بمناسبة مرور أربع سنوات على ثورة شعبنا المغدورة
بيان صادر عن الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية
بمناسبة مرور أربع سنوات
على ثورة شعبنا المغدورة
صمود دائم وتضحيات مستمرة وتصميم أكيد على تحقيق الإنتصار
تدخل ثورة شعبنا السوري هذه الأيام عامها الخامس، بعد أربع سنوات من التضحيات الجسام والآلام المبرحة والتحديات الكييرة التي تركت نصف شعبنا بين شهيد ومعتقل ومشرد ولاجئ.. وهي نسبة لم يشهدها تاريخ الثورات والحروب والنكبات الوطنية. كل ذلك بسبب نظام طرح منذ بداية الثورة شعار "الأسد أو نحرق البلد"! ومضى في تطبيق هذا الشعار إلى النهاية. بل إنه لم يكتفِ بإحراق البلد وتدمير بناها وقتل وتشريد شعبها، بل فتح الباب واسعاً أمام اطماع كافة قوى الشر والهيمنة لتعبث بمصير سورية وتخوض معاركها الخاصة على ترابها، راهناً مقدرات البلاد وسيادتها ومصالحها العليا للقوى الأجنبية التي أصبحت تعيث فساداً على كامل التراب الوطني.
لقد دفع هذا النظام الفاشي المستبد بممارساته الدموية، وبوحشيته المفرطة، قطاعات واسعة ممن خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة إلى حمل السلاح دفاعاً عن وجودهم، بل سهّل وشجع حمل السلاح ليثبت للعالم نظريته حول العصابات الإرهابية. وفي الوقت الذي لم يترك فيه فرصة لتصفية العناصر الوطنية الواعية، واعتقال المناضلين المدنيين السلميين واتنكيل بهم وتغييبهم، فإنه عمد - في الأشهر الأولى للثورة - لإطلاق الكثير من العناصر المتشددة والمعتقلين جنائياً من سجونه، وهو يعلم جيداً أن هؤلاء سيكونون حصان طروادته لاختطاف هذه الثورة وتشويهها وحرفها عن مطالبها الرئيسية في الحرية والعدالة والديمقراطية.
وقد أدى تصحر الحياة السياسية في سوريا طوال أكثر من أربعة عقود مضت، وتغييب وقتل القيادات الميدانية الواعية، وقصر نظر المعارضة التقليدية التي تصدرت المشهد السياسي، ودخول القوى الإقليمية المختلفة بمصالحها وأجنداتها، إلى حرف هذه الثورة المغدورة عن مسارها، وتحويلها إلى حرب إقليمية ودولية بالوكالة، تُستغل وتؤجج فيها المشاعر الطائفية لتأزيم الأوضاع، ليس في سوريا وحدها بل في عموم المنطقة، وخرج الأمر – أو يكاد – من أيدي القوى الوطنية السورية، ليصبح مصير سوريا مرهوناً بإرادة ومصالح القوى الإقليمية والدولية المتصارعة. ولتستمر مأساتها في مواجهة أخطر التحديات المصيرية، التي فاقت ما واجهه اي شعب آخر في مطلع هذا القرن.
ومما زاد الأمور تعقيداً أن حصان طروادة الذي اسهم النظام في اطلاقه وهيأ له الظروف المؤاتية لتشويه صورة الثورة وأهدافها وقيمها شبَّ عن الطوق، ووجد له حاضنة في الكثير من الأوساط التي همشها النظام طوال خمسة عقود، وأوسعها قهراً وإذلالاً وتجهيلاً. كما استقطب هذا الحصان جميع شذاذ العالم ليبني دولة داعش المافيوية وأخواتها والتي أكملت دور النظام في المناطق المحررة، وانتقمت لهزائمه بمحاربتها لثوار شعبنا، لتبني دولة رعب لا تقل عن تجربة الأسد نفسه، ولو بطعم أُريد له أن يشوه قيم الإسلام الخالدة، وينفر العالم كله من كلمة الإسلام والمسلمين من جهة، وأن يعمل على تدميرمقومات الوحدة الوطنية ومحاولة اغتيال الروح الشعبية الحضارية للثورة السورية من جهة ثانية. وبذلك تحققت أمنية النظام في تحويل ثورة الحرية والعدالة إلى "حرب على الإرهاب"
ولكن ما يضاعف من معاناة شعبنا الصامد هو أن كل هذه المآسي والنكبات لم تستطع أن ترتفع بمعظم القوى الوطنية السورية من حيث مواقفها وسلوكها إلى مستوى المسؤولية التاريخية، بحيث ترفض التبعية لهذا الطرف أو ذاك، وتوحد رؤيتها وعملها من خلال برنامج سياسي نابع من المصالح الوطنية السورية العليا. وبقيت معظم تشكيلات المعارضة – مع الأسف – مرتهنة للقوى الإقليمية والدولية، تراهن على سراب الحلول الخارجية وتنتقل من هذا الحضن إلى ذاك، مما أفقدها احترام قاعدتها الشعبية، ودفع بأبناء شعبنا إلى المزيد من اليأس والاحباط.
لقد سبق للكتلة الوطنية الديمقراطية أن حذرت في وقت مبكر من هذا النهج الإجرامي الذي اعتمده النظام، ومن الظواهر الخطيرة التي تهدد مصير الثورة والوطن، ودعت القوى الوطنية السورية - مراراً وتكراراً وفي كل مناسبة – إلى تجاوز خلافاتها الثانوية، وتغليب ولائها للوطن والثورة على ولاءاتها لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك. وكانت الكتلة أول من دعا إلى مؤتمر وطني شامل جامع يضع استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع قضايا الثورة والوطن ومع القوى القريبة والبعيدة من منطلق الاستقلالية وتغليب المصلحة الوطنية. وهو الهدف الذي لا يزال يشكل طريقاً للخروج من حال الاستعصاء وغياب الفعل المطلوب الذي تعيشه المعارضة.
لقد أكد تطورالاحداث طوال السنوات الأربع الماضية، كما أكدت حقائق الواقع داخلياً وإقليمياً ودولياً، أن الحل السياسي الوطني الذي يضمن تحقيق مصالح الشعب وآماله برحيل هذا النظام واقامة النظام الديمقراطي البديل هو الحل الأجدى الذي يجسد إرادة شعبنا ويحافظ على وحدة سورية دولة ومجتمعاً وكياناً، وهذا الحل يتطلب بناء إجماع وطني شامل، ووحدة القوى الثورية على الأرض خلف القيادة الوطنية التي يفرزها المؤتمر الوطني العام، ومطالبة العالم، ومجلس الأمن تحديداً - استناداً إلى هذه الوحدة التي تعتمد على تعزيز العامل الذاتي والقرار الوطني المستقل – إلى تنفيذ قرارات جنيف 1 وتحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية تجاه مطالب شعبنا المشروعة.
وإذ تدخل الثورة السورية عامها الخامس في مقارعة نظام القهر والفساد والاستبداد، فإن القوى الوطنية الديمقراطية أحوج ما تكون إلى مراجعة شاملة وموضوعية لأدائها السياسي، والإصرار على تحقيق هذه الوحدة الوطنية العريضة حول الأهداف العامة للثورة، وفاء لدماء شهدائنا، وعذابات معتقلينا، وآمال شعبنا الصابر المبتلى.
المجد والخلود لشهداء شعبنا الأبرار
والنصر للشعب السوري العظيم، شعب الحضارات والبطولات والتضحيات
الهيئة التنفيذية للكتلة الوطنية الديمقراطية السورية
15 آذار / مارس 2015