قول وزير الشأن الديني في ألف وثلاثمائة خطيب رفضوا تلاوة خطب وزارته

ما أشبه قول وزير الشأن الديني في ألف وثلاثمائة خطيب رفضوا تلاوة خطب وزارته فوق المنابر بقول فرعون في نبي الله موسى ومن معه (( إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميعا حذرون ))

يذكر جيدا جيل المتعلمين  في السنة النهائية من التعليم الابتدائي في الستينات من القرن الماضي عنوان كتاب  كان مقررا في مادة الرياضيات باللغة الفرنسية عنوانه :  " ألف وثلاثمائة مشكل ". وها نحن اليوم إزاء ألف وثلاثمائة خطيب يرفضون الانصياع لأمر وزير الشأن الديني الملزم  للخطباء بتلاوة خطب موحدة فوق منابر الجمعة في كل ربوع البلاد  ، غيرة على سمعتها ، وتشبثا بكفاءتهم الخطابية، ودفاعا عن مواهبهم التي يريد الوزير تعطيلها ، وتحويلهم إلى  مجرد ببغوات يرددون خطبا لا تتعلق بغبار خطبهم التي يبذلون فيها جهدا كبيرا ، وهي تكلفهم وقتا معتبرا أسبوعيا واطلاعا وبحثا واسعين.

ولقد وصف الوزير هؤلاء الخطباء بأنهم  قلة لا تتجاوز نسبتها خمسة بالمائة ، وشبههم بمرض يعتري جسم الخطابة ، وحث العلماء الذين يعملون تحت سلطته  على علاجه أو بتعبير أدق حرضهم  عليهم . وتساءل مستغربا عما في خطب  هذه القلة  القليلة مما ليس في الخطب التي  يفرض تلاوتها  فوق النمنابر في كل مساجد البلاد  مستخفا بهم ، وكأنهم لم يمارسوا الخطابة من قبل ، ولا يستطيعون الإتيان  بمثل خطبه المفروضة ، ولا بما يفوقها جودة وسبكا ، ومعالجة لما في واقع الناس المعيش من هموم ومشاغل تهمهم وتشغلهم ، وذلك لقربهم منه ،ومعايشتهم ومكابدة  له ، وفيهم أصحاب شواهد علمية عليا لا يستطيع الوزير أن يحلم مجرد الحلم بالحصول عليها  ، وما ينبغي له ، وما يستطيع ، والرأي العام الوطني على علم بطبيعة شهادته  التي بوأته منصبه . وإن كثيرا منهم لينطلقون مما تتوخاه الخطب التي تفرضه وزارته من مواضيع  ، ويبدعون في ذلك إبداعا ، ولعل ذلك ما أثار حفيظة الوزير ، و حفيظة من يعملون تحت إمرته خصوصا أولئك الذين أوكل إليهم  تحرير الخطب المفروضة ،والتي تفضح الخطب الوازنة للفئة المغضوب عليها من الخطباء تهافتها وضحالتها التي لا تخفى على المواطن العادي بله المواطن المثقف  أو العالم . وإن في محيط الوزير لمن  يحقرون الناس  عامة ، ويجهلونهم ، ويدعون أن العلم بدأ وانتهى عندهم ، ويعيرونهم متنطعين بضيق الآفاق التي لا تنفتح إلا لهم وحدهم  ، والرأي العام أعلم بهؤلاء لأنهم يقيمون الحجة  بذلك على أنفسهم بما ينطقون به في المحافل مما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي، وهم لا يستحيون من أنفسهم وقد حرموا نعمة التواضع  لله تعالى التي بها تكون رفعة الشأن عنده عز وجل وعند عباده  المؤمنين  .

والوزير بتجنيه المكشوف على هذه الفئة من الخطباء ظلما وعدوانا  أشبه ما يكون بفرعون الذي حكى القرآن الكريم قوله في نبي الله موسى عليه السلام ،ومن آمنوا معه : (( إن هؤلاء لشرذمة قليل ، وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميعا حذرون )) . ولقد قال فرعون هذا القول مستخفا بمن دعاه إلى الحق ، فحاول أن يستعدي عليه من كانوا معه على باطل . ولا يخفى ما في استعماله للفظة " شرذمة " من دلالة قدحية  لمجرد أنهم لم ينصاعوا لباطله ، وغاظوه  بذلك ، ولذلك حذِرهم  وحذّر الخاضعين له منهم .

وإذا كان الوزير ميئوسا من تخليه عن تعاليه وتشامخه ، فإنه جدير بالعقلاء من أهل العلم ممن يشاركونه تدبير الشأن الدين ألا يجارونه في الوصاية والحجر على الخطابة والخطباء، و في تعطيل بل في قتل مواهبهم الخطابية .وعلى هؤلاء السادة العلماء أن يستحضروا ساعة لقاء الله تعالى ، ويوم الوقوف بين يديه ، ويوم سؤالهم عما علموا ، وعما عملوا بما علموا . وإنا لنظنهم أعقل من أن يقايضوا آخرتهم بدنيا زائلة .  

وعلى الألف والثلاثمائة خطيب الذين غاظوا الوزير  أن يرصوا صفهم، وأن يثبتوا على مبدئهم إن كانوا يريدون الله عز وجل والدار الآخرة ، وأن يبذلوا قصارى جهودهم في تدبيج الخطب الوازنة التي تفضح المتهافت والضحل من الخطب التي نفخ فيها الوزير وبطانته نفخا، واعتبروها غاية ومنتهى الخطابة .

وعلى باقي الخطباء الذين شق الوزير صدورهم، فعلم أنهم جميعا راضون بتلاوة خطبه  فوق المنابر طوعا وتلقائيا أن يقفوا وقفة  شجاعة ومشرفة أيضا ، وأن يكونوا في مستوى حسن ظن الأمة بهم  ، وأن تكون خشيتهم لله تعالى فوق خشية وعيد الوزير، لأن كل ما في وسعه وما في استطاعته هو صرفهم عن الخطابة كما صرف الكثير من الخطباء ، وذلك دأبه وديدنه منذ استوزاره .

وأخيرا نقول إن الأمة العربية والإسلامية على وعي تام بكل المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام من أجل إفراغه من دلالته ، ومن أجل تعطيله لتطويع المسلمين لأهواء أعدائه، والله المستعان على ما يمكرون ، وهو خير الماكرين، وسيبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، ولن يترك بيت مدر ولا وبر إلا دخله بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزا يعزه به سبحانه وتعالى ، وذلا يذل به كل من عاداه أو كاد له .  

وسوم: العدد 1104