واجب أداء فريضة النصح لكل من ولي أمرا من أمورنا في هذا البلد الأمين نقدمه له في شكل رسالة مفتوحة
نشير في بداية هذا المقال أن الداعي إلى طرق هذا الموضوع هو مناسبة تنصيب وال جديد على ولاية جهة الشرق، وعامل على عمالة وجدة أنكاد الذي حظي بالثقة المولوية لتدبير شؤون الجهة والعمالة معا ،والتي نهنئه عليها، ونرجو له كامل التوفيق والسداد بعون الله تعالى . ومن حسن الطالع أنه ابن الجهة التي لها عليه واجب البِرّ كما يُبرّ الوالدين وذوي القربى .
وله على أهل الجهة حق ما توجبه فريضة النصح عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل تميم الداري وصيغته : " الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
ولقد جاء في شروح هذا الحديث أن النصح لله تعالى يكون بالصدق والإخلاص في توحيده دون شركاء ، وطاعته فيما أمر وما نهى في السر والعلن ، كما أن النصح لكتابه يكون بالصدق والإخلاص في العمل بما جاء فيه ،وحسن تبليغه للناس . أما النصح لرسوله صلى الله عليه وسلم ،فيكون بالصدق والإخلاص في التأسي والاقتداء به والعمل بسنته . وأما النصح لأئمة المسلمين ، فيكون بالصدق والإخلاص في التعاون معهم على الخير، والسمع والطاعة لهم في المعروف ، وعدم الخروج عليهم ،أو منازعتهم إلا أن يبدو منهم كفر بواح عليه برهان من الله عز وجل ، والدعاء الصالح لهم . وأما النصح لعامة المسلمين ، فيكون بتوجيههم إلى الخير ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر بالرفق وبالتي هي أحسن .
وهذه الفريضة واجبة على المسلمين جميعا يؤديها كل واحد منهم على قدر علمه بشرع الله تعالى كما جاء في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي أوجب الواجبات بالنسبة لأهل العلم بشرع ، بل هي أمانة في أعناقهم ، سيسألون عنها بين يدي الله عز وجل يوم يلقونه ، وعليهم أن يبادروا بها ، دون انتظار من يستنصحهم من مسؤولين أوعامة ،
ولا يجب أن يستنكف المسؤولون أوعامة الناس عن قبول النصح منهم ، فهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم قد ورثهم العلم بكتاب الله عز وجل وبسنته المشرفة.
ولقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنواع الرعاة ، وأنواع المسؤوليات المنوطة بهم حيث قال مخاطبا جميع المسلمين : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهل بيته ، ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والعبد راع في مال سيده ، ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته " . ففي هذا الحديث الشريف ذكر لتدرج المسؤوليات من أعلى مسؤولية ، وهي الإمام العظمى إلى أدنى مسؤولية وهي الخدمة ، وبين أعلى مسؤولية وأدناها توجد مسؤوليات شتى تتدرج مما هو أدنى من الإمامة العظمى من وزارة ، وولاية ، وقيادة ، وإدارة ... إلى ما هو فوق الخدمة من مهام أخرى . ومع أن المسؤولية جسيمة في كل الأحوال باعتبارها أمانة يسأل عنها الخلق بين يدي الله عز وجل يوم القيامة ، فإن جسامتها تكون على قدر مرتبتها ومرتبة من يتولونها .
ومما توجبه فريضة النصح لمن يتولون مختلف المسؤوليات المتعلقة بتدبير شأن المسلمين العام خصوصا المسؤوليات الكبرى من وزارة وولاية وما دونها ... ونخص به من ولي مؤخرا على ولايتنا وعمالتنا ، وهو كما يلي :
1 ـ عدم الاحتجاب عن العامة ، واعتماد سلوك الأبواب المفتوحة على الدوام ، والآذان المصغية إليهم ، والرفق واللين بهم ، ومعاملتهم على قدر عقولهم ، ومستوياتهم من المعرفة والوعي ، وذلك بكثير من تفهم وعوائدهم ، وأساليب خطابهم ، والصفح عنهم إذا زلت بهم ألسنتهم أو خانهم التعبير عن مقاصدهم أو مطالبهم ممن يطرقون أبوابهم من مختلف المسؤولين ، و قد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روته أمنا عائشة رضي الله عنها : " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يتزع من شيء إلا شانه "
2 ـ تفقد أحوالهم عن قرب ، وعدم التعويل فقط على من ينقل أخبارهم أو أحوال ممن يعملون تحت السلطة الفعلية للمسؤولين ، وذلك احترازا من أن يخفوا عنهم ما لا يجب أن يخفى .
3 ـ الصرامة في تطبيق شرع الله عز وجل أولا ، و ثانيا في تطبيق القوانين التي بها تستقيم أحوال الناس دون هوادة أو مجاملة أو محسوبية . والضرب بيد من حديد على كل من يخالفها مهما كان ، واستحضار ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " إنما هلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "
4 ـ الحضور الدائم في كل المرافق العام من مستشفيات ، ومؤسسات تربوية ، ومساجد ،وإصلاحيات ، وأسواق ، وإدارات .... بالمدن، والقرى، والدوواير من خلال زيارات تفقدية مفاجئة قصد الاطلاع على أحوالها ، وعلى سير العمل بها دون تمييز بينها ، مع التركيز على ما يكون منها به خلل مؤثر على السير العادي بها .
5 ـ الرقابة الدائمة على جميع من يعملون تحت سلطة المسؤول عنهم من خلال زيارات مفاجئة لهم في أماكنهم لمواكبة ومراقبة سير أعمالهم ، وتسديدها ، ومحاسبتهم في حالات التقصير .
6 ـ إسناد المهام إلى أصحاب الكفاءات والخبرات مع توفر الاستقامة فيهم ، وذلك بالبحث عنهم بناء على مردوديتهم ، عوض الاكتفاء بشواهدهم أوأقدمية في المهام دون مردودية .
7 ـ اعتماد أساليب التحفيز من ترقيات ومكافآت ... حسب المردودية دون محسوبية أو زبونية أو مجاملة .
8 ـ تطبيق أساليب الزجر المنصوص عليها في القوانين حسب المخالفات بلا هوادة ، ولا تساهل مع الشفاعات والتدخلات .
9 ـ التردد باستمرار على دور العجزة ، و دور الأيتام ، وبيوت المحاويج في الأحياء الفقيرة والهامشية محاربة للهشاشة بطرق فعالة تستأصل شأفتها ، ولا تبقي لها أثرا .
10 ـ الوقوف عن كثب وباستمرار على كل ما تعاني منه ساحات، و شوارع ،وأحياء ،وأزقة المدن والقرى من عيوب مادية ومعنوية كانعدام النظافة ، وانتشار الحفر والأخاديد بها التي تتحول إلى برك مائية في الأجواء الماطرة ، ومظاهر إتلاف الأملاك العمومية أو استغلالها دون قوانين موجبة لذلك ، أو تحويل أماكن عامة أو خاصة أو واجهات إلى أسواق عشوائية بما فيها تلك المجاورة للمساجد والتي تبتذل قدسيتها .
11 ـ الحرص الشديد على جمالية المدن ابتداء من توفير النظافة اللازمة لها ، وانتهاء بإعادة تأهيل مرافقها العمومية من حدائق مهملة ، أونافورات معطلة...
12 ـ محاربة البناء العشوائي ، وكذا محاربة مطارح عشوائية تلقى فيها بقايا مواد البناء ، ومختلف أنواع الزبالة .
13 ـ معالجة مشكل الحيوانات الأليفة من حمر أهلية ، وقطعان المواشي ، والكلاب الشاردة ، والقطط في المدارات الحضارية ، وإيجاد حلول ناجعة لها .
14 ـ الصرامة اللازمة من أجل وضع حد لفوضى السير ، و استشراء سلوك عدم احترام قوانينه عن طريق التجاهل المتعمد لإشارات المرور سواء الضوئية أو الصفيحية .
15 ـ الصرامة اللازمة من أجل صيانة السلوك العام من الابتذال عن طريق تعمد البعض العربدة والتهتك في الأماكن العامة ، وذلك عن طريق تفعيل أجهزة الرقابة الفعالة والدائمة .
16 ـ العناية اللازمة بالمشردين في الشوارع الذين يعانون من أمراض عقلية أو نفسية أو من المدمنين على المخدرات ، وذلك من خلال إيوائهم وعلاجهم ، ومراقبة تطور حالاتهم من الأسوأ إلى الأحسن .
17 ـ تنظيم عملية ركن السيارات سواء في الشوارع أو في غيرها من الأماكن العامة تلافيا لفوضى الركن .
18 ـ مراجعة دقيقة لعلامات منع المرور ببعض الشوارع والتي تسبب عنتا كبيرا للمارة ، بسبب سوء تقدير ، وتوزيعها وفق قاعدة درء المفسدة قبل جلب المنفعة .
19 ـ المنع الصارم لنصب خيام الحفلات وخيام العزاء في شوارع رئيسية مما يتسبب في عرقلة حركة المرور ، وفي خلق عنت للمارة .
20 ـ المنع الصارم لاستعمال مكبرات الصوت في الحفلات أو في المآتم إلى ساعة متأخرة من الليل ، الشيء الذي يقلق راحة الناس ،وفيهم عجزة مرضى وصغار...
21 ـ الالتفات إلى ذوي الحاجات الخاصة عن طريق توفير كل ما يرفع عنهم العنت خلال تحركهم أو حلولهم بالمرافق العامة لقضاء أغراضهم .
22 ـ الالتفات إلى الشيخوخة من متقاعدين وغيرهم من خلال إيجاد فضاءات خاصة بهم يحسون فيها باهتمام المجتمع بهم ردا للجميل ،وجزاء على ما أفنوا فيه أعمارهم م لخدمة وطنهم .
23 ـ الاهتمام اللازم بالمرافق الرياضية سواء التي توجد بالمؤسسات التربوية أو في غيرها من أجل مساعدة الناشئة والشباب على التوجه نحو بناء أجسادهم من جهة ، ومن أجل فتح الآفاق أمام المواهب الرياضية في مختلف الرياضات .
24 ـ الاهتمام اللازم بالأنشطة الثقافية والعلمية والفكرية والفنية في مختلف التخصصات مع الحرص على الأنشطة التي تخدم القيم الأخلاقية والأذواق السليمة ، وتنظيم المعارض سواء الفنية أو معارض الكتب... أوغيرها .
25 ـ تعويض دور السينما التي أهملت أو هدمت بالمدينة ، وإعادة بنائها من جديد بجمالية كي تضطلع بدورها التربوي والتوجيهي والأخلاقي عن طريق انتقاء الفن السينمائي الراقي ،وتجنب المنحط أخلاقيا منه.
26 ـ الرقابة اللازمة على مختلف وسائل النقل العمومية سواء الحافلات أو السيارات الصغرى والكبرى داخل المدارات الحضارية ، وخارجها من حيث أشكالها الخارجية وأحوالها الداخلية ، ومن حيث سلوك من يمتطونها أو من يسوقونها .
27 ـ توفير أماكن لإنشاء مرافق صحية في المدينة تحترم معايير النظافة ، من أجل وضع حد لظاهرة الاختلاء بزوايا الشوارع والأزقة .
هذه بعض النصائح التي تفرضها فريضة النصح ، وهي خاصة بمن أوكلت إليهم مختلف المسؤوليات في جهتنا في شرق الوطن العزيز أو بغيرها من الجهات ،ونحن لا نشك في وعيهم بها ، ونرجو أن تجد عندهم الآذان الصاغية ، والإرادة القوية من أجل مواجهة كل التحديات المادية والمعنوية التي تحول دون بلوغ كل جهات الوطن ما يتمناه جميع المغاربة بلهفة ، وما يجعل بلدنا الذي حباه الله بجمال يحسد عليه أكثر جمالا ورونقا ، ويطيب فيه العيش بكرامة وعزة .
اللهم إني كمواطن قد نصحت وبلغت ، اللهم فاشهد .
وسوم: العدد 1100