أيامٌ سوريةٌ فيها حدث
أيامٌ سوريةٌ فيها حدث
بدر الدين حسن قربي /سوريا
في 30 كانون الثاني/يناير 2013 ، قصف الطيران الإسرائيلي موقعاً لصواريخ أرض/ جو قرب دمشق، ومجمعاً عسكرياً للبحوث حول الأسلحة الجرثومية والكيماوية في منطقة جمرايا القريبة من الحدود اللبنانية.
وفي الثالث من أيار والخامس منه في العام نفسه، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارتين، استهدفت إحداهما مواقع ومخازن عسكرية في قاسيون، وأما الثانية فكان هدفها- فيما قيل- شحنات أسلحة في طريقها إلى لبنان، مرسلة الى حزب الله، ومركز البحوث في جمرايا، الذي سبق أن قصف في غارة كانت في مطلع العام.
واجه بشار وعصابته حرجاً إعلامياً شديداً لعدم الرد على الغارات الإسرائيلية الثلاثة من عامّة مؤيديه وأنصاره فضلاً عن معارضيه ومقاتليه، ولاسيما أن ردّه اقتصر على متابعة القصف المستمرّ والعنيف لمواقع الثوار في غوطة دمشق وماحولها من البلدات. وهو مادفع ببشار الأسد في معرض سؤاله عن عدم الرد على الغارات الإسرائيلية السابقة في لقاء له بثته قناة المنار الحزب اللاوية في 31 أيار/مايو الماضي، أن يجيب قائلاً ومتوعّداً: ” أبلغنا كل الجهات العربية والأجنبية وخاصةً الأجنبية، أننا سنردّ في المرة القادمة “، وذلك في نفس الوقت الذي سرّبت وسائل إعلامه كلاماً بأن أي اعتداء إسرائيلي لاحق، سيقابل بالرد دون الرجوع إلى القيادة.
في الخامس من تموز/يوليو، استهدف قصف إسرائيلي- لم يُعلَن عنه – موقعاً عسكرياً قرب السامية في منطقة الحفة/ اللاذقية، أفادت مصادر ميدانية وقتها، أنه مخزن فارغ للجيش السوري، في حين نشرت صحف أمريكية فيما بعد نقلاً عن مسؤولين رسميين في واشنطن قولهم، إن الصواريخ التي استُهدفت في الغارة كانت قد نُقِلَت قبل مدة من القصف.
أعلن نظام الأسد الكيماوي في 9 أيلول/سبتمبر من العام نفسه موافقته على ماسمّي بالمبادرة الروسية المتضمّنة تسليم مايملكه كاملاً من الأسلحة الكيماوية للمجتمع الدولي بقصد تدميره والتخلص منه، مقابل أن يتوقف تهديده بالضربة العسكرية الأمريكية، بسبب استخدامه الكيماوي في ضرب الغوطة الشرقية وريف دمشق يوم 21 أغسطس/آب وموت أكثر من ألف وخمسمئة شخص بينهم قرابة 400 طفل. وتمّ الأمر وكأنه صفقة، اعتبرها إعلام الأسد الكيماوي نصراً مبيناً له باعتبار أن مامقداره ألف طن من الكيماوي يشكّل في أصله عبئاً على الدولة السورية، وأن التخلص منه يكلّف أموالاً طائلة ويستغرق سنوات، ويطرح تحديات بيئية ومشكلات لا بد من حلها، فكانت الموافقة على تسليمه للأعداء من المجتمع الدولي بمثابة انتصار كبير مشهود لبشّار، وهزيمةٍ كبرى لأمريكا وحلفائها ارتدّت بعده بوارجهم وسفنهم على أدبارها مهزومة، ومقلبٍ سَقَوْهم إياه بهدوءٍ قلبوا به الطاولة عليهم، ورموا بالكرة في ملعبهم وأحرجوهم بدهائهم أمام شعوبهم وإداراتهم، وأفشلوا مخططهم ومؤامرتهم لضرب سوريا، وخصوصاً أن هدفهم لم يكن الكيماوي السوري، بل تغيير موازين القوى وحماية إسرائيل. وقد أكّد ماسبق، كلام بشار الكيماوي في معرض جوابه لسؤال: ألا تُعدّ خسارة السلاح الكيماوي خسارة إستراتيجية لسوريا، وهو ما نقلته عنه صحيفة الأخبار اللبنانية يوم 26 أيلول/ سبتمبر: أصلاً نحن صنعنا الكيماوي في الثمانينيات كسلاح ردع في مواجهة السلاح النووي الاسرائيلي، وهو الآن لم يعد سلاحاً رادعاً. لدينا اليوم أسلحة ردع أكثر أهمية وأكثر تطوراً حيال إسرائيل التي يمكننا أن نُعمي بصرها في لحظات.
ومابين الموافقة على تسليم الترسانة الكيماوية وكلام بشار عن أسلحته الرادعة، لم يجد المجتمع الدولي أنسب من الذكرى السنوية لحرب تشرين التحريرية، الأحد السادس من تشرين أول/اكتوبر 2013 يوماً للبدء بتدمير الأسلحة بصواريخها وقنابلها ومعدّاتها الصناعيه وتفكيكها والتخلص منها بإشراف خبرائها رغم أنه يوم عطلة عندهم، وبمساعدة من جيش بشار الكيماوي وخبرائه وعناصره
ثم لم يكتمل شهر تشرين أول/أكتوبر، حتى شنت إسرائيل غارتين جديدتين في الثلاثين منه يوم الأربعاء الماضي مساءً. ضربت في أولاها قاعدةً عسكرية للدفاع الجوي متاخمة لبلدة صنوبر/ جبلة بالقرب من اللاذقية بصواريخ من جهة البحر، وفي الثانية استهدفت شحنة صواريخ مضادة للطائرات في الأراضي السورية قرب الحدود اللبنانية قيل بأنها مرسلة لجماعة حسن نصرالله. جاءت الغارتان الأخيرتان وكأن بشاراً وجيشه لم يسمع بهما أصلاً، فلا إسرائيل تكلمت، ولا هو قال شيئاً. ولولا تأكيد الأمريكان للضربة وتسريبهم الخبر، وكذلك مانشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» وماتداولته وكالات الأنباء أيضاً، لتمّ الكتمان والتكتم على ماكان. وهو بالمناسبة، تأكيد وتسريب أغاظ الإسرائيلين لسبب أو آخر، وإنْ هَدَفَ الأمريكان _ بما سرّبوا _ اختبار احتمال بشار وشبيحته للمزيد من الإهانة والإذلال.
للمرة السادسة خلال عشرة أشهر، تضرب إسرائيل في العمق السوري، ثم لا أحد يردّ، إن بأمرٍ أو بدونه، بل ودمّرت إسرائيل الصواريخَ الرادعة التي أشار إليها بشار بن أبيه بصمتٍ ، ودون أن يرفّ له جفن رغم تهديدادته ومقولاته، التي تذكّرنا بما قاله حافظ الأب في جريدة الثورة السورية بتاريخ 20 أيار/ مايو قبيل حرب 1967 بما مختصره: إن القوات السورية جاهزة ومستعدة لرد العدوان الإسرائيلي، بل ولعملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي. إننا أخذنا بعين الاعتبار تدخل الأسطول السادس الأمريكي، ويدنا على الزناد، وبانتظار الإشارة من القيادة السياسية.