ماذا وراء تصريحات نتنياهو الأخيرة حول جنوب سوريا؟
يواصل الاحتلال الإسرائيلي توسيع نفوذه في جنوب سوريا، في خطوة تعكس مساعيه لفرض سيطرته على المنطقة عبر مشاريع عسكرية واستيطانية جديدة.
التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس تكشف عن أجندة تهدف إلى تحييد الوجود السوري الرسمي في الجنوب، وتعزيز علاقاته مع بعض مكونات المجتمع المحلي، لا سيما الطائفة الدرزية، في محاولة لاستقطابها ضمن سياساته التوسعية.
في تصريحاته الأخيرة، قال نتنياهو إن حكومته ستطالب بـ “نزع سلاح الجيش السوري في جنوب سوريا بالكامل”، مشيراً إلى أن “إسرائيل” لن تتسامح مع أي تهديد يطال المجتمع الدرزي. بينما أكد كاتس أن جيشه لن يسمح بأي “تمركز عسكري في المنطقة الأمنية الممتدة من جنوب سوريا إلى دمشق”، ملوحاً بإجراءات عسكرية في حال حدوث ذلك.
هذه التصريحات تعكس محاولة الاحتلال فرض معادلات أمنية جديدة في الجنوب السوري، مستفيداً من الانهيار الذي شهدته الدولة السورية خلال العقد الأخير؛ فالحديث عن “إخلاء جنوب سوريا من القوات العسكرية للنظام الجديد” يكشف عن نوايا تتجاوز الأمن لتطال إعادة تشكيل الخارطة العسكرية والسياسية في المنطقة، بما يخدم المصالح الإسرائيلية على المدى الطويل.
استغلال الطائفة الدرزية
من اللافت أن كاتس ركّز في حديثه على تعزيز العلاقات مع المجتمعات المحلية، وبالأخص الطائفة الدرزية، معتبراً أن الدروز في سوريا امتداد لمن أسماهم “إخواننا الذين يقاتلون معنا في إسرائيل”، في إشارة إلى الدروز المجندين في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتحمل هذه التصريحات أبعاداً خطيرة، حيث تعكس مساعي “إسرائيل” إلى استقطاب بعض الشرائح داخل الطائفة الدرزية، مستغلة الوضع الهش الذي يعيشه جنوب سوريا، مما قد يؤدي إلى تعزيز الانقسام الداخلي وتوظيف بعض الفئات كأدوات لخدمة المشروع الإسرائيلي.
مشاريع استيطانية وعسكرية
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، قد أكدت أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ ببناء قواعد عسكرية وبؤر استيطانية في المنطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا، في خطوة تمثل خرقاً صارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1974 بين سوريا والحدود الفلسطينية.
ووفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية، فإن “إسرائيل” أنشأت قاعدتين عسكريتين، وتعمل على بناء قاعدة ثالثة في المنطقة التي دخلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.
وتم توثيق إنشاء مواقع مراقبة متقدمة في جباتا الخشب، حيث تم تطوير قاعدة عسكرية بالكامل لتعزيز رؤية الاحتلال داخل الأراضي السورية، بينما يجري بناء قاعدة أخرى جنوباً، تستفيد من شبكة الطرق المحلية لتوسيع الانتشار العسكري.
وتتنافى هذه التحركات مع مزاعم “إسرائيل” بأن وجودها في المنطقة مؤقت، حيث تشير المعطيات إلى نية الاحتلال ترسيخ وجود طويل الأمد في الجنوب السوري، وتحويل المنطقة العازلة إلى ساحة نفوذ دائمة، تماماً كما فعل في مناطق أخرى مثل الجولان المحتل.
وأفادت الصحيفة بأن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بإقامة القواعد العسكرية، بل عمد إلى تدمير أشجار الفاكهة وقطع الأشجار في محميات طبيعية بغية توسيع المستوطنات العسكرية، في انتهاك واضح للبيئة والموارد المحلية.
ونقلت الصحيفة عن رئيس بلدية جباتا الخشب، محمد مريود، قوله: “أخبرنا الإسرائيليين أننا نعتبر هذا احتلالاً”، مؤكداً أن قوات الاحتلال تنقل المعدات الثقيلة وتقيم بنى تحتية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية، في تجاهل تام للمواثيق الدولية.
وتُشكّل هذه التحركات انتهاكاً صارخاً لاتفاقية فصل القوات الموقعة بين سوريا و”إسرائيل” عام 1974، والتي نصّت على جعل المنطقة العازلة خالية من أي وجود عسكري، غير أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل تجاهل هذه الاتفاقيات مستغلاً الوضع السوري الهش لتحقيق مكاسب استراتيجية، في خطوة قد تدفع نحو تصعيد عسكري جديد في المنطقة.
أهداف الاحتلال
يرى مراقبون أن “إسرائيل” تسعى عبر هذه التحركات إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أبرزها:
1- تحييد أي وجود عسكري رسمي في الجنوب السوري، ومنع أي قوات معادية لها من التمركز هناك.
2- تعزيز النفوذ الأمني والعسكري الإسرائيلي في المنطقة العازلة، وتحويلها إلى منطقة خاضعة لسيطرتها المباشرة.
3- محاولة خلق علاقات مع بعض فئات المجتمع المحلي، لا سيما الدروز، لاستخدامهم كقوة حليفة ضد أي تهديد مستقبلي.
4- فرض وقائع جديدة على الأرض قبل أي تسوية مستقبلية للأزمة السورية، لضمان احتفاظ “إسرائيل” بسيطرتها على الجولان المحتل وما حوله.
وختاما.. تمثل التحركات الإسرائيلية الأخيرة في جنوب سوريا تحدياً مباشراً للسيادة السورية، وانتهاكاً واضحاً للمواثيق الدولية، ما يضع المنطقة أمام سيناريوهات مفتوحة قد تشمل تصعيداً عسكرياً محتملاً، أو توتراً طويل الأمد بين مختلف الأطراف.
ورغم أن دمشق لم تصدر ردوداً قوية على هذه التطورات، فإن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في بناء قواعده العسكرية داخل الأراضي السورية قد يدفع باتجاه صدام جديد في الجنوب، لا سيما في ظل عودة النفوذ الإقليمي والدولي للعب أدوار أكثر تأثيراً في الساحة السورية.
وسوم: العدد 1117