ينطبق على المواطن السوري اليوم. ولكن أراد النظام الأسدي الضحك على الشعب فقال له أن بامكانه ممارسة العمل السياسي تحت راية (الجبهة الوطنية التقدمية) التي هي نفسها تعمل تحت راية (حزب البعث) الحاكم، الذي هو نفسه واجهة سياسية وديكور للنظام الديكتاتوري الطائفي المافيوي لعائلة الأسد. ثم استهتر بذكاء الشعب أكثر عندما قال له أن بامكانه الادلاء بصوته في استفتاء رئاسة الجمهورية بنعم أم لا، حيث النتائج دائماً فوز الرئيس ثم تجديد البيعة بنسبة %99.

 الحقوق القانونية: أيضاً فلم يكن للعبيد في المجتمعين المذكورين أي حقوق قانونية، وهذا ماينطبق على المواطن السوري الذي يمكن أن يعتقل أو يسجن إلى مالانهاية أو يختفي من الوجود دون أن يجرؤ حتى أهله على السؤال عنه أو عن سبب إعتقاله. بل وقد يهددون هم أيضاً بالاعتقال إذا لم يكفون عن السؤال عنه، وتعامل عاطف نجيب مع أهالي أطفال درعا هو غيض من فيض ومثال من آلاف.

 الحقوق الانسانية: بالنسبة للعبيد، فان تجريدهم من حقوقهم السياسية والقانونية هو أهون بكثير من تجريدهم من حقوقهم الانسانية، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطن السوري. فالاغتصاب الذي أباحه نظام الأب والابن لشبيحته وعناصر أمنه اتجاه نساء المسلمين السنة يشبه كثيراً ماكان يقوم به الرومان والأمريكيين اتجاه نساء عبيدهم ومن دون أي شعور بتأنيب الضمير، مع فارق وحيد أن هذا كان يتم في الحالة السورية للانتقام والاهانة وفي الحالة الثانية لمجرد المتعة. وكذلك حين ارتكب الأسد الأب مجزرة حماة عام 1982، قاتلاً مايقرب من 50 ألف مواطن سوري بما فيهم النساء والأطفال بطريقة الابادة الجماعية قصفاً وذبحاً وحرقاً في بحر أيام معدودة، فهو يكون بذلك قد تعامل معهم وكأنهم آفات أو حشرات وبالتالي لم يعترف بانسانيتهم. ودعونا أن لاننسى هنا أن تلك المجزرة، والتي تعتبر الأسوأ على مستوى العالم في النصف الثاني من القرن الماضي، قد ارتكبت بعد أن انتهت الأعمال القتالية وسلم مقاتلو طليعة الاخوان المسلمين أسلحتهم حقناً للدماء، فأراد الأب جعل المدينة عبرة لغيرها وفعل فيها هو وشقيقه المجرم وعصاباتهما مافعل. وفي هذا بالذات إعادة للتاريخ، فبعد أن قرر سبارتكوس وقواته الاستسلام للجيش الروماني في حينه، تم إعدام الجميع بتقطيع الأطراف والصلب على جانبي الطريق. ولكن، ومع همجية إعدام المستسلم، إلا أن الرومان وقبل أكثر من ألفي عام كانوا أرحم، فصحيح أنهم أعدموا كافة العبيد الذين ثاروا ضد سلطتهم، ولكنهم لم يعاقبوا المدنيين ويغتصبوا النساء ويستبيحوا المدن كما فعل نظام الأب في الأمس ويفعل الابن اليوم.

 إذاً، وكما نرى، فالسوريين إنما كانوا يعيشون حياة العبيد قبل انطلاق ثورتهم المباركة، وإن كان البعض منهم مايزال مصراً على عدم الاعتراف به. وإلا فماذا تسمي مجتمعاً يعيش على أمثال شعبية من شاكلة (لاتحكو الحيطان إلها أدان، امشي الحيط الحيط وأول ياربي السترة، كل عنزة معلئة من كرعوبا، ألف كلمة جبان ولاكلمة الله يرحمو، لابدنا ننام بين الئبور ولابدنا نشوف منامات وحشة، فخار يكسر بعضو ... وغيرها). ولا أشك أن هؤلاء الذين مازالوا يرددون مقولة (كنا عايشين وماشي حالنا) هم ممن لم يفقدوا فرداً أو لم تغتصب امرأة من أسرتهم على يد النظام، أو ممن يعتقدون أن الحياة إنما هي (أكل وشرب ونوم). وهذا يذكرني بواحدة من نوادر جحا الشهيرة حين قيل له ياجحا لقد اجتاز المغول الحدود ودخلوا بلدنا، فهل تريد الخروج لمحاربتم، فقال ليس الآن لأنهم لم يصلوا إلى مدينتي بعد وبالتالي فأنا بأمان. وهكذا حتى قيل له ياجحا وصل المغول إلى بيتك وأمسكوا بزوجتك فهل تريد الخروج لمحاربتهم، فقال ليس الآن فهم لم يمسكوا بي بعد، وبالتالي فأنا بأمان. لقد أدرك السوريون أخيراً بأن من لم يدخل النظام إلى بيته بعد، إنما هو يقف على لائحة الانتظار ليس إلا.

 أعود هنا إلى الملاحظة التي أوردتها في مقدمة المقال حول سبب اعتباري لنظام الأسد أسوأ من الأنظمة العبودية التي قد يخيل للبعض أنه لايوجد أسوأ منها. فالدولة الرومانية في حينه، والنظام الأمريكي لاحقاً مارسا العبودية بأبشع صورها ولاأحد يشك في ذلك، ولكن أي منهما لم يمنحا قطعة من بلديهما لدولة معادية كما منح الأسد الأب الجولان لاسرائيل دون قتال لتدعمه في الوصول إلى الحكم. ثم إن الروماني والأمريكي لم يستجلبا أعداء البلد ليحتلوه كما استجلب نظام الأب والابن إيران لتدعمه وتحتلنا، ولم يسمحا لدولة أجنبية أن تقيم قواعداً عسكرية على أراضيهما كما سمح نظام الأسد لروسيا لمساعدته بالبقاء في الحكم. من ناحية ثانية، فالأمريكي كان ينكل بالعبيد باعتبارهم مستوردين من خارج البلاد، أي ليسوا من مواطنيه، في حين أن نظامنا يستعبد وينكل بمن هم أصلاً من مواطنيه، وهذا يضع علامات استفهام كبيرة حول أصول رؤوس هذا النظام وفيما إذا كانوا سوريين حقاً أم يعتبرون أنفسهم من أصول أجنبية وبالتالي هم محتلين لسورية. إذاً وفي حين أن الروماني كان نظاماً ديكتاتورياً وعبودياً والأمريكي كان عبودياً فقط، فنظامنا، إضافة لذلك، فهو أيضاً طائفي وخائن ولاوطني ومن دون أي ورقة توت، وهذا مايضعه في أسفل تلك القائمة؟ وكما أشرت في السابق، فقد استلزم تحرير العبيد في أمريكا حرباً أهلية أكلت الأخضر واليابس، ولكنها يبدو أنها في النهاية كانت مفيدة حيث أنتجت دولة عظمى يفتخر مواطنيها بحمل هويتها. وعلينا هنا أن لانخلط بين السياسة الخارجية الأمريكية القائمة على استغلال الأمم الضعيفة، وبين سياستها الداخلية التي لاتوفر جهداً لخدمة مواطنيها ورفاهيتهم وحمايتهم.

 يؤكد التاريخ أن الثورات التي تنتهي بلا غالب أو مغلوب، إنما تبقي البلد في حالة احتقان هي أشبه باستراحة يحضر خلالها كل طرف نفسه لثأر قادم لايخدم في النهاية سوى أعداء الوطن. ولايوجد حل لهذا الوضع سوى المجتمع المدني، حيث تضمن صناديق الاقتراع تحقيق رغبة الأكثرية، ويضمن الدستور والقانون حقوق الجميع، بما فيهم الأقليات، تحت مظلة الوطن. أما من يريد أن يتخذ لنفسه (قائداً رمزاً) ويفديه (بالروح والدم) ويعبده ويسجد له كواحد من (عبيده)، فليذهب معه إلى مكان ناء بعيد عن المدنية والحضارة، في أحد الأدغال أو على جزيرة في عرض البحر، وليفعل هناك مايشاء.