غزل ويزن يطالبان الفصائل بإلغاء احتفالات الانطلاقة السنوية

غزل ويزن يطالبان الفصائل

بإلغاء احتفالات الانطلاقة السنوية

م. محمد يوسف حسنة

في غرفة صغيرة سقفها ألواح من الزينكو المهترئ، يسمح لأشعة الشمس الحارقة صيفاً ومياه الأمطار شتاءاً باغتيال طفولة غزل “سنتين" ويزن "سنة" على مدار العام، تقطن أسرة من خمسة أفراد في غرفة صغيرة، لجأت إلى خزانة الملابس لتُحولها إلى سرير نوم علّه يقي الطفلة غزل والطفل يزن برد شتاء قارص على الأبواب ويحميهم من تدفق مياه الأمطار، أسرة تقع تحت خط الفقر ولا تجد ما تسد به حاجتها، غرفة نومها هو مكان قضاء الحاجة ومكان الاستحمام ولكم أن تتخيلوا أي حياة في جنبات تلك الغرفة.

وقبل الحديث عن وضع الجميع أمام مسؤولياتهم فقد أقسمت بالله أن يتغير حال هذه الأسرة اليوم وقبل نشر هذه الكلمات، فإن لم تتحرك فينا النخوة وإن لم يتحرك الضمير والحس بالمسؤولية الذي بداخلنا في مثل هذه المواقف فمتى يتحرك؟

أشار البنك الدولي في تقرير حديث أصدره إلى أن قطاع غزة يحتل المرتبة الثالثة من حيث الفقر عربياً ويحتل المرتبة 44 من حيث الفقر عالمياً، كما وتُشير الاحصاءات أنه وفي ظل الظروف الصعبة  التي يحياها قطاع غزة فإن ما نسبته 57% من أهالي قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي والنسبة مرشحة للزيادة نهاية العام ليصل إلى 65%.

كما وتبلغ البطالة مانسبته  35.5% من القوى القادرة على العمل ومتعطلة بسبب الظروف الراهنة، ونظراً لعدم توفر الوقود والحصار المشدد المفروض على قطاع غزة وتوقف محطة توليد الكهرباء فقد توقفت العديد من الخدمات الحيوية في قطاع غزة.

كل ماسبق يستدعي تدخلاً خارجياً لرفع الحصار أولاً ووضع الاحتلال أمام مسؤولياته ثانياً وقبل هذا وذاك إنهاء انقسام بات ينخر في عظام قضيتنا ويصيب جسدها بسرطان يقضي عليها.

وفي ظل استبعاد أن تكون الحلول المذكورة أعلاه قريبة وفي ظل تشديد الحصار وعدم قدرة المؤسسات المانحة على توجيه التبرعات لقطاع غزة وتوقّف حركة القوافل بشكل شبه كامل، بل وانشغالها في ساحات اقليمية ساخنة أخرى كالساحة السورية مثالاً يتطلب تكاتفاً داخلياً فلسطينياً يتمثل في أن يقوم أغنياء قطاع غزة وفصائلها بتفقد مثل هذه الحالات ومعالجتها محلياً.

وفصائلنا الوطنية والإسلامية التي هى ملاذنا وخط الدفاع بل ورأس الحربة في الدفاع عن مشروع دولتنا، أنتم على أعتاب احتفالاتكم بمناسبة انطلاقاتكم وإحياء ذكرى استشهاد قادة، وذكرى عدوان جرى على غزة، إن حكّمنا صوت العقل ونحينا الحسابات التنظيمية التي تتعلق بالاستعراض والحشد والظهور ورغبة كل طرف في إرسال رسائل معينة لأطراف عدة، فإن مناسبة انطلاقاتكم ليست مقدّسة ليتم الاحتفال بها في ظل ظروف مأساوية صعبة يُكابدها أهالي قطاع غزة.

الموازنات التي ستُرصد للمهرجانات والاحتفالات الأولى بها أن تذهب لمثل هذه العائلات ولتشغيل المتعطلين عن العمل، أعلم أن هناك جهات اختصاص لكل شئ، ومشكلة جهات الاختصاص في مثل هكذا حالات أنه لا يتوافر لها تمويل فما هو أولى يا قادتنا؟ الانفاق على ملصقات ورايات ومسارح ومسيرات راجلة ومحمولة وإشغال طواقم عمل لثلاث وأربعة أشهر لأجل ساعتين أم التخفيف عن عدد من المواطنين سواء بترميم البيت أو توفير مصدر دخل وإن كان مؤقتاً.

لا نُبالغ إن قلنا أن الفصيل الواحد يرصد ما بين ربع مليون دولار إلى مليون دولار لأجل موازنة الاحتفال الخاص بذكرى انطلاقته حسب حجم التنظيم وتمدده، ومتوسط أي احتفال في ذكرى عدوان أو مهرجان لا يقل عن 50 ألف دولار وفي حال التقشف 30 ألف دولار، إن ما قررت الجهات المسؤولة عن تنظيم الاحتفالات إلغاؤها مراعاة للظرف الراهن وتحويل مثل تلك الموازنات لجهات الاختصاص بالحالات الاجتماعية أليست أولى بل وألن يكون أثرها داخليا أقوى؟

أوقف خليفة المسلمين في عام الرمادة حد السرقة وقطع اليد لما استفحل الفقر والعوز، ألا تستطيع فصائلنا وقف المهرجانات الاستعراضية لهذا العام نظراً للظروف المأساوية التي يحييها أهالي قطاع غزة؟

إن المسؤولية الأخلاقية والوطنية من وجهة نظري تطلب أن تقف قيادة الفصائل موقفاً مسؤولاً تُجاه ما يعانيه مواطني قطاع غزة، وأن يكون أساس العمل التخفيف عن المواطن والحفاظ على كرامته الإنسانية.

لا أستطيع تخيّل شعور رجل لا يستطيع توفير قوت يومه وتأمين مواصلات ابنه المدرسية حين يسمع أن المواصلات للاحتفال مؤمنة ذهاباً وإياباً، لم أنجح في تخيل شعور رجل جائع وصرخات أطفاله تتردد في عقله وهو يحمل راية فصيل ما يحركها يمينا ويُسرى ويهتف بما يهتف الجمهور وبقرارة نفسه يقول أنا أولى بثمن هذه الراية، لا أستطيع تخيل شعور عائلة تنام على الشموع لتوقف محطة الكهرباء نتيجة نقص الوقود تستيقظ على أصوات المسيرات المحمولة في السيارات الحديثة والموتوسيكلات يتقدمها عربات إذاعة تحمل مواتير كهرباء وكأني بهم يقولون نحن أولى بتلك الأموال من أن ننام على شمعة قد تلتهم أجسادنا ونحن نيام.

لكل فصائلنا الحب والتقدير فقد أوجعوا العدو وأربكوا حساباته، وإثبات قوتهم وحضورهم حاضر لدينا بما يفعلونه بالاحتلال، تهانينا المسبقة لهم أيضاً بمناسباتهم الوطنية.